باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه
قال الله تعالى: { ولا تقف ما ليس لك به علم } وقال تعالى: { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }
1547 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع رواه مسلم .
1548 - وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين رواه مسلم
1549 - وعن أسماء رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور متفق عليه .
المتشبع: هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان، ومعناها هنا أنه يظهر أنه حصل له فضيلة وليست حاصلة ولابس ثوبي زور أي: ذي زور وهو الذي يزور على الناس بأن يتزي بزي أهل الزهد أو العلم أو الثروة ليغتر به الناس وليس هو بتلك الصفة وقيل غير ذلك والله أعلم:
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه ( رياض الصالحين ) باب التثبت فيما يقول وما يتكلم به - لما ذكر رحمه الله تحريم الكذب - والكذب أن يخبر الإنسان بما لم يكن على وجهه الصحيح أعقبه بهذا الباب، أن الإنسان يتثبت فيما ينقل ويتكلم به، لاسيما في زمن الأهواء وكثرة القيل والقال والتحدث بما كان أو لم يكن، ثم استدل لذلك بالآيات والأحاديث قال الله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم ( لا تقف ) يعني لا تتبع ما ليس لك به علم ولا تتكلم إلا بما تعلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، قال تعالى: { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } يعني إلا عنده رقيب أي مراقب يراقب ما تقول، عتيد حاضر فلا يغيب عنه، وهذا تحذير من أن يتكلم الإنسان بشيء لا يعلم عنه، لأنه بذلك آثم ثم ذكر في ذلك أحاديث: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع يعني أن الإنسان إذا صار يحدث بكل ما سمع من غير تثبت وتأن، فإنه يكون عرضة للكذب، وهذا هو الواقع ولهذا يجيء إليك بعض الناس يقولون: صار كذا وكذا، ثم إذا بحثت وجدت أنه لم يكن، أو يأتي إليك ويقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا بحثت وجدته لم يقل، وأعظم شيء أن يكون هذا فيما يتعلق بحكم الله وشريعته بأن يكذب على الله فيقول في القرآن برأيه ويفسر القرآن بغير ما أراد الله أو يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا .
وهو كاذب، أو ينقل حديثا يرى أنه كذب وهو لم يكذبه ولكن يقول: قال فلان كذا وكذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرى أنه كذب فإنه يكون أحد الكاذبين كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ويزداد إثم التقول إذا تشبع الإنسان بما لم يعط، كما في حديث المرأة أنها يكون لها ضرة يعني زوجة أخرى مع زوجها فتقول إن زوجي أعطاني كذا وأعطاني كذا وهي كاذبة، لكن تريد أن تراغم ( تغيظ ) ضرتها وتفسدها على زوجها، فهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور أي كذب .
والحاصل أنه يجب على الإنسان أن يتثبت فيما يقول ويتثبت فيمن ينقل إليه الخبر، هل هو ثقة، أو غير ثقة كما قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } ولاسيما إذا كثرت الأهواء وصار الناس يتخبطون ويكثرون من القيل والقال بلا تثبت ولا بينة، فإنه يكون التثبت أشد وجوبا، حتى لا يقع الإنسان في المهلكة .
والله الموفق
باب بيان تغليظ تحريم شهادة الزور
قال الله تعالى: { واجتنبوا قول الزور }، وقال تعالى: { لا تقف ما ليس لك به علم }، وقال تعالى: { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }، وقال تعالى: { إن ربك لبالمرصاد }، وقال تعالى: { والذين لا يشهدون الزور }
1550 -