باب النهي عن سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم }
1573 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث متفق عليه .
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث من الأحاديث التي يتبين فيها أن الإنسان لا يتجسس على إخوانه المسلمين ولا يتتبع عوراتهم بل ما ظهر منها فإنه يعامل من أظهرها بما يليق به، وما لم يظهر فلا يجوز التجسس ولا التحسس، كما في حديث معاوية رضي الله عنه، أن الإنسان إذا تتبع عورات المسلمين أهلكهم أو كاد أن يهلكهم، لأن كثيرا من الأمور تجري بين الإنسان وبين ربه، لا يعلمها إلا هو، فإذا لم يعلم بها أحد وبقى عليه ستر الله عز وجل، وتاب إلى ربه وأناب حسنت حاله ولم يطلع على عورته أحد، ولكن إذا كان الإنسان والعياذ بالله يتتبع عورات الناس، ماذا قال فلان وماذا فعل، وإذا ذكر له عورة مسلم، ذهب يتجسس، إما أن يصرح، وإما أن يلمح فيقول مثلا، قالوا إن فلانا قال كذا وكذا أو فعل كذا وكذا فينشر ما عنده عند الخلق والعياذ بالله، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في بيت أمه نسأل الله العافية جزاء وفاقا، مثل من تتبع عورات المسلمين ليفضحهم، يتتبع الله عز وجل عورته حتى يفضحه نسأل الله العافية ولا يغنيه جدران ولا ستور، وكذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه أتى برجل تقطر لحيته خمرا، لكنه شربه مختفيا، ولكن هؤلاء القوم تجسسوا عليه حتى أخرجوا على هذه الحالة، فبين رضي الله عنه أن من أبدى لنا عورته أو عيبه أخذناه به، ومن استتر بستر الله فلا نؤاخذه، وهذا أيضا يدل على أنه لا يجوز التجسس، وكذلك حديث أبي هريرة في الباب الذي يليه وقد سبق الكلام عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وكذلك الآية التي قبله يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم تكلمنا عليها فيما سبق .
والله الموفق
باب تحريم احتقار المسلمين
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون } وقال تعالى: { ويل لكل همزة لمزة }:
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب تحريم احتقار المسلم، احتقار المسلم ازدراؤه والسخرية به والاستهزاء به والحط من قدره وما أشبه ذلك، وهذا محرم لما فيه من العدوان على أخيك المسلم الذي يجب أن تحترمه وأن تكن له كل تقدير، لأنه أخوك والمؤمن أخو المؤمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استدل المؤلف رحمه الله بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن فوجه الله الخطاب إلى المؤمنين { يا أيها الذين آمنوا } وتوجيه الخطاب للمؤمن يدل على أن ما يتلى عليه فهو من مقتضيات الإيمان وأن فقده ومخالفته نقص في الإيمان، كما أن تصدير الحكم بالنداء يدل على الاهتمام به، لأن النداء يعني تنبيه المخاطب لما يلقي إليه، يقول: { لا يسخر قوم من قوم } وهم الرجال { ولا نساء من نساء } وهن النساء الآيات، والسخرية قد تكون في هيئته، يسخر من هيئة هذا الرجال، وقد يكون كذلك في خلقته، يسخر من خلقته قصرا أو طولا أو ضخامة أو نحافة أو ما أشبه ذلك ويكون كذلك سخرية بكلامه وتقليد كلامه، استهزاء وسخرية، كما يفعل بعض السفهاء، يقلد بعض القراء أو بعض العلماء، يقلد أصواتهم سخرية واستهزاء والعياذ بالله ويكون كذلك في المعاملة يسخر به في معاملته الناس وكذلك بالمشية ، المهم إن كل شيء فيه سخرية في أخيك فإنه داخل في هذه الآية { لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن } وبين الله عز وجل أنه ربما يكون هؤلاء الذين سخروا منهم .
ربما يكونون خيرا منهم عند الله وعند عباد الله، ولهذا قال: { عسى أن يكونوا خيرا منهم } هذا في القوم { عسى أن يكن خيرا منهن } هذا في النساء { ولا تلمزوا أنفسكم } أي لا تعيبوها، وقول { أنفسكم } من المعلوم أن الإنسان لن يعيب نفسه، لكنه لما كان المؤمنون أخوة، صار أخوك كنفسك، فقوله: { ولا تلمزوا أنفسكم } يعني لا تلمزوا إخوانكم، لكنه عبر بالنفس ليتبين أن أخوك بمنزلة نفسك فكما أنك تكره أن تلمز نفسك، تكره أن تلمز أخاك { ولا تنابزوا بالألقاب } ينبز بعضكم بعضا باللقب، سخرية به، إما أن يكون مثلا يعزي إلى قبيلة فيها شيء من اللقب المكروه، فينسبه إليها أو قبيلة فيها شيء من اللقب المضحك فينسبه إليها وما أشبه ذلك مما يكون نبذا بالألقاب، { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } يعني إنكم إن فعلتم ذلك كنتم من الفاسقين و { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } فالإنسان إذا لمز أخاه أو سخر منه أو ما أشبه ذلك، فإنه يكون بذلك فاسقا وهذا يدل على أن السخرية من المؤمنين وأن لمزهم وأن منابزتهم بالألقاب كلها من كبائر الذنوب { ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون } يعني من استمر على هذا ولم يتب إلى الله عز وجل فإنه ظالم، ثم ذكر المؤلف رحمه الله آية أخرى وهي { ويل لكل همزة لمزة } وويل هذه كلمة وعيد جاءت في القرآن في عدة مواضع، وكلها تفيد الوعيد والتهديد على من فعل هذا، { لكل همزة لمزة } أي يعيب غيره، تارة بالهمز وتارة باللمز، فاللمز باللسان، والهمز بالجوارح، فالهمزة اللمزة متوعد بهذا، بالويل والعياذ بالله، ثم ذكر المؤلف أحاديث يأتي الكلام عليها إن شاء الله
1574 -