باب كراهة تفضيل الوالد بعض أولاده على بعض في الهبة
1773 - عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرجعه وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم قال لا قال اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي فرد تلك الصدقة وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بشير ألك ولد سوى هذا قال نعم قال أكلهم وهبت له مثل هذا قال لا قال فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور وفي رواية لا تشهدني على جور وفي رواية أشهد على هذا غيري ثم قال أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء قال بلى قال فلا إذا متفق عليه
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين: باب تحريم تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية الأولاد يشمل الذكور والإناث والمراد بالعطية التبرع المحض ليس النفقة يعطي كل إنسان ما يحتاج قليلا كان أو كثيرا فإذا قدر أن أحدهم يطلب العلم ويحتاج إلى كتب والآخر ليس كذلك فأعطى الأول ما يحتاج إليه من الكتب فلا بأس وكذلك لو كان أحدهم يحتاج إلى ثياب والآخر لا يحتاج فيعطي من يحتاج إلى الثياب وكذلك لو مرض فاحتاج إلى دراهم وإلى دواء فأعطاه فلا بأس وكذلك لو بلغ أحدهم سن الزواج فزوجه فإنه يزوجه ولا بأس المهم ما كان لدفع الحاجة فالتسوية فيه أن يعطي كل إنسان ما يحتاجه أما إذا كان تبرعا محضا فلابد من التعديل بينهم واختلف العلماء هل التعديل أن يعطي الذكر والأنثى سواء فإذا أعطى الذكر مائة أعطى الأنثى مائة أم أن التعديل أن يعطيهم كما أعطاهم الله عز وجل في الميراث يعني للذكر مثل حظ الأنثيين فإذا أعطى الذكر مائة أعطى الأنثى خمسين وهذا القول هو الراجح لأنه لا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل فإذا أعطى كل واحد ما يحتاجه ثم تبرع تبرعا محضا فنقول إذا أعطيت الأنثى درهما فأعط الذكر درهمين هذا هو التعديل فإن فعل يعني فضل بعض الأولاد على بعض فإنه يجب عليه أن يرد ما فضله به فإذا أعطى أحدهم مائة ولم يعط الآخرين وجب عليه أن يرد المائة أي يستردها أو يعطي الآخرين مثلما أعطى الأول أو يستحلهم بشرط أن يحللوه عن رضا وقناعة لا عن حياء وخجل فصار طريق العدل فيمن فضل بعض أولاده عن بعض له طرق ثلاثة فالعدل له طرق ثلاثة الأول أن يرد ما فضله به الثاني أن يعطي الآخرين مثله للذكر مثل حظ الأنثيين الثالث أن يستحلهم بشرط أن يحللوه عن قناعة ورضا لا عن خجل وحياء ثم ذكر المؤلف حديث النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه نحلة غلاما وفي رواية حائطا بستانا ولعله أعطاه البستان والغلام من أجل أن يعمل في البستان فقالت أمه عمرة بنت رواحة رضي الله عنها وهي فقيهة لا أرضى أن تعطي ابني هذا دون إخوانه حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم فذهب إلى النبي يشهده على ذلك فقال النبي له ألك بنون قال نعم قال أعطيتهم مثل ما أعطيت النعمان قال لا قال رد يعني رد ما أعطيت ثم قال أشهد على هذا غيري وهذا تبرؤ منه وليس إباحة له على أن يشهد على ذلك بل هو تبرؤ منه ولهذا قال أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور ثم قال أتريد أن يكونوا إليك في البر سواء قال نعم يا رسول الله قال إذا سوي بينهم لأنك إذا فضلت أحدهم على الآخر صار في نفس المفضل عليه شيء وصار لا يبر والده ثم قال اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فأمر عليه الصلاة والسلام أن نعدل بين الأولاد في العطية حتى لو تعطي أحدهم عشرة ريالات فأعط الآخر مثله لا تقل هذا شيء زهيد ما يساوي شيئا أبدا ولو ريال واحد ..
.
لا أعطهم كما أعطيت الثاني حتى كان السلف الصالح رضي الله عنهم إذا قبلوا أحد الأولاد قبل الثاني من شدة العدل بينهم وكذلك أيضا في النظر إليهم لا تنظر إلى هذا نظرة غضب وإلى هذا نظرة رضا لا اعدل بينهم حتى في المواجهة وطلاقة الوجه إلا أن يفعل أحدهم ما يغضب فهذا له شأن أما بدون سبب اجعلهم سواء ولا تفضل أحدا على أحد وهنا مسألة وهي أن بعض الناس يزوج أولاده الكبار وله أولاد صغار فيوصي لهم بعد موته بمقدار المهر وهذا حرام ولا يحل لأن هؤلاء إنما أعطيته لحاجتهم حاجة لا يماثلهم إخوانهم الآخرون الصغار فلا يحل لك أن توصي لهم بشيء وإذا أوصى فالوصية باطلة ترد في التركة ويرثونها على قدر ميراثهم كذلك أيضا بعض الناس يكون ولده يشتغل معه في تجارته في فلاحته فيعطيه بريرة على إخوانه وهذا أيضا لا يجوز لأن الولد إن كان قد تبرع بعمله مع أبيه فهذا بر وثوابه في الآخرة أعظم من ثوابه في الدنيا وإن كان لا يريد ذلك يريد أن يشتغل لأبيه بأجر فليفرض له أجره مثلا لك كل شهر كذا وكذا كما يعطي الأجنبي أو يقول لك سهم من الربح وأما أن يخصه من بين أولاده مع أن الولد قد تبرع بعمله وجعل ذلك من البر فلا يجوز له ذلك وإن أعطى أحدهم لكونه طالب علم يحفظ القرآن فإن قال للآخرين من طلب منكم العلم أعطيته مثل أخيه أو من حفظ القرآن أعطيته مثل أخيه فطلب بعضهم وترك بعض فهؤلاء هم الذين تركوا الأمر بأنفسهم فلا حق لهم وأما إذا كان خص هذا دون أن يفتح الباب لإخوانه فهذا لا يجوز وعلم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم أن غير الأولاد من الأقارب لا يجب العدل بينهم فلك أن تعطي بعض إخوانك أكثر من الآخرين أو تعطيهم وتحرم الآخرين لأن النص إنما ورد في الأولاد فقط وأما قول بعض العلماء رحمهم الله إنه يجب عليه التعديل بين جميع الورثة بقدر ميراثهم فهذا قول لا دليل عليه التعديل إنما يجب بين الأولاد فقط والله الموفق
باب تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام
1774 -