1618 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن ناسا قالوا له إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم ؟ قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نعد هذا نفاقاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري .
الشَّرْحُ
نقل المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن أناسا جاءوا إليه وقالوا: إننا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم قولاً ولكن إذا خرجنا من عندهم قلنا بخلافه فقال كنا نعد ذلك نفاقاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأنهم حدثوا فكذبوا وخانوا ما نصحوا، فالواجب على من دخل على السلاطين من الأمراء والوزراء والرؤساء والملوك الواجب عليه أن يتكلم بالأمر على حقيقته يبين لهم الواقع سواء كان الناس على استقامة أو على اعوجاج أو على حق أو على باطل، ولا يجوز للإنسان أي إنسان أن يدخل على الأمير أو على الملك أو ما أشبه ذلك ثم يقول: الناس بخير الناس أحوالهم مستقيمة، الناس ملاؤا المساجد الناس عبدوا الله الناس اقتصادياتهم جيدة، الناس أمنهم جيد وما أشبه ذلك وهو كاذب هذا حرم خداع لولاة الأمور وخداع للأمة جمعاء لأن ولي الأمر ليس شمساً تدخل في كل مكان، بل الشمس لا تدخل كل مكان الحجر المغلقة ما تدخلها الشمس وولاة الأمور علمهم محدود سمعهم محدود بصرهم محدود إدراكهم محدود عقولهم محدود كغيرهم من البشر لا يمكن أن يعملوا بأحوال الناس كلها فإذا جاء مثل هذا الغاش الغادر الخائن وقال لهم إن الأمور كلها خير ورخاء وأمن وعبادة، وما أشبه ذلك، غرهم فظنوا أن الأمور هكذا ولم يتحركوا بإصلاح ما فسد، لأنهم يقال لهم إن كل شيء على ما يرام الواجب الصراحة ولا يمكن مداواة الجرح إلا بشقه بعد أن تشقه ويخرج الدم الخبث حينئذ تداويه، أما أن تلمه على شعث فهذا لا يجوز، لأن هذا غش وابن عمر يقول: هذا من النفاق وصدق فهو من النفاق، حدث فكذب وخانوا وما ائتمنوا، فالواجب البيان أما النفاق والمداهنة فهذه لا تجوز لذلك الواجب على كل إنسان أتى إلى شخص مسئول ولو عن عشرة طلاب، دعنا من المسئولين عن أمة كاملة الواجب أن يخبره بالواقع لا يقول والله الطلاب كلهم بخير كلهم حريصون كلهم كلمتهم واحدة كلهم على أدب طيب لا الواجب أن يبلغ بالحقيقة وينص على كل واحد بعينه إذا اقتضى الحال هذا، وذكر العيب لإزالة العيب سلامة ونصح، وليس من الغيبة في شيء فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة، فاطمة بنت قيس قالت يا رسول الله خطبني ثلاثة أسامة بن زيد، ومعاوية بن سفيان وأبو جهم فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أما معاوية فصعلوك لا مال له يعني من أين ينفق عليك، ما عنده مال، وأما أبو جهم فضراب للنساء هذا مداح أم ذم ذم، انكحي أسامة بن زيد، لكن كيف الرسول يغتابهم، اغتابهم لأي شيء ؟ نصح وإرشاد .
فإذا جئت مثلاً إلى أي إنسان تحته أناس وهو ولي عليهم تقول هذا فلان كذا وكذا وأنت صادق بار ليس بينك وبينه عداوة أو مشاحنة فأنت على خير ومأجور وناصح، ولا يمكن أن تستقيم الأمور إلا أن الإنسان يعطي عنها صورة واضحة، أما الكتمان فهذا لا يجوز وكذلك أيضاً في المدرسة مدير المدرسة أو عميد الكلية يجب إذا رأينا طالباً منحرفاً في أخلاقه أو سلوكه أو غيبة لولاة الأمور يجب أن تنصحه أولاً وإلا يجب أن ترفع أمره حتى يصلح حاله لأن مثل هذا جرثومة فاسدة يفسد الطلاب كلهم أو من قدر عليه منهم، ولا يقر وهو في هذه الحال الذي ليس له هم إلا الإفساد ديناً أو سلوكاً ومنهجاً، لأن هذا هو النصح كذلك أيضاً عندما نأتي أمير بلدة نرى في البلدة منكرات، نري فيها غشاً، نرى فيها تقصيراً من المسئولين الآخرين لا يجوز أن نعطي الأمير صورة على أن كل شيء تام، يجب أن نبين ونوضح .
صحيح أنه إذا أمكن أن تصلح الأمور قبل أن ترفع إلى الأمير فهذا حسن وطيب ولكن إذا علمنا أن المسألة ما هي صالحة وأننا لو ذهبنا إلى المسئول الذي تحت الأمير قال: إن شاء الله تعالى ابشروا كل شيء يتيسر ولكنه يماطل فلابد من إبلاغ من فوقه حتى يقوم باللازم فالحاصل من هذا الحديث أنه لابد من النصح، وبيان الأمور على ما هي عليه وأما أن تلقى الإنسان بوجه وإذا أدبرت عنه أدبرت، فهذا حرام ومن النفاق، ومن ذلك أيضاً مسألة أخص من هذا، يجيء إنسان شخصا يقول: ما شاء الله عليك، أنت رجل طيب حبيب وكريم، يثني عليك بلسان يملأ الجوف وقلبه حاقد، لكن يريد أن يأخذ ما عندك يعنى بعض الناس خبثاء يأخذ ما عنده والرجل سليم القلب يمكن أن يصغي إلى هذا الشخص إذا رأى أنه ناصح ثم إذا أدبر والعياذ بالله فإنه يكيل له الصاع مقلوباً فيتكلم في عرضه وسبه ويقول: هذا مقصر هذا ما لا دين له فعلى المسلم أن يتقي الله ربه وأن يتجنب المداهنة والكذب والغش وأن يكون صريحاً حتى يصلح الله على يديه والله الموفق
1619 -