شرح رياض الصالحين
كتاب الدعوات
باب فضل الدعاء
قال الله تعالى: { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } وقال تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } وقال تعالى: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } وقال تعالى { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء }
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين كتاب الدعوات: الدعوات جمع دعوة وهي دعوة الإنسان ربه عز وجل يقول يا رب يا رب وما أشبه ذلك يسأل الله تعالى أن يعطيه ما يريد وأن يكشف عنه ما لا يريد ثم قال باب الأمر بالدعاء وفضله ثم ذكر الآيات ادعوني أستجب لكم وهذا قول من الله عز وجل ووعد والله تعالى لا يخلف الميعاد { ادعوني أستجب لكم } والمراد بالدعاء هنا دعاء العبادة ودعاء المسألة أما دعاء العبادة فهو أن يقوم الإنسان بعبادة الله لأن القائم بعبادة الله لو سألته لماذا أقمت الصلاة لم آتيت الزكاة لماذا صمت ؟ لماذا حججت ؟ لماذا جاهدت ؟ لماذا بررت الوالدين ؟ لماذا وصلت الرحم ؟ لقال أريد بذلك رضا الله عز وجل وهذه عبادة متضمنة للدعاء .
أما دعاء المسألة فهو أن تسأل الله الشيء فتقول يا رب اغفر لي يا رب ارحمني يا رب ارزقني وما أشبه ذلك ..
وهذا أيضا عبادة كما جاء في الحديث الدعاء عبادة وهو عبادة لما فيه من صفة التوجه إلى الله عز وجل والاعتراف بفضله فيكون قوله { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة { أستجب لكم } والاستجابة في دعاء العبادة هي قبولها والاستجابة في دعاء المسألة إعطاء الإنسان مسألته وهذا وعد من الله تعالى لكن لابد من أمور فلابد لإجابة الدعاء من شروط منها الإخلاص أن تخلص لله فتكون داعيا له حقا إن كنت في عبادة لا تشرك به شيئا لا تعبده رياء ولا سمعة ولا من أجل أن يقال فلان حاج فلان سخي فلان كثير الصوم إذا قلت هذا أحبط عملك فلابد من الإخلاص في المسألة أيضا ادع الله وأنت تشعر بأنك في حاجة إليه وأنه غني عنك وقادر على إعطائك ما تسأل ولابد أيضا من أن يكون الدعاء لا عدوان فيه فإن كان فيه عدوان فإن الله لا يقبله ولو من الأب لابنه أو من الأم لابنها إذا كان فيه عدوان فإن الله لا يقبله لقول الله تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } فلو دعا الإنسان بإثم بأن سأل ربه شيئا محرما فهذا لا يقبل لأنه معتد ولو سأل ما لا يمكن شرعا مثل أن يقول اللهم اجعلني نبيا هذا لا يجوز وهو عدوان لا يقبل ولو دعا على مظلوم فإنه لا يقبل ولو دعت المرأة على ابنها لأنه يحب زوجته فإنه لا يقبل وكذلك الأب لو دعا على ابنه لأنه صاحب أناسا طيبين فإنه لا يقبل فيشترط أن يكون في الدعاء عدوان الشرط الثالث: يشترط أن يدعو الله تعالى وهو موقن بالإجابة لا دعاء تجربة لأن بعض الناس قد يدعو ليجرب ليرى هل يقبل الدعاء أم لا ؟ هذا لا يقبل منه ادع الله وأنت موقن بأن الله تعالى سوف يجيبك فإن كنت دعوته وأنت في شك فإن الله لا يقبله منك الشرط الرابع: اجتناب الحرام بأن لا يكون الإنسان آكلا للحرام فمن أكل الحرام من ربا أو فوائد غش أو كذب أو ما أشبه ذلك فإنه لا يستجاب له والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } وقال { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجيب الله لهذا مع أنه فعل من أسباب الإجابة ما يكون جديرا بالإجابة ولكن لما كان يأكل الحرام صار بعيدا أن يقبل الله منه فهذه أربعة شروط للدعاء لابد منها والله الموفق
باب الأمر بالدعاء وفضله
باب الأمر بالدعاء وفضله
وقال تعالى: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } وقال تعالى { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء }
الشَّرْحُ
سبق لنا الكلام على بيان فضيلة الدعاء وشروط الإجابة وفي هذه الآية الكريمة يقول الله تعالى وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله له { وإذا سألك عبادي عني } يعني هل أني قريب أم لست بقريب ؟ فالجواب { فإني قريب } وقربه جل وعلا قرب يليق بجلاله وعظمته ليس قرب مكان لأنه سبحانه وتعالى فوق كل شيء فوق السماوات السبع فوق العرش ولكنه قرب يليق بجلاله وعظمته فهو مع علوه العظيم الذي لا منتهى له إلا بذاته المقدسة فهو مع ذلك قريب في علوه بعيد في دنوه جل وعلا قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ولكنه فوق سماواته .
السماوات السبع والأراضين السبع في كفه جل وعلا كالخردلة في كف أحدنا فهو محيط بكل شيء لا إله إلا هو { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } قربا يليق بجلاله وعظمته وليس قرب مكان بمعنى أنه ليس عندنا في الأرض بل هو فوق السماوات جل وعلا { أجيب دعوة الداع إذا دعان } هذا الشاهد أنه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه حقيقة والتجأ إليه وافتقر إليه وعلم أنه لا يكشف السوء إلا الله وأنه محتاج إلى ربه فإنه إذا دعاه في هذا الحال أجابه سبحانه وتعالى ولكن لابد من ملاحظة الشروط السابقة وقال تعالى { فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي } فليستجيبوا أي لما دعوتهم إليه من عبادته سبحانه وتعالى ومنها أن يدعوني لأن الله أمرنا بذلك { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } { وليؤمنوا بي } إيمانا حقيقيا لا شك معه ولا كفر معه وحينئذ يكون الله تعالى أسرع إليهم بالإجابة { لعلهم يرشدون } لعل هنا للتعليل أي لأجل أن يرشدوا فيكونوا في جميع تصرفاتهم على وجه الرشد والرشد عكس السفه وهذه أيضا من الآيات التي تحث الإنسان إلى الدعاء بإيمان وإخلاص ثم ذكر المؤلف الآية الرابعة: قال تعالى { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض } الاستفهام هنا للإنكار والنفي يعني لا أحد يجيب المضطر إذا دعاه إلا الله فالله عز وجل يجيب دعوة المضطر ولو كان كافرا حتى الكافر إذا اضطر ودعا ربه أجابه قال الله تعالى { وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور } فالمضطر الذي تلجئه الضرورة إلى دعاء الله ولو كان كافرا يجيب الله دعوته فما بالك إذا كان مؤمنا ؟ فمن باب أولى فلا أحد يجيب المضطر إلا الله أما غير الله عز وجل فقد يجيب وقد لا يجيب ربما تستغيث بإنسان في ضيق أو حريق تستغيث به ولا يجيبك ولا ينقذك لكن الله عز وجل إذا اضطررت إليه ودعوته أجابك { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض } { يكشف السوء } أي يزيله { أإله مع الله } أي لا إله مع الله يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وفي هذا رد وإبطال لما يدعيه عباد الأصنام من أنها تجيبهم وتغيثهم فإن هذا لا حقيقة له أي أحد تدعوه من دون الله لا يجيب حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لو دعوته وقلت يا رسول الله أنقذني من الشدة فإنك مشرك كافر والرسول صلى الله عليه وسلم متبرئ منك ويقاتلك لو كان حيا لأنه لا أحد يدعى إلا الله كل من يدعى من دون الله فإنه لا يستجيب وقال تعالى { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين } فهذه الآيات وأمثالها كلها تدل على فضيلة الدعاء والدعوة إليه وإنه لا ينبغي للإنسان أن يستغني عن ربه طرفة عين والله الموفق
1465 -