شرح رياض الصالحين
كتاب أدب الطعام
باب التسمية في أوله والحمد في آخره
728 - عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك متفق عليه
729 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسى أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله ( كتاب أدب الطعام ) فالطعام ما يطعمه الإنسان أي ما يتذوق طعمه ويكون شرابا ويكون أكلا والدليل على أن الشراب يسمى طعما أو طعاما قوله تبارك وتعالى: فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ثم قال: ( باب التسمية في أوله والحمد في آخره ) ثم ذكر حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه وكان ربيب النبي صلى الله عليه وسلم يعني ابن زوجته أم سلمة فإنه قدم النبي صلى الله عليه وسلم طعام وكان غلاما صغيرا فجعلت يده تطيش في الصحفة من هنا ومن هنا وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع مجالا يحتاج إلى التعليم إلا علم حتى الصغار فقال له: سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فهذه ثلاثة آداب في الأكل علمها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الغلام أولا: قال: سم الله يعني قل: بسم الله ولا حرج أن يزيد الإنسان الرحمن الرحيم لأن هذين الاسمين أثنى الله بهما على نفسه في البسملة في القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم فإن قال بسم الله الرحمن الرحيم فلا حرج وإن اقتصر على بسم الله كفى والتسمية على الأكل واجبة إذا تركها الإنسان فإنه يأثم ويشاركه الشيطان في أكله ولا أحد يرضى أن يشاركه عدوه في أكله فلا أحد يرضى أن يشاركه الشيطان في أكله فإذا لم تقل: بسم الله فإن الشيطان يشاركك فيه فإن نسيت أن تسمى في أوله وذكرت في أثنائه فقل: بسم الله أوله وآخره كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته عائشة وأخرجه أبو داود والترمذي ثانيا: قال: كل بيمينك والأكل باليمين واجب ومن أكل بشماله فهو آثم عاص للرسول صلى الله عليه وسلم ومن عصى الرسول فقد عصى الله ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ثالثا: كل مما يليك يعني إذا كان معك مشارك فكل من الذي يليك لا تأكل من جهته، ومن الذي يليه فإن هذا سوء أدب قال العلماء: إلا أن يكون الطعام أنواعا مثل أن يكون فيه قرع وباذنجان ولحم وغيره فلا بأس أن تتخطى يدك إلى هذا النوع أو ذاك كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من الصحفة يأكلها والدباء يعني القرع وكذلك لو كنت تأكل وحدك فلا حرج أن تأكل من الطرف الآخر لأنك لا تؤذي أحدا في ذلك لكن لا تأكل من أعلى الصحفة لأن البركة تنزل في أعلاها ولكن كل من الجوانب وفي هذا الحديث: دليل على أنه ينبغي لنا أن نعلم الصبيان والغلمان آداب الأكل والشرب وكذلك آداب النوم فضلا عن الأمور الأخرى كالصلاة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر
730 - وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء رواه مسلم
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في سياق أدب الطعام عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا عشاء ذلك لأن الإنسان ذكر الله وذكر الله تعالى عند دخول البيت أن يقول: بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا اللهم إني أسألك خير المولج وأسألك خير المخرج هذا الذكر عند دخول المنزل سواء في الليل أو في النهار وأما الذكر عند العشاء فأن يقول بسم الله فإذا ذكر الله عند دخوله البيت وذكر الله عند أكله عند العشاء قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا عشاء لأن هذا البيت وهذا العشاء حمى بذكر الله عز وجل حماه الله تعالى من الشياطين وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء أي أن الشيطان يشاركه المبيت والطعام لعدم التحصن بذكر الله وفي هذا: حث على أن الإنسان ينبغي له إذا دخل بيته أن يذكر اسم الله والذكر الوارد في ذلك بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج ثم يستاك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته فأول ما يبدأ به السواك ثم يسلم على أهله أما عند العشاء فيقول: بسم الله وبذلك يحترز من الشيطان الرجيم مبيتا وعشاء فإن ذكر اسم الله عند الدخول دون العشاء شاركه الشيطان في عشائه وإن ذكر اسم الله عند العشاء دون الدخول شاركه الشيطان في المبيت دون العشاء وإن ذكر اسم الله عند الدخول وعند العشاء فإن الشيطان لا يكون له مبيت ولا عشاء
731 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده وإنا حضرنا معه طعاما فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يديهما ثم ذكر اسم الله تعالى وأكل رواه مسلم
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله في باب أدب الطعام ما نقله عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده وذلك لكمال احترامهم للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يضعون أيديهم في الطعام حتى يضع يده فحضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم طعاما تقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بدءوا جاءت جارية يعني طفلة صغيرة كأنما تدفع دفعا يعني كأنها تركض فأرادت أن تضع يدها في الطعام بدون أن تسمى فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم بيدها ثم جاء أعرابي كذلك كأنما يدفع دفعا فجاء يده في الطعام فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الأعرابي وهذه الجارية جاء بهما الشيطان لأجل أن يستحل الطعام بهما إذا أكلا بدون تسمية وهما قد يكونان معذورين لجهلهما هذه لصغرها وهذا أعرابي لكن الشيطان أتى بهما من أجل أنهما إذا أكلا بدون تسمية شارك في الطعام ثم أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أن يد الشيطان مع أيديهما في يد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث يدل على فوائد: منها: احترام الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأدبهم معه .
ومنها: أنه ينبغي إذا كان هناك كبير على الطعام أل يتقدم أحد قبل أكله بل يؤثرون الكبير بالأكل أولا لأن التقدم بين يدي الكبير غير مناسب وينافى الأدب ومنها: أن الشيطان يأمر الإنسان ويحثه ويزجره على فعل ما لا ينبغي وقد جاء في القرآن الكريم: الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } فدل هذا على أن الشيطان له إمرة على بني آدم والمعصوم من عصمه الله ومنها: أن الإنسان إذا أتى في أثناء الطعام فليسم ولا يقل سمى الأولون قبلي ولكن إذا كانوا جميعا وبدؤوا بالطعام جميعا فهل يكفى تسمية الواحد ؟ والجواب: إن كان الواحد سمى سرا فإن تسميته لا تكفى لأن الآخرين لم يسمعوها وإن سمى جهرا ونوى عن الجميع فقد يقال إنها تكفي وقد يقال الأفضل أن يسمي كل إنسان لنفسه وهذا أكمل وأحسن .
ومن فوائد هذا الحديث: أن للشيطان يدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك بيده ومنها أيضا: أن هذا الحديث آية من آيات الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أعلمه الله تعالى بما حصل في هذه القصة وان الشيطان دفع الأعرابي والجارية وأنه أمسك بأيديهم أي بأيدي الثلاثة بيده الكريمة صلوات الله وسلامه عليه ومنها: أنها إذا جاء أحد يريد أن يأكل ولم تسمعه سمى فأمسك بيده حتى يسمي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك بأيديهم ولم يقل سميا بل أمسك بأيديهم حتى يكون في ذلك ذكرى لهم يذكرون هذه القصة ولا ينسون التسمية في المستقبل ومن فوائد هذا الحديث: تأكد التسمية عند الأكل والصحيح أن التسمية عند الأكل واجبة وأن الإنسان إذا لم يسم فهو عاص لله عز وجل وراض بأن يشاركه في طعامه أعدى عدو له وهو الشيطان فلذلك كانت التسمية واجبة فإن نسيت التسمية في أوله وذكرت في أثنائه فقل بسم الله أوله وآخره
732 - وعن أمية بن مخشي الصحابي رضي الله عنه قال: كان رسول صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يأكل فلم يسم الله حتى لم يبق من طعامه لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه رواه أبو داود والنسائي
733 - وعن عائشة رضي الله عنه قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاما في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إما إنه لو سمى لكفاكم رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
734 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مستغنى عنه ربنا رواه البخاري
735 - وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل طعاما فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث ساقها المؤلف رحمه الله في ( كتاب أدب الطعام ( وفيها دلالة على أمور: منها: أن الإنسان إذا لم يسم الله على طعامه فإن الشيطان يأكل معه لحديث أمية بن مخشى أن رجلا أكل طعاما فلم يسم فلما بقى لقمة واحدة تذكر فسمى الله تعالى فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أن الشيطان كان يأكل معه فلما ذكر الله قاء الشيطان ما أكله وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى أن الشيطان يحرم أن يأكل معنا إذا سمينا في أول الطعام وكذلك إذا سمينا في آخره وقلنا بسم الله أوله وآخره فإن ما أكله يتقيؤه فيحرم إياه وفي الحديث دليل على أن الشيطان يأكل لأنه أكل من هذا الطعام فالشيطان يأكل ويشرب ويشارك الآكل والشارب إذا لم يسم الله تعالى على آكله وشربه وكذلك ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل في سنة نفر من أصحابه فجاء أعرابي فدخل معهم فأكل الباقي بلقمتين هذا كأنه جائع والله أعلم فجاء منهما في الأكل فأكل الباقي بلقمتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه لو سمى لكفاكم لكنه لم يسم فأكل الباقي كله بلقمتين ولم يكفه وهذا يدل على أن الإنسان إذا لم يسم نزعت البركة من طعامه لأن الشيطان يأكل معه فيكون الطعام الذي يظن أنه يكفيه لا يكفيه لأن البركة تنزع منه وبقية الأحاديث فيها دليل على أن الإنسان ينبغي له إذا أكل أكلا أن يحمد الله سبحانه وتعالى وأن يقول: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ومعنى ذلك أنه لولا أن الله تعالى يسر لك هذا الطعام ما حصل لك كما قال تعالى: أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ فالإنسان لولا أن الله ييسر له الطعام من حين أن يبذر ثم ينبت ثم يحصد ثم يحضر إليه ثم يطحن ثم يعجن ثم يطبخ ثم ييسر الله له الأكل ما تيسر له ذلك ولهذا قال بعض العلماء إن الطعام لا يصل إلى الإنسان ويقدم إليه إلا وقد سبق ذلك نحو مائة نعمة من الله لهذا الطعام ولكننا أكثر الأحيان في غفلة عن هذا نسأل الله أن يطعمنا وجميع المسلمين الطعام الحلال وأن يرزقنا شكر نعمته إنه على كل شيء قدير وفي حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه حث النبي صلى الله عليه وسلم على قول: الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغى عنه ربنا أي إننا لا نستغني عن الله عز وجل ولا أحد يكفينا دونه فهو سبحانه حسبنا وهو رازقنا جل وعلا
باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه
736 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه متفق عليه
737 - وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سال أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خل فدعا به فجعل يأكل ويقول: نعم الأدم الخل نعم الأدم الخل رواه مسلم
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه ) والطعام: ما يطعمه من مأكول ومشروب والذي ينبغي للإنسان إذا قدم له الطعام أن يعرف قدر نعمة الله سبحانه وتعالى بتيسيره وأن يشكره على ذلك وألا يعيبه إن كان يشتهيه وطابت به نفسه فليأكله وإلا فلا يأكله ولا يتكلم فيه بقدح أو بعيب ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما قط يعني لم يعب أبدا فيما مضى طعاما ولكنه إن اشتهاه أكله وإلا تركه ولا يعيبه مثال ذلك رجل قدم له تمر وكان التمر رديئا فلا يقل هذا تمر رديء بل يقال له إن اشتهيته فكل وإلا فلا تأكله أم أن تعيبه وهو نعمة أنعم الله بها عليك ويسرها لك فهذا لا يليق كذلك إذا صنع طعام فقدم إليه ولكنه لم يعجبه فلا يعيبه ويقال له إن كان هذا الطبخ قد ساغ لك فكل وإلا فاتركه وأما في مدح الطعام والثناء عليه فذكر حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا شيء إلا الخل والخل عبارة عن ماء يوضع فيه التمر حتى يكون حلوا فجيء إليه بالخل يأتدم به يعني يغط فيه الخبز ويأكله ويقول: نعم الأدم الخل نعم الأدم الخل وهذا ثناء على الطعام لأن الخل وإن كان شرابا يشرب لكن الشراب يسمى طعاما قال الله تعالى: فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي وإنما سمى طعاما لأن له طعما يطعم وهذا أيضا من هدى النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أعجبه الطعام أثنى عليه وكذلك مثلا لو أثنيت على الخبر قلت نعم الخبز خبز فلان أو ما أشبه ذلك فهذا أيضا من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم
باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر
738 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم رواه مسلم قال العلماء: معنى فليصل فليدع ومعنى فليطعم فليأكل
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر ) ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن دعي إلي الطعام وهو صائم قال: فإن كان صائما فليصل وإن كان منفطرا فليطعم فليصل: يعني فليدعو لأن الصلاة هنا المراد بها الدعاء كما هو في اللغة العربية أن الصلاة هي الدعاء أما في الشرع فالصلاة هي العبادة المعروفة إلا إذا دل الدليل علي أن المراد بها الدعاء فهو علي ما دل عليه الدليل فالإنسان إذا دعي إلى الطعام وحضر فلا يكفي الحضور بل يأكل لأن الرجل الذي دعاك لم يصنع الطعام إلا ليؤكل فقد تكلف لك وصنع طعاما أكثر من طعام أهله ودعاك إليه فإذا قلنا لا حرج عليك إن تركت الأكل لزم من هذا أن يبقى طعامه لم يؤكل فمثلا لو دعا عشرة وصنع لهم طعاما وقلنا إن الواجب الحضور دون الأكل ثم قاموا ولم يأكلوا لصار في ذلك مفسدة لماله ومضيعة لماله وصار في قلبه على الحاضرين شيء لماذا لم يأكلوا طعامي ؟ فتقول إذا دعاك داع فالسنة أن تجيبه إلا إذا كان الداعي هو الزوج في وليمة العرس فإن الواجب أن تجيبه إلى دعوته ولا يحل لك أن تمنع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من لم يجب فقد عصى الله ورسوله يعني دعوة الوليمة أما غيرها من الدعوات فأنت بالخيار مثل ذلك لو أن إنسانا دعاك في طعام لأنه قدم من سفر أو لأنه دعا أصحابه أو ما أشبه ذلك فأنت بالخيار إن شئت فأجب وإن شئت فلا تجب لكن الأفضل أن تجيب وهذا الذي عليه جمهور العلماء وقال بعض العلماء يجب أن تجيب في دعوة الطعام في العرس وغيره إلا لسبب شرعي فإذا حضرت فإن كنت مفطرا فكل وإن كنت صائما فادع لصاحب الطعام وأخبره بأنك صائم حتى لا يكون في قلبه شيء وإن رأيت أنك إذا أفطرت وأكلت صار أطيب لقلبه فأفطر إلا أن يكون الصوم صوم فريضة فلا تفطر فتبين الآن أن المسألة ثلاثة أحوال: أولا: إذا دعاك وأنت مفطر فكل ثانيا: إذا دعاك وأنت صائم صوم فريضة فلا تأكل ولا تفطر ثالثا: إذا دعاك وأنت صائم صوم نقل فأنت بالخيار إن شئت فأفطر وكل وإن شئت فلا تأكل واخبره بأنك صائم واتبع ما هو الأصلح إذا رأيت أن من الخير أن تفطر فأفطر وكل وإلا فلزوم الصيام أولى أما البطاقات فلا تجب الإجابة فيها إلا إذا علمت أن الرجل أرسل إليك البطاقة بدعوة حقيقية لأن كثيرا من البطاقات ترسل إلى الناس من باب المجاملة ولا يهمه حضرت أم لم تحضر لكن إذا علمت أنه يهمه أن تحضر لكونه قريبا لك أو صديقا لك فأجب
باب ما يقوله من دعي إلي طعام فتبعه غيره
739 - عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: دعا رجل النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه له خامس خمسة فتبعهم رجل فلما بلغ الباب قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا تبعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع قال: بل آذن له يا رسول الله متفق عليه
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله في ( كتاب أدب الطعام ): ( باب ما يقوله من دعي إلى الطعام فتبعه غيره ) ثم ذكر حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه أن رجلا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام خامس خمسة يعني حدد العدد بأنهم خمسة فتبعهم رجل فكانوا ستة فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم منزل الداعي استأذن للرجل السادس قال صلى الله عليه وسلم إن هذا تبعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع ففي هذا دليل على فوائد أولا: أنه يجوز للإنسان إذا دعا قوما أن يحدد العدد ولا حرج في ذلك وبعض الناس يقول: إنه إذا حدد العدد فإنه بخيل ولكن يقال قد يكون الإنسان قليل ذات اليد يحتاج أن يحدد لأجل أن يصنع الطعام الذي لا يزيد عن كفايتهم ولا سيما في مكان يكون فيه عامة الناس فقراء أما الأغنياء فالحمد لله لا يحددون وفيه أيضا: دليل على جواز اتباع الرجل للمدعوين لعله يحصل علي طعام لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع هذا الرجل من اتباعهم بل استأذن له ولأنه ورد أيضا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه حين تبع النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يشبع بطنه وفيه أيضا: دليل على أنه إذا جاء مع الإنسان من لم يدع فإنه يستأذن له خصوصا إذا كنت تظن أن صاحب البيت دعاك لغرض خاص لا يجب أن يطلع عليه أحد فحينئذ لابد أن تستأذن وفيه أيضا: دليل على أنه لا حرج علي صاحب البيت إذا لم يأذن للذي تبع المدعو لأنه لو كان في ذلك حرج ما استأذنه النبي صلى الله عليه وسلم فلما استأذنه دل على أنه بالخيار إن شاء أذن وإن شاء قال ارجع وذلك أن الإنسان إذا استأذن علي شخص فصاحب البيت بالخيار إن شاء أذن له وإن شاء قال ارجع وقد قال الله تعالى: وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ فلا يكن في صدرك حرج ولا في نفسك ضيق إذا استأذنت علي شخص وقال ارجع أنا الآن مشغول خلافا لبعض الناس إذا استأذن على إنسان وقال له: ارجع أنا مشغول صار في قلبه شيء وهذا غلط لأن الناس لهم حاجات خاصة في بيوتهم وقد يكون ذلك لهم تعلقات بأناس آخرين أهم فإذا استأذنت علي شخص في البيت وقال لك الآن عندي شغل فارجع وارجع بكل راحة وبكل طمأنينة لأن هذا هو الشرع
باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله
740 - عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك متفق عليه قوله: تطيش بكسر الطاء وبعدها ياء مثناه من تحت معناه تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة
741 - وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: كل بيمينك قال: لا أستطيع قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر فما رفعها إلى فيه رواه مسلم
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله في ( كتاب أدب الطعام ): ( باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله ) وقد سبق لنا الكلام على أن الكل باليمين والشرب باليمين واجب وأنه يحرم على الإنسان أن يأكل بشماله أو يشرب بشماله وأن من أكل بشماله أو شرب بشماله فإنه عاص وآثم عاص لله ورسوله وآثم ومشابه للشيطان ولأولياء الشيطان من الكفار والواجب على المسلم أن يأكل باليمين إلا لعذر كما لو كانت اليمين مشلولة أو ما أشبه ذلك فاتقوا الله ما استطعتم ولهذا ذكر المؤلف حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يأكل بشماله: كل بيمينك قال: لا أستطيع قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا استطعت يعني دعا عليه أن يعجز أن يرفع يده اليمنى إلى فمه لأنه ما منعه إلا الكبر والعياذ بالله فدعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يرفعها بعد ذلك إلى فمه ويحتمل قوله ما منعه إلا الكبر يعني إلا التكبير عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه ما منعه إلا الكبر يعني ما منعه أن يأكل بيمينه إلا الكبر وأيا كان فإن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عليه بهذه الدعوة التي أوجبت أن تنشل يده حتى لا ترفع إلى فمه دليل علي أن الأكل بالشمال حرام وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله فأنت الآن أمامك هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الشيطان فهل تأخذ بهدي الرسول أو بهدي الشيطان ؟ وكل مؤمن يقول آخذ بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم يأكل بيمينه وأمر بالأكل باليمين ويشرب بيمينه وأمر بالشرب باليمين والشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله فاختر أي الطريقين شئت ولهذا كان أولياء الشيطان من اليهود والنصارى والمشركين لا يعرفون الأكل إلا بالشمال ولا الشرب إلا بالشمال لأنهم أولياء الشيطان تولاهم الشيطان والعياذ بالله واستحوذ عليهم فإياك أن تكون مثلهم وبعض الناس إذا كان يأكل وأراد أن يشرب يمسك الكأس باليسار ويشرب وهذا لا يجوز لأن الحرام لا يباح إلا للضرورة وهذا ليس له ضرورة يستطيع أن يمسك الكأس من أسفله باليد اليمنى فغالب كئوس الناس اليوم إما من البلاستك يشرب بها ثم ترمي ولا تغسل أو من الحديد أو الزجاج فيمكن غسلها حتى لو تلطخت ولكن لا يجوز للإنسان أن يأكل بشماله أو يشرب بشماله فإن فعل فهو عاص لله ورسوله عاص للرسول لأنه نهى عن ذلك وعاص لله لأن معصية الرسول معصية لله قال الله تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال: { ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا } والرسول ما يتكلم من عند نفسه بل يتكلم لأنه رسول رب العالمين سبحانه وتعالى وذكر المؤلف رحمه الله حديث عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن أبي سلمة بن أم سلمة وأم سلمة مات عنها زوجها أبو سلمة رضي الله عنه وكانت تحبه حبا عظيما وهو ابن عمها وحضر النبي صلى الله عليه وسلم وفاته ودخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقد شخص بصره أي انفتح انفتح انفتاحا كبيرا فقال صلى الله عليه وسلم: إن الروح إذا قبض تبعه البصر لأن الروح بإذن الله جسم لطيف خفيف يخرج من البدن ولا يمكن أن نشاهده بل يشاهده الميت فيشاهد نفسه خرجت من جسده قال: إن الروح إذا قبضت تبعها البصر فضج ناس من أهله لما سمعوا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عرفوا أنه مات فضجوا كعادة الناس لأنه في الجاهلية إذا مات الميت دعوا بالويل والثبور واثبوراه واويلاه وما أشبه ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لا تدعوا علي أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون علي ما تقولون ثم أغمض النبي صلى الله عليه وسلم بصره يعني رد أجفانه بعضها إلى بعض لئلا تبقى عيناه مفتوحين وهكذا ينبغي أن يغمض الميت إذا مات لأنه إذا برد ما تستطيع أن تغمض عينيه فما دام حارا فأغمض عينيه وقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبة في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه يا لها من دعوات كلنا يتمناها اللهم اغفر لأبي سلمة يعني ذنوبه وارفع درجته في المهديين أي في جنات النعيم جعلنا الله من أهلها: وافسح له في قبره أي وسع له في قبره ونور له فيه لأن القبر ظلمة إلا من نوره الله عليه نور الله قبورنا واخلفه في عقبة يعني كن خليفته في عقبه وكانت أم سلمة رضي الله عنها قد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا أصيب بمصيبة فقال: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها فقالت ذلك لما مات زوجها وابن عمها وأحب الناس إليها ثم جعلت تفكر تقول في نفسها من خير من أبي سلمة فهي مؤمنة بأن الله سيخلف لها خيرا منه لكن تقول من خير من أبي سلمة ؟ فما أن انتهت عدتها من وفاة زوجها حتى خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم خيرا لها من أبي سلمة بلا شك ثم إن الله استجاب دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال في أبي سلمة: اخلفه في عقبه خلفه الله في عقبة وجعل خليفة أبيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نعم الخليفة خلف أبا سلمة في أهله وفي أولاده وكان منهم عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه وكان صغيرا غلاما جلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل فجعلت يده تطيش في الصحفة صبي صغير ما تعلم تروح يده يمينا ويسارا يأكل مما يليه ومن وسط الصحفة ومن الجانب الآخر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام سم الله يعني قل بسم الله عند الأكل وكل بيمينك وكل مما يليك فعلم الرسول هذا الغلام ثلاث سنن: سم الله والتسمية على الأكل واجبة وكل بيمينك والأكل باليمين واجب وكل مما يليك تأدبا مع صاحبك لأن من سوء الأدب أن تأكل من حافة صاحبك فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنن في أكله واحدة وهذه من بركات النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله فيه بركة فيعلم في كل مناسبة وكذلك ينبغي لطالب العلم وغير طالب العلم كل من علم سنة ينبغي أن يبينها في كل مناسبة ولا تقل أنا لست بعالم نعم لست بعالم لكن عندك علم قال النبي صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية فينبغي للإنسان في مثل هذه الأمور أن ينتهز الفرص كلما سمحت الفرصة لنشر السنة فانشرها يكن لك أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة
باب النهي عن القران بين تمرتين ونحوهما إذا أكل جماعة إلا بإذن رفقته
742 - عن جبلة بن سحيم قال: أصابنا عام سنة مع ابن الزبير فرزقنا تمرا وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يمر بنا ونحن نأكل فيقول: لا تقارنوا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقران ثم يقول: إلا أن يستأذن الرجل أخاه متفق عليه
باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع
743 - عن وحشي بن حرب رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع ؟ قال: فلعلكم تفترقون قالوا: نعم قال فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه رواه أبو داود
الشَّرْحُ
هذان بابان ذكرهما النووي رحمه الله في ( كتاب أدب الطعام ) أما أولهما: فهو في النهي عن القرآن بين التمرتين ونحوهما مما يؤكل أفرادا إذا كان مع جماعة إلا بإذن أصحابه فمثلا الشيء الذي جرت العادة أن يؤكل واحدة واحدة كالتمر إذا كان معك جماعة فلا تأكل تمرتين جميعا لأن هذا يضر بإخوانك الذين معك فلا تأكل أكثر منهم إلا إذا استأذنت وقلت تأذنون لي أن آكل تمرتين في آن واحد فإن أدنوا لك فلا بأس وكذلك ما جاء في العادة بأنه يؤكل أفرادا كبعض الفواكه الصغيرة التي يلتقطها الناس حبة حبة ويأكلونها فإن الإنسان لا يجمع بين اثنتين إلا بإذن صاحبه الذي صاحبه الذي معه مخافة أن يأكل أكثر مما يأكل صاحبه أما إذا كان الإنسان وحده فلا بأس أن يأكل التمرتين جميعا أو الحبتين مما يؤكل أفرادا جميعا لأنه لا يضر بذلك أحدا إلا أن يخشى على نفسه من الشرق أو الغصص فإن العامة يقولون من كب اللقمة غص فإذا كان يخشى أنه لو أكل تمرتين جميعا أو حبتين جميعا مما يؤكل أفرادا أن يغص فلا يفعل لأن ذلك يضر بنفسه والنفس أمانة عندك لا يحل لك أن تفعل ما يؤذيها أو يضرها ثم ذكر المؤلف ما رواه ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهي عن القران يعني أن يقرن الإنسان بين تمرتين إلا أن يستأذن من كان معه فلا بأس أما الباب الثاني: فهو في الذي يأكل ولا يشبع ولذلك أسباب منها: أنه يسمى الله على الطعام فإن الإنسان إذا لم يسم الله علي الطعام أكل الشيطان معه ونزعت البركة من طعامه ومنها: أن يأكل من أعلى الصحفة فإن ذلك أيضا مما ينزع البركة من الصحفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يأكل الإنسان من أعلى الصحفة فإن فيه البركة فيأكل من الجوانب ومنها: التفرق على الطعام فإن ذلك من أسباب نزع البركة لأن التفرق يستلزم أن كل واحد يجعل له إناء خاص فيتفرق الطعام وتنزع بركته وذلك لأنك لو جعلت لكل إنسان طعاما في صحن واحد أو في إناء واحد لتفرق الطعام لكن إذا جعلته كله في إناء واحد اجتمعوا عليه وصار في القليل بركة وهذا يدل على أنه ينبغي للجماعة أن يكون طعامهم في إناء واحد ولو كانوا عشرة أو خمسة يكون طعامهم في صحن واحد بحسبهم فإن ذلك من أسباب نزول البركة والتفرق من أسباب نزع البركة
باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها وفيه: قوله صلى الله عليه وسلم وكل مما يليك متفق عليه كما سبق
744 - عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح