1554 - وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار رواه أبو داود والترمذي وقالا حديث حسن صحيح
1555 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء رواه الترمذي وقال حديث حسن .
1556 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا شمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان أهلا لذلك وإلا رجعت إلى قائلها رواه أبو داود
1557 - وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد رواه مسلم
1558 - وعن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم إذ بصرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وتضايق بهم الجبل فقالت: حل اللهم العنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة رواه مسلم قوله: حل بفتح الحاء المهملة، وإسكان اللام وهي كلمة لزجر الإبل واعلم أن هذا الحديث قد يستشكل معناه ولا إشكال فيه بل المراد النهي أن تصاحبهم تلك الناقة وليس فيه نهي عن بيعها وذبحها وركوبها في غير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم بل كل ذلك وما سواه من التصرفات جائز لا منع منه إلا من مصاحبته صلى الله عليه وسلم بها لأن هذه التصرفات كلها كانت جائزة فمنع بعض منها فبقي الباقي على ما كان والله أعلم:
الشَّرْحُ
هذه أحاديث ساقها النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في التحذير من اللعن فمنها حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار يعني لا يلعن بعضكم بعضا بلعنة الله فيقول لصاحبه لعنك الله ولا بغضبه فيقول غضب الله عليك ولا بالنار فيقول أدخلك الله النار كل هذا حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد يقال لمن لا يستحقه وكذلك أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء وهذا يدل على أن هذه الأمور نقص في الإيمان وأنها تسلب عن المؤمن حقيقة الإيمان وكمال الإيمان فلا يكون طعانا يطعن في الناس بأنسابهم أو بأعراضهم أو بشكلهم وهيئاتهم أو بآمالهم ولا باللعان الذي ليس له هم إلا اللعنة قل كلمة لعنك الله قل كذا لعنك الله لماذا تقول كذا أو يقول لأولاده: لعنكم الله هاتوا هذا أو ما أشبه ذلك فالمؤمن ليس باللعان ولا بالفاحش الذي يفحش في كلامه بصراخ أو نحو ذلك ولا بالبذيء الذي يعتدي على غيره فالمؤمن مؤمن مسالم ليس عنده فحش في قوله ولا في فعله ولا غير ذلك لأنه مؤمن وكذلك حديث اللعنة أن الإنسان إذا لعن شخصا أو شيئا من الأشياء صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء الأولى ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبواب الأرض دونها ثم تذهب يمينا وشمالا ثم ترجع إلى الذي لعن فإن كان أهلا لها فقد استحقها وإلا رجعت إلى قائلها وهذا وعيد شديد على من لعن من ليس أهلا للعن فإن اللعنة تتحول في السماء والأرض واليمين والشمال ثم ترجع في النهاية إلى قائلها إذا لم يكن الملعون أهلا لها ثم ذكر حديث عمران بن حصين امرأة كانت على بعير لها فضجرت منها وتعبت وسأمت ولعنتها قالت: لعنك الله فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن يأخذ ما عليها من الرحل والمتاع وتعرى يعني البعير ثم تصرف قال: فلقد رأيتها في الناس لا يتعرض لها أحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تصرف وهذا من باب التعزيز تعزيز هذه المرأة أن تلعن دابة لا تستحق اللعن ولهذا قال لا تصحبنا دابة ملعونة لأن هذه المرأة لعنتها والملعون لا ينبغي أن يستعمل فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها وتركها فيكون هذا تعذيرا للمرأة التي لعنت هذه الدابة وهي لا تستحق والله الموفق
باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين
كتاب الأمور المنهي عنها ... الجزء الثاني
265- باب جواز لَعْن بعض أصحاب المعاصي غير المُعَيّنِين
باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين
قال الله تعالى: { ألا لعنة الله على الظالمين } وقال تعالى: { فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين } وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة وأنه قال لعن الله آكل الربا وأنه لعن المصورين وأنه قال لعن الله من غير منار الأرض أي حدودها وأنه قال: لعن الله السارق يسرق البيضة وأنة قال: لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله وأنه قال: من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وأنه قال: اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصوا الله ورسوله وهذه ثلاث قبائل من العرب وأنه قال: لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وأنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال وجميع هذه الألفاظ في الصحيح بعضها في صحيحي البخاري ومسلم وبعضها في أحدهما وإنما قصدت الاختصار بالإشارة إليها وسأذكر معظمها في أبواب من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى:
الشَّرْحُ
لما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه ( رياض الصالحين ) تحريم لعن المعين وأنه لا يجوز أن تلعن شخصا معينا ولو كان كافرا مادام حيا لأنك لا تدري فلعل الله أن يهديه عز وجل فيعود إلى الإسلام إن كان مرتدا أو يسلم إن كان كافرا أصليا ذكر بعد ذلك رحمه الله بابا في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين لأن هناك فرقا بين المعين وبين العام فيجوز أن تلعن أصحاب المعاصي على سبيل العموم إذا كان ذلك لا يخص شخصا بعينة ثم استدل رحمه الله بآيات وأحاديث منها قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين وقوله { فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين } وعلى هذا فيجوز أن تقول: اللهم العن الظالمين على سبيل العموم ما هو شخص واحد معين فيشمل كل ظالم وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الواصلة والمستوصلة وهذا في النساء الواصلة التي تصل الشعر بشعر آخر حتى يرى شعرها وكأنه طويل أو كأنه ثخين يعني منتشر والمستوصلة التي تطلب من يصل هذا فهاتان امرأتان ملعونتان على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة لكن لو رأيت امرأة معينة تصل امرأة أخرى معينة تطلب من يصل شعر رأسها فلا يجوز أن تلعن هذه المعينة لا يجوز مثل أننا نشهد لكل من قتل شهيدا أنه في الجنة كذا عموما لكن لو قتل الإنسان في المعركة في جهاد في سبيل الله لا نقول هذا الرجل شهيد بعلم أو نشهد أنه في الجنة لأن الشهادة في الجنة لها شأن آخر وكذلك لعن المعين له شأن آخر وضرب المؤلف رحمه الله أمثلة لذلك منها: لعن الله من غير منار الأرض يعني حدودها وذلك في الجيران إذا كان الإنسان مثلا له جار في الأرض فغير مراسم الحدود أدخل شيئا من أرض جاره إلى أرضه فهذا ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وهو مع كونه ملعونا والعياذ بالله سوف يكلف يوم القيامة بأن يحمل ما أدخل من أرض جاره يحمله على عنقه من سبع أرضين قال صلى الله عليه وسلم: من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه يوم القيامة من سبع أرضيين نسأل الله العافية ونعوذ بالله من الخزي والعار يأتي يوم القيامة بين العالم يحمل ما أدخله من أراضي غيره من سبع أرضيين وكذلك أيضا لعن النبي صلى الله عليه وسلم من لعن والديه إذا إنسان قال لوالده لأمه أو لأبيه لعنك الله أو لعنك الله أو عليك لعنة الله فإنه مستحق للعنة الله لأن الوالدين حقهما البر والإحسان ولين القول فإذا لعنهما والعياذ بالله استحق اللعنة قال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله من لعن والديه فيجوز أن تقول اللهم العن من لعن والديه وكذلك المصورون فيمكن أن تقول اللهم العن كل مصور لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وهكذا الأحاديث التي ذكرها المؤلف فيفرق بين العام والخاص العام لا يخص أحدا بعينه والخاص هو أن يخص أحدا بعينه فتخصيص أحد بعينه باللعن هذا حرام ولا يجوز أما على سبيل العموم فلا بأس ويأتي إن شاء الله الكلام على بقية الأحاديث التي مثل بها المؤلف والله أعلم وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة وأنه قال: لعن الله آكل الربا وأنه لعن المصورين:
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث التي عقدها المؤلف رحمه الله لبيان جواز لعن أهل المعاصي غير المعينين وقد سبق في الباب الذي قبله أنه لا يجوز لعن المعين ولو كان كافرا أما غير المعين بأن يلعن الإنسان من اتصف بهذه الصفة فهذا لا بأس به فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الواصلة والمستوصلة الواصلة هي التي تصل الشعر والمستوصلة هي التي تطلب من يصله يعني بأن المرأة يكون رأسها قصيرا وشعرها قليلا فتضيف إلى رأسها شيئا من الشعر لأجل أن يكون طويلا عندما يراه الناس وكثيفا فلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك وبعض الأحاديث حتى ولو كان شعرها قليلا جدا فإنه لا يجوز لها ذلك ومن هذا ما يسمى بالباروكة فأن بعض علمائنا المحققين قالوا إن لبس الباروكة من الوصل وأن التي تلبس الباروكة ولو للتجمل ملعونة والعياذ بالله وهل يلحق بذلك ما يسمى بالعدسات الملونة التي تلبسها بعض النساء ربما يقال إنه يلحق بذلك لأن المرأة تضع شيئا يجمل عينها يجعل عينها كأنها عين إنسانة أخرى إما حمراء أو خضراء حتى سمعت بعضهم يقولون إنهم يجعلون عدسات لونها أخضر وبعضها أزرق وما أشبه ذلك فالاحتياط أن يقال إنها تلحق بذلك لأنه لا فرق بينها وبين الشعر فإن قال قائل هذه مثل الكحل لا تثبت قلنا وكذلك وصل الشعر لا يثبت ولهذا أخشى أن تكون هذه العدسات الملونة من جنس الوصل ثم إنه ثبت من الناحية الطبية أنها مضرة بالعين وإن كان ضررها لا يرى على المدى القصير لكن يرى على المدى الطويل قال: وثبت أنه لعن آكل الربا يعني وموكله لعن الرسول صلى الله عليه وسلم في الربا خمسة آكل وهو الذي يأخذ الربا وموكله وهو الذي يعطي الربا وشاهديه وهما اللذان يشهدان به وكاتبه الذي يكتب بين المرابين كل هؤلاء ملعونون على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم لكن لا يجوز إذا رأيت شخصا يبيع بالربا لا يجوز أن تقول لعنك الله بل تقول على سبيل العموم لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه لأن هناك فريقا بين التعيين وبين التعميم فالتعميم لا بأس به لكن التخصيص لا يجوز وكذلك ثبت عنه أنه لعن المصورين لكن ليس كل مصور بل المراد من صور ما به روح إذا صور الإنسان ما فيه روح كالآدمي وقرد وأسد وذئب وحشرات وما أشبه ذلك إذا صورها فإنه حرام عليه لا يجوز بل هو ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فلك أن تقول اللهم العن المصورين لكن لا تقل العن فلانا ولو كان يصور لأنه مخصوص فالتعيين لا يجوز ثم إن الصور التي تحرم هي الصورة التي مثل التمثال يعني يصنع إنسان من العجين أو من الجبس أو من الجص أو غيرها من المواد يصنع شيئا على صورة إنسان أو حيوان فهذا حرام وأما الأشجار وشبهها فإنه لا بأس به على القول الراجح الذي عليه جمهور العلماء وأما ما يصنعه الإنسان فلا بأس به قطعا مثل أن يصور سيارة أو قطار أو ما أشبه ذلك واختلف العلماء رحمهم الله في التصوير الرقم يعني التصوير باللون على ورقة أو على خرقة أو ما أشبه ذلك من العلماء من قال لا بأس به واحتجوا بحديث زيد ين خالد الجهني وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة إلا رقما في ثوب فقالوا: إلا رقما في ثوب هذه الصورة التي ترسم باليد على ورقة أو على ثوب وما أشبه ذلك لكن الصحيح أنه لا يجوز حتى الرقم في الثوب أو في الورقة لا يجوز أن تصور صورة بيدك وأما الصورة بالآلة الفوتوغرافية الفورية فهذه ليست من التصوير في شيء ولا تدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم كل مصور في النار لأنك لم تصور في الواقع فأنت لم تخط الوجه ولا العين ولا الأنف ولا الفم وإنما سلطت ضوء معينا إذا قابله جسم انطبع في الورق دون أن ترسم العين والأنف والشفاه وما أشبه هذا فليس هذا بتصوير وليس هذا بتخصيص للمصور بالآلة ويدل على ذلك دلالة واضحة يتبين بها الأمر أنك لو كتبت رسالة إلى إنسان بقلمك بيدك ثم أدخلتها في الآلة المصورة وخرجت الصور هل هي صورة الذي حرك الآلة أو هي صورة الكتاب الذي كتبه الأول ؟ الجواب الثاني بلا شك ولهذا يمكن أن نحرك هذه الآلة آلة التصوير ويمكن أن يحركها رجل أعمى فليس هذا من فعله إنما يقال هذا الذي صور صورة فوتوغرافية: إن كانت لمقصد حرام صارت حراما من باب تحريم الوسائل وإن كانت لمقصد جائز فهي جائزة ولا يقال إن المصور في النار ولذلك يجب أن يفرق الشخص بين التصوير وبين استعمال التصوير كما فرق بين ذلك أهل العلم ففي عبارة زاد المستقنع، كتاب الفقه المعروف قال يحرم التصوير واستعماله ففرق بين التصوير واستعماله فنحن نقول هذه الصورة الفوتوغرافة لا تدخل في لفظ حديث التصوير لكن إذا صورها الإنسان ليستخدمها على وجه محرم صارت حراما من باب تحريم الوسائل هؤلاء ثلاثة لعنهم الرسول صلى الله عليه وسلم:
الشَّرْحُ
الأول: الواصلة والمستوصلة والثاني: آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه والثالث: المصورون وسيأتي إن شاء الله بقية ما ذكره المؤلف رحمه الله ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله من غير منار الأرض أي حدودها وأنه قال: لعن الله السارق يسرق البيضة وأنه قال: لعن الله من لعن والديه:
الشَّرْحُ
هذا الباب عقده النووي رحمه الله في رياض الصالحين يبين به أن اللعن الذي ليس على معين لا بأس به وذكر أمثلة من ذلك سبق منها ثلاثة واليوم نأخذ ثلاثة أيضا منها أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من غير منار الأرض يعني حدودها مثل أن يكون الإنسان له جار فيأتي الإنسان فيدخل من أرض جاره على أرضه فيوسع أرضه ويضيق أرض جاره فهذا ملعون لعنه النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين وإذا كان هذا فيمن غير حدود الأرض يعني المراسيم فكيف بمن أخذ الأرض كلها واجتاحها والعياذ بالله فهو أولى باللعن والطرد عن رحمة الله كما يوجد أناس يعتدون على أراضي غيرهم يأخذونها بالباطل ويدعون أنها لهم وربما يأتون بشهود زور يشهدون لهم فيحكم لهم بذلك فيدخلون في اللعن ويوم القيامة يأتون بها مطوقين بها في أعناقهم نسأل الله العافية أمام عباد الله ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده والسارق هو الذي يأخذ المال بخفية من حرز مثله مثل أن يأتي بالليل أو في غفلة الناس فيفتح الأبواب ويسرق هذا السارق إذا سرق نصابا وهو ربع دينار أو ما يساويه من الدراهم أو المتاع فإنها تقطع يده يده اليمنى من مفصل الكف لقول الله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكلا من الله والله عزيز حكيم ولا فرق بين أن يكون السارق شريفا أو وضيعا أو ذكرا أو أنثى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يد المرأة المخزومية التي كانت تستعير المتاع فتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها فأهم قريشا ذلك وطلبوا من يشفع لها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فطلبوا من أسامة بن زيد أن يشفع برفع العقوبة عنها فاختطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها فأقسم عليه الصلاة والسلام أنه لو سرقت ابنته فاطمة أشرف النساء نسبا لقطع يدها ولكن هذا الحديث الذي أشار إليه النووي رحمه الله في رياض الصالحين يقول يسرق البيضة والبيضة لا تبلغ نصاب السرقة لأن نصاب السرقة ربع دينار فكيف قال يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده قال بعض العلماء إن المراد بالبيضة هنا بيضة الرأس الذي يجعلها الإنسان عند القتال على رأسه تقيه السهام وهي مثمنة تساوي ربع دينار أو أكثر والمراد بالحبل حبل السفن الذي تربط به في المرسى حتى لا تأخذها الأمواج وهو أيضا ذو قيمة وقال بعض العلماء المراد بالبيضة بيضة الدجاجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقها والبيضة عند الإطلاق لا يفهم منها إلا بيضة الدجاجة والحبل هو الحبل الذي يربط به الحطب وما أشبه ذلك ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: تقطع يده لأنه إذا اعتاد سرقة الصغير تجرأ على سرقة الغالي والمثمن فقطعت يده وهذا أقرب إلى الصواب أن السارق والعياذ بالله إذا سرق الشيء اليسير تجرأ فسرق الشيء الكبير فتقطع يده الثالث: قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من لعن والديه سواء كانت الأم أو الأب يقول لأبيه لعنة الله عليك أو لأمه ولكن الصحابة قالوا يا رسول الله أيلعن الرجل والديه هذا أمر لا يمكن قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه يعني يتنازع اثنان فيقول أحدهما للآخر لعن الله والديك فيقول الثاني بل أنت لعن الله والديك فلما كان هو السبب في أن يلعن الآخر والديه أعطى حكم من لعن والديه مباشرة فهذان الشخصان لعنهما الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن هل يمكن أن تأتي لشخص معين غير حدود الأرض تقول لعنك الله الجواب لا لا يجوز أن تلعنه وهو معين أو سمعت إنسانا يلعن والديه تقول لعنك الله لا يصح هذا حرام لكن تقول له اتق الله فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من غير منار الأرض وتقول للثاني السارق اتق الله فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن السارق يسرق البيضة ويسرق الحبل وتقول للثالث اتق الله لا تلعن والديك ولا تكن سببا في لعنهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من لعن والديه أما أن تنص عليه فتقول لعنك الله أو أنت ملعون فهذا حرام ولا يجوز لأنه فرق بين العام وبين الخاص والله الموفق ولعن الله من ذبح لغير الله وأنه قال: من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين وأنه قال: اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصوا الله ورسوله وهذه ثلاث قبائل من العرب:
الشَّرْحُ
هؤلاء ثلاثة أنواع ممن يجوز لعنهم على سبيل العموم وقد سبق أنه لا يجوز لعن المعين ولو كان كافر لأنه لا يجوز أن تقول اللهم العن فلانا وإن كان كافر لكن على العموم وزدت أحاديث في أصناف متعددة سبق منها ما سبق ويلحق منها ما يلحق إن شاء الله ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله من ذبح لغير الله لعن الله من ذبح لغير الله وذلك أن الذبح لغير الله شرك لأنه عبادة والعبادة إذا صرفها الإنسان لغير الله كان مشركا قال الله تعالى: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وقال تعالى: { فصل لربك وانحر } فأمر بالصلاة وأمر بالنحر وأن ذلك لله عز وجل فكما أن من صلى لغير الله فهو مشرك فمن ذبح لغير الله فهو مشرك وهذا إذا وقع الذبح عبادة وتقربا وتعظيما أما إذا وقع الذبح لغير الله على سبيل الإكرام كإكرام الضيف مثلا لو نزل بك ضيف فذبحت له ذبيحة من أجل أن تقدمها له ليأكلها فلا بأس بل هذا مما يؤمر به لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيقه وإذا كان من إكرام الضيف أن تذبح له ذبيحة إكراما لقدومه فهذا مما يؤمر به وتارة يذبح لغير الله يعني لقصد الأكل إنسان يريد أن يأكل لحما فذبح ذبيحة يريد بها الأكل هذا أيضا ليس بشرك هذا أمر عادي يأكل الإنسان طعاما لكن الشرك إذا ذبحه تعبدا وتقربا وتعظيما مثل ما يفعل بعض الناس لملوكهم أو رؤسائهم أو علمائهم إذا أقبل ذبحوا الذبيحة بوجهه إكراما وتعظيما هذا شرك أكبر مخرج من الملة وهذا مع كونه شركا حرم الله على فاعله الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار هو أيضا ملعون فاعله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله من ذبح لغير الله ومن ذلك أيضا ما ذكره بقوله: من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين من أحدث فيها أي في المدينة حدثا أو آوى محدثا، والحدث هنا يراد به شيئا، الأول: البدعة فمن ابتدع فيها بدعة فقد أحدث فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة فمن أحدث فيها حدثا أي ابتدع في دين الله ما لم يشرعه الله في المدينة فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين يعني استحق أن يلعنه كل لاعن والعياذ بالله لأن المدينة مدينة السنة مدينة النبوة فكيف يحدث فيها حدث مضاد لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والنوع الثاني من الحدث الفتنة أن يحدث فيها فتنة بين المسلمين سواء أدت إلى إراقة الدماء أو إلى ما دون ذلك من العداوة والبغضاء والتشتت فإن من أحدث هذا الحدث فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين أما من أحدث معصية عصى الله فيها في المدينة فإنه لا ينطبق عليه هذا الوعيد بل يقال إن السيئة في المدينة أعظم من السيئة فيما دونها ولكن صاحبها لا يستحق اللعن الذي يستحق اللعن هو الذي أحدث فيها واحدا من أمرين إما بدعة وإما فتنة هذا عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين الثالث اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصوا الله ورسوله هؤلاء قبائل من العرب حصل منهم عدوان على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم باللعنة اللهم العنهم ولم يلعن شخصا معينا بل لعن القبيلة كلها والمراد من حدث منهم هذا الحدث وهو الاعتداء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أظن أن من لم يفعل ذلك تلحقه هذه اللعنة لقول الله تعالى: { ولا تزر وازرة وزر أخرى } والله الموفق وأنه قال: لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وأنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال وجميع هذه الألفاظ في الصحيح بعضها في صحيحي البخاري ومسلم، وبعضها في أحدهما وإنما قصدت الاختصار بالإشارة إليها وسأذكر معظمها في أبوابها من هذا الكتاب إن شاء الله:
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله بقية الأصناف التي يجوز الدعاء عليهم على سبيل العموم منها قوله صلى الله عليه وسلم: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد اليهود هم أتباع موسى والنصارى هم أتباع عيسى لكن بعد أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوه ولم يؤمنوا به كان حكمهم سواء في أنهم مغضوب عليهم لأنهم تركوا الحق مع علمهم به والعياذ بالله وبين النبي صلى الله عليه وسلم سبب لعنه إياهم في قوله: اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يعني أنهم يبنون المساجد على قبور أنبيائهم ويصلون فيها فهذا من فعله فهو ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم إن كان من اليهود أو من النصارى أو ممن يدعي أنه مسلم فإنه ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا بني المسجد على القبر ولو صلى الإنسان فيه لله عز وجل لا لصاحب القبر فإن صلاته باطلة محرمة يجب عليه إعادتها وهذا المسجد الذي بني يجب هدمه ولا يجوز الصلاة فيه أما لو كان المسجد قائما ثم دفن به أحد من الصالحين أو من الأمراء أو من الوزراء أو من الرؤساء فإنه يجب أن ينبش القبر وأن يدفن في المكان الذي تدفن فيه الناس ولا يجوز إبقاؤه لأن المساجد لم تبن ليقبر فيها إنما بنيت للصلاة وذكر الله وقراءة القرآن وإذا شككنا هل بني المسجد أولا ودفن فيه الميت أم دفن الميت ثم بني عليه المسجد ؟ فالاحتياط ألا يصلى فيه لله وأن يبتعد عنه لئلا يعرض صلاته للخطر فإن قال قائل ما الجواب عن هذا الحديث في قصة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه الآن في المسجد فالجواب أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد وإنما دفن في بيته ولم يبن عليه المسجد بل كان يمثل قائمة الأول ولكنهم احتاجوا لزيادته فزادوه من هذا الجانب أي من الجانب الذي يرتاده مستقبل القبلة وكأنهم والله أعلم في ذلك الوقت لم يتيسر لهم مكان سوى هذا فوسعوا من قبله فبقى القبر في مقصورة في البيت منفصلا عن المسجد بينه وبينه جدار ثم بعد أن شاء الله عز وجل أن يسلط رجلين يريدان أن يستخرجا بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحرقاه أو يجعلاه في متحف أو ما لا ندري وذلك أن أحد الخلفاء جاءه آت في الليل وقال له أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجلين الأصغرين يعني في عيونهما صغرة فجاءه مرة ومرتين وثلاثة ففزع الخليفة ثم ارتحل من بلده إلى المدينة فزعا مسرعا فلما وصل المدينة أمر أن تصنع وليمة عظيمة طعام وقال لواليه على المدينة ادع لي جميع أهل المدينة فدعاهم وهذا الخليفة ينظر في الحاضرين فلم يجد الوصف الذي ذكر له في المنام ثم أمر أن يدعو مرة ثانية وثالثة ولم ير الرجلين فقال لواليه على المدينة لماذا لم تدع أهل المدينة ؟ قال: كلهم دعوتهم لم يبق إلا رجلان غريبان في المسجد منذ جاءا وهما معتكفان في المسجد فقال: أحضرهما فجيء بهما على الوصف الذي قيل له في المنام فأمر أن يبحث عن حالهما فإذا هما في الليل ينقبان خندقا من أسفل الأرض وإذا هما قريبان من القبر فأمر بقتلهما ثم أمر أن يحفر القبر على جوانبه إلى أن وصل إلى الجبل ثم صبه بالرصاص وبنى عليه ثلاثة جدران فأصبح القبر منفردا تماما عن المسجد ليس في المسجد ولم يبن عليه المسجد فهذا هو الجواب عما يشك به أهل الشرك وأهل القبور من قبر النبي صلى الله عليه وسلم أما الصنف الأخير فقال المؤلف رحمه الله ولعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال والتشبه يكون بالأقوال والأفعال والهيئات واللباس فتجد الرجل يتشبه بالمرأة في صوتها يحكي صوت المرأة ويتكلم وكأنه امرأة هذا ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم يتشبه بالمرأة في لباسها يلبس الثياب الذي لا يلبسه إلا النساء ومن ذلك أن يضع الباروكة على رأسه كأنه امرأة ومن ذلك أيضا أن يلبس اللباس الخاص بالنساء في الساعات لأن النساء لهن ساعات خاصة وللرجال ساعات خاصة فيلبس الرجال ساعة المرأة وأما الهيئة فأن يضع المكياج ويتورك وإذا قام يمشي كأنه امرأة هذا أيضا ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فالمهم أن تشبه الرجال بالمرأة من كبائر الذنوب وتشبه المرأة بالرجل كذلك من كبائر الذنوب بأن تتشبه به في القول أي في الكلام تتكلم كما يتكلم الرجال في ضخامة الصوت ونبراته أو تجعل رأسها كرأس الرجل تقصه حتى يرتفع عن الكتفين أو كذلك تلبس من الثياب والساعات لباس الرجل فكل هذا من كبائر الذنوب والمرأة إذا فعلت ذلك فإنها ملعونة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هل إذا رأينا رجلا معينا متشبها بامرأة هل نقول لعنك الله ؟ لا ما نقول لعنك الله نعظه ونقول إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء وكذلك المرأة لأن لعن المعين لا يجوز حتى لو كان كافرا فكيف إذا كان فاسقا ؟ فإنه لا يجوز لعنه لكن تقول من تشبه من الرجال بالنساء فهو ملعون ومن تشبه من النساء بالرجال فهي ملعونة هكذا على سبيل العموم والله الموفق
باب تحريم سب المسلم بغير حق
قال الله تعالى: { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا }
1559 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر متفق عليه: