باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث
قال الله تعالى: { إنما النجوى من الشيطان }
1598 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كانوا ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الثالث متفق عليه .
ورواه أبو داود وزاد: قال أبو صالح: قلت لابن عمر: فأربعة ؟ قال: لا يضرك .
ورواه مالك في الموطأ: عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحد غيري، فدعا ابن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة، فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا: استأخرا شيئا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتناجى اثنان دون واحد
1599 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه متفق عليه .
:
الشَّرْحُ
من الآداب التي حث عليها الإسلام ورغب فيها ما أشار إليه النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث، واستدل لذلك بقوله تعالى: إنما النجوى من الشيطان يعني التناجي من الشيطان، وبين الله سبحانه وتعالى ماذا يريد الشيطان بهذه النجوى، قال: { ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله } وكانوا إذا مر بهم المسلمون يأخذ بعضهم إلى بعض في التناجي، يعني في الكلام السر، يتناجون فيما بينهم، لأجل أن يحزن المؤمنون ويقولون أن هؤلاء أرادوا بنا شرا أو ما أشبه ذلك ؛ وذلك أن أعداء المؤمنين من المنافقين والكافرين يحرصون دائما على ما يحزنهم ويسوءهم ؛ لأن هذا هو ما يريده الشيطان من أعداء الله، أي: يريد أن يحزن المؤمنين على كل حال، به وبأوليائه قال تعالى: { وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله } فمن توكل على الله واعتمد عليه فإنه لا يضره أحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك فهم يتناجون فيما بينهم لإحزان المؤمنين .
ثم ذكر حديثي ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في هذا المعنى، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث، يعني إذا كانوا ثلاثة فإنه لا يحل لاثنين أن يتناجيا دون الثالث، لأن الثالث يحزن، ويقول لماذا ما كلموني، هذا إذا أحسن بهما الظن، وربما يسيء بهما الظن، ولكن إذا أحسن بهما الظن قال لماذا أنا ليس لي قيمة ؟ يتناجيان دوني ؟ فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا، ولا شك أن هذا من الآداب .
فإن قال قائل: إذا كانت بيني وبين صاحبي مسألة لا أحب أن يطلع عليها أحد، مسألة خاصة ؟ قلنا: افعل كما فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ادع واحداً لتكونوا كم ؟ أربعة، فيتناجى اثنان، واثنان يتكلمان فيما بينهما، كما كان ابن عمر يفعل رضي الله عنه، وكما دل عليه الحديث: حتى تختلطوا بالناس في حديث ابن مسعود، فإذا اختلطا بالناس زالت المشكلة، ومن ذلك من التناجي بين اثنين دون الثالث، إذا كانوا ثلاثة واثنين يجيدان لغة أجنبية والثالث لا يجيدها، فجعلا يتحدثان بلغتهما، والثالث يسمع ولا يفهم ما يقولان، هذا نفس الشيء، لأن ذلك يحزنه، لماذا تركاني وصارا يتحدثان وحدهما ؟ أو ربما يسيء الظن بهما، مثل أن يتكلم واحد مع آخر باللغة الإنجليزية، والثالث لا يعرفها، فهذا كالمتناجيين إذ أن رفع الصوت لا يفيدهم شيئا، فينهى عن ذلك، فإذا قال قائل: إذا كان له حاجة في أخيه ؟ قلنا: يفعل كما فعل ابن عمر، وإذا لم يمكن ولم يقابلهم أحد، فإنهما يستأذنان منه، يقولان له أتأذن لنا أن نتكلم ؟ فإذا أذن لهم في ذلك فالحق لهم، وحينئذ لا يحزن ولا يهتم بالأمر .
والله الموفق
باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي أو زائد على قدر الأدب
قال الله تعالى: { وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا }
1600 -