1544 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة، عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ رواه البخاري .
تحلم أي: قال أنه حلم في نومه ورأى كذا وكذا، وهو كاذب و الآنك بالمد وضم النون وتخفيف الكاف: وهو الرصاص المذاب .
1545 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم تريا رواه البخاري .
ومع ناه: يقول: رأيت فيما لم يره .
1546 - وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا ؟ فيقص عليه من شاء الله أن يقص وإنه قال لنا ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع ، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر هاهنا .
فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى .
قال: قلت لهما سبحان الله، ما هذان ؟ قالا لي: انطلق، فانطلقنا .
فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه .
ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى .
قال: قلت: سبحان الله، ما هذان .
قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا .
فأتينا على مثل التنور، فأحسب أنه قال: فإذا فيه لغط، وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا، قلت ما هؤلاء ؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا .
فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيغفر له فاه، فيلقمه حجرًا، فينطلق فيسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه، فغر فاه له، فألقمه حجرًا، قلت لهما: ما هذان ؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا .
فأتينا على رجل كريه المرآة، أو كأكره ما أنت راء رجلاً مرأى، فإذا هو عنده نار يحشها ويسعى حولها، قلت لهما: ما هذا ؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا .
فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان ما رأيتهم قط، قلت: ما هذا ؟ وما هؤلاء ؟ قالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا .
فأتينا إلى دوحة عظيمة لم أر دوحة قط أعظم منها، ولا أحسن، قالا لي: ارق فيها، فارتقينا فيها، إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر منهم كأقبح ما أنت راء، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، وإذا هو نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة .
قال: قالا لي: هذه جنة عدن، وهذا منزلك، فسما بصري صعدًا، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء .
قالا لي: هذا منزلك .
قلت لهما: بارك الله فيكما، فذراني فأدخله .
قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله .
قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجبًا ؟ فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي: إنا سنخبرك .
أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة .
وأما الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق .
وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني .
وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر، ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا .
وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم .
وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة وفي رواية البرقاني: ولد على الفطرة .
فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم قوم خلطوا عملاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم .
رواه البخاري .
وفي رواية له: رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة ثم ذكره .
وقال: فانطلقنا إلى نقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نارًا، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا خمدت، رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة .
وفيها: حتى آتينا على نهر من دم، ولم يشك - فيه رجل قائم على وسط النهر، وعلى شط النهر رجل، وبين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج، رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج جعل يرمي في فيه بحجر، فيرجع كما كان .
وفيها: فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني داراً لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب .
وفيها: الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة وفيها: الذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، فيفعل به إلى يوم القيامة .
والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعت رأسي، فإذا فوقي مثل السحاب، قالا: ذاك منزلك، قلت: دعاني ادخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله، فلو استكملته، أتيت منزلك رواه البخاري .
قوله: يثلغ رأسه وهو بالثاء المثلثة والغين المعجمة، أي: يشدخه ويشقه .
قوله: يتهدهده أي: يتدحرج، و الكلوب بفتح الكاف، وضم اللام المشددة، وهو معروف .
قوله: فيشرشر أي: يقطع .
قوله: ضوضئوا وهو بضادين معجمتين، أي صاحوا .
قوله: فيغفر هو بالفاء والغين المعجمة، أي: يفتح .
قوله: المرآة هو بفتح الميم، أي: المنظر .
قوله: يحشها هو بفتح الياء وضم الحاء المهملة والشين المعجمة، أي: يوقدها، قوله روضة معتمة هو بضم الميم وإسكان العين وفتح التاء وتشديد الميم، أي: وافية النبات طويلته .
قوله: دوحة وهي بفتح الدال، وإسكان الواو وبالحاء المهملة: وهي الشجرة الكبيرة، قوله المحض هو بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وبالضاد المعجمة: وهو اللبن .
وقوله: فسما بصري أي: ارتفع .
وصعدا: بضم الصاد والعين: أي: مرتفعا .
والربابة: بفتح الراء وبالباء الموحدة مكررة، وهي السحابة .
الشَّرْحُ
سبق الكلام على أول حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، على جملتين منه، الجملة الأولى ( من تحلم بحلم لم يره )، والثانية ( من استمع إلى قوم هم له كارهون ) .
أما الثالثة فهو ( من صور صورة فإنه يكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ ) واعلم أن الصورة تنقسم إلى قسمين: صور مجسمة، بأن يصنع الإنسان تمثالاً على صورة إنسان أو حيوان، فهذا محرم، سواء أراده لغرض محرم أو لغرض مباح، مجرد هذا التصوير محرم، بل هو من كبائر الذنوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وبين أن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله .
والقسم الثاني: الملون، يعني ليس له جسم بل هو بالتلوين، فهذا قد اختلف العلماء فيه فمنهم من أجاز وقال لا بأس به إلا إذا قصد به غرضا محرما مثل أن يقصد به التعظيم - تعظيم المصور - فإنه يخشى إذا طال بالناس زمن أن يعبدوه كما جرى لقوم نوح فيما يذكر أنهم صوروا صورة لرجال صالحين ثم عبدوها لما طال الزمن وقال بعض العلماء: إنه لا بأس به إذا كان ملونا واستدلوا بحديث زيد بن خالد وفيه: ( إلا رقما في ثوب ) قالوا: هذا يدل على أن هذا مستثنى فيدل على أن المحرم ما له روح فقط، ولكن الراجح الذي عليه جمهور العلماء أنه لا فرق بين المجسم وبين الملون الذي يكون بالرقم كله محرم ؛ لأن الذي يرقم باليد صورة يحاول أن يكون مبدعا مشابها لخلق الله عز وجل فيدخل في العموم، وأما الصور التي تلتقط التقاطا بالآلة المعروفة، آلة التصوير الفوتوغرافية، فهذه من المعلوم أنها لم تكن معروفة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعروف في عهده إنما هو التصوير باليد الذي يضاهي به الإنسان خلق الله عز وجل أما هذه الآلة فغير معروفة، وليس الإنسان يصورها بيده ويخططها، يخطط الوجه مثلا، والعينين، والأنف، والشفتين، وما أشبه ذلك لكنه هو يلقي ضوء معينا تقدمت به معرفة الناس فتنطبع هذه الصورة في ورقة، وهو لم يحدث شيئا في الصورة لم يصورها إطلاقا وإنما التقطت هذه الصورة بواسطة الضوء فهذا لا شك أنه فيما نرى أنه لم يصور، غاية ما هنالك أن الصورة طبعت بالورقة، فكان الذي بالورقة هو خلق الله عز وجل يعني هذه الصورة هي الصورة التي خلقها الله، والدليل على ذلك أن الإنسان لو كتب كتابا بيده ثم صوره بالآلة، آلة التصوير، فإنها إذا طلعت الصورة لا يقال إن هذا هو كتابة الذي حرك الآلة وصور ( الشخص القائم بالتصوير ) بل يقال هذا كتابة الأول الذي خطه بيده، فهذا مثله، ولكن يبقى النظر لماذا صور الإنسان هذه الصور الفوتوغرافية، إذا كان لغرض محرم فهو حرام من باب تحريم الوسائل، كما لو اشترى الإنسان سلاحا في فتنة أو بيضا لقمار أو ما أشبه ذلك، يعني أن هذا مباح ولكن لغرض محرم فلا يجوز من باب تحريم الوسائل، أما إذا كان الغرض مباحا كتصوير لاستخراج رخصة السيارة أو البطاقة الشخصية وما أشبه ذلك فهذا لا بأس به، هذا هو الذي نراه في هذه المسألة، والناس ابتلوا بها الآن بلوى عظيمة وصارت منتشرة في كل شيء، ولكن يجب على الإنسان أن يعرف ويحقق ويميز بين ما حرمه الله ورسوله وبين ما لم يأت تحريمه، فلا نضيق على عباد الله ولا نوقعهم في محارم الله هذا إذا كان المصور له روح لقوله ( كلف أن ينفخ فيها الروح ) أما إذا كان المصور لا روح له، كتصوير الأشجار والشمس والقمر والنجوم والجبال والأنهار، فهذا لا بأس به لأنه ليس فيه روح، وقال بعض العلماء: ما كان ناميا كالشجر والزرع فإنه لا يجوز تصويره، لأنه جاء في الحديث فليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة وهذا نام فيشبه ما كان له روح لكن هذا خلاف قول جمهور العلماء، والصحيح أنه لا بأس به، أما ما يصنعه الإنسان فلا شك أنه يجوز تصويره كالقصور والسيارات وما أشبهها فصارت الآن الأقسام متعددة، ما يصنعه الإنسان بيده فهذا لا بأس من تصويره، مثل السيارات والقصور والأبواب وما أشبه ذلك وما هو خلق الله عز وجل وليس بنام لا ينمو كالشمس والقمر والنجوم والجبال والأقمار، فهذا أيضا لا بأس به وهذا محل اتفاق، وما كان من خلق الله وليس له روح ولكنه ينمو كالشجر والزرع وما أشبهه فجمهور العلماء على أنه لا بأس به، وذهب بعض العلماء ومنهم مجاهد بن جبر - تابعي مشهور - إلى أنه حرام والصحيح أنه لا بأس به، وأما ما فيه روح فهذا لا يجوز أن يصور، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وأما مسألة التقاط الصور فهذا لا نرى أنه داخل في التصوير إطلاقا، لأن الملتقط لم يحصل منه فعل يكون به التصوير ولكن يبقي النظر خلف أنه يلتقط هذه الصور لشيء محرم أو لا هذا هو محل التفصيل والله الموفق
باب بيان ما يجوز من الكذب