باب فضل الدعاء بظهر الغيب
قال الله تعالى { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } وقال تعالى { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } وقال تعالى إخبارا عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم { ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب }
1494 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل رواه مسلم
1495 - وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل رواه مسلم
الشَّرْحُ
قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصاحين باب فضل الدعاء بظهر الغيب يعني الدعاء لأخيك بظهر الغيب يعني في حال غيبته وذلك أن الدعاء بظهر الغيب يدل دلالة واضحة على صدق الإيمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فإذا دعوت لأخيك بظهر الغيب بدون وصية منه كان هذا دليلا على محبتك إياه وأنك تحب له من الخير ما تحب لنفسك ثم استدل المؤلف رحمه الله بثلاث آيات من كتاب الله ومنها قوله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر لذنبك والمؤمنين والمؤمنات فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنبه وأن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات وما أكثر الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر لذنبه ونحن نعلم أنه يستغفر للمؤمنين أيضا لأنه أمر بذلك ومعنى استغفر لذنبك يعني اطلب المغفرة من الله عز وجل أن يغفر ذنبك والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه لأن هذا هو الذي يدل عليه الاشتقاق فإنه مشتق من المغفر وهو وقاية الرأس بالبيرة المعروفة الخوذة توضع على الرأس عند القتال فتقيه من السهام وتستره ومن ذلك أيضا قول الله تعالى { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } وهؤلاء هم الصنف الثالث من الأصناف الثلاثة الذين قال الله فيهم { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ويبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } فوصفهم الله بالهجرة والنصرة الصنف الثاني { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وهؤلاء هم الأنصار أنصار المدينة والصنف الثالث } والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم { وهذه دعوة لإخوانهم بظهر الغيب وأما الآية الثالثة فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم } ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب { فقوله } وللمؤمنين { هذا دعاء للمؤمنين بظهر الغيب إذن الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب من طرق الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن سبيل الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن ذلك أننا نحن كلنا ندعو لإخواننا في صلاتنا بظهر الغيب كلنا يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وهذا دعاء وقد قال النبي إنكم إذا قلتم ذلك فإنكم قد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض إذن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهذا دعاء لإخوانك بظهر الغيب ثم ذكر المؤلف حديث أبي الدرداء رضي الله عنه بلفظيه أن الإنسان إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك آمين ولك مثله يعني لك بمثل ذلك فالملك يؤمن على دعائك إذا دعوت لأخيك بظهر الغيب ويقول لك مثله وهذا يدل على فضيلة هذا لكن هذا فيمن لم يطلب منك أن تدعو له أما من طلب منك أن تدعو له فدعوت له فهذا كأنه شاهد لأنه يسمع كلامك لأنه هو الذي طلب منك لكن إذا دعوت له بظهر الغيب بدون أن يخبرك بدون أن يطلب منك فهذا هو الذي فيه الأجر وفيه الفضل والله الموفق }
باب في مسائل من الدعاء
1496 -