باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها وفيه: قوله صلى الله عليه وسلم وكل مما يليك متفق عليه كما سبق
744 - عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح
745 - وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها: الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة يعني وقد ثرد فيها فالتفوا عليها فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي: ما هذه الجلسة ؟ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها رواه أبو داود بإسناد جيد ذروتها أعلاها: بكسر الذال وضمها
الشَّرْحُ
هذا الباب الذي عقد المؤلف رحمه الله في ( كتاب أدب الطعام ) يفيد ما أشرنا إليه فيما سبق وهو أنه ينبغي للناس أن يأكلوا من حواف القصعة يعني من جوانبها لا من وسطها ولا من أعلاها ففي حديث عبد الله بن عباس وعبد الله بن بسر رضي الله عنهما ما يدل على ذلك وان الإنسان إذا قدم إليه الطعام فلا يأكل من أعلاه بل يأكل من الجانب وإذا كان معه جماعة فليأكل مما يليه ولا يأكل مما يلي غيره وقوله صلى الله عليه وسلم: إن البركة تتنزل في وسط الطعام يدل على أن الإنسان إذا أكل من أعلاه أي من الوسط نزعت البركة من الطعام قال أهل العلم: إلا إذا كان الطعام أنواعا وكان نوع منه في الوسط وأراد أن يأخذ منه شيئا فلا بأس مثل أن يوضع اللحم في وسط الصحفة فإنه لا بأس أن تأكل من اللحم ولو كان في وسطها لأنه ليس له نظير في جوانبها فلا حرج كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتتبع الدباء يلتقطها من الصحفة كلها والدباء هي القرع وفي حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه دليل على استحباب ركعتي الضحى لقوله فلما سجدوا الضحى أي لما صلوا صلاة الضحى وصلاة الضحى سنة ووقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح يعني من ربع ساعة من طلوع الشمس إلي قبيل الزوال يعني إلى أن يبقى على الظهر عشر دقائق كل هذا وقت لها وهي سنة ينبغي للإنسان أن يحافظ عليها لأنها تغني عن الصدقات التي تصبح على كل عضو من أعضاء البدن كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يصبح على كل سلامي من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعني كل عضو من أعضائك عليك به صدقة كل يوم لكن ليست صدقة مال فقط بل التسبيح صدقة والتكبير صدقة والتهليل صدقة وقراءة القرآن صدقة والأمر بالمعروف صدقة والنهي عن المنكر صدقة ومعونة الرجل على متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقه وإتيان الرجل زوجته صدقه كل شيء يتقرب به العبد إلى الله فهو صدقة ويجزئ عن ذلك وركعتان يركعهما من الضحى وهذا يدل على أن سنة الضحى سنة في كل يوم وفيه أيضا دليل على أن الإنسان عند الأكل متكئا وإنما يأكل مستوفزا يعني جاث على ركبته حتى لا يكثر من الأكل لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الإكثار من الأكل ما ملأ ابن آدم وعاء من بطنه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه هذا هو الأكل النافع الطبيعي وإذا جعت فكل فالأمر ليس مقصورا على ساعات معينة ولو قال قائل: إن الإنسان لو اقتصر على ثلث وثلث وثلث قد يجوع قبل أن يأتي وقت العشاء نقول إذا جعت فكل لكن كونك تأكل هذا الخفيف يكون أسهل للهضم واسهل للمعدة وإذا اشتهيت فكل وهذا من الطب النبوي لكن لا بأس بالشبع أحيانا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا هريرة رضي الله عنه حينما سقاه اللبن وقال: اشرب اشرب اشرب حتى قال: والله لا أجد له مساغا يعني لا أجد له مكانا فاقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وإنما الذي ينبغي أن يكون الأكثر في أكلك كما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس
باب كراهية الكل متكئا
746 - عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا آكل متكئا رواه البخاري قال الخطابي: المتكيء هنا هو الجالس معتمدا على وطاء تحته قال وأراد أنه لا يقعد على الوطاء والوسائد كفعل من يريد الإكثار من الطعام بل يقعد مستوفزا لا مستوطئا ويأكل بلغة هذا كلام الخطابي وأشار غيره إلى أن المتكئ هو المائل على جنبه والله أعلم
747 - وعن أنس رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقعيا يأكل تمرا رواه مسلم المقعي هو الذي يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله في ( كتاب أدب الطعام ): ( باب كراهية الأكل متكئا ) الأكل ينقسم بالنسبة للجلوس له إلى قسمين: قسم منهي عنه من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن يأكل الإنسان متكئا إما على اليد اليمنى أو على اليد اليسرى وذلك لأن الاتكاء يدل على غطرسة وكبرياء وهذا معنى نفسي ولأنه إذا أكل متكئا يتضرر حيث يكون مجرى الطعام متمايلا ليس مستقيما فلا يكون على طبيعته فربما حصل في مجارى الطعام أضرار من ذلك ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي جحيفة عبد الله بن وهب السواري رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا آكل متكئا ويعني ليس من هديي أن آكل متكئا وذلك للسببين اللذين ذكرناهما: سبب معنوي يكون بالنفس وهو الكبرياء وسبب حسى يتعلق بالبدن وهو الضرر الذي ينتج عن الأكل على هذا الوجه وذكر المؤلف حديث أنس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل تمرا مقعيا والإقعاء أن ينصب قدميه ويجلس على عقبيه هذا هو الإقعاء وإنما أكل النبي صلى الله عليه وسلم كذلك لئلا يستقر في الجلسة فيأكل أكلا كثيرا لأن الغالب أن الإنسان إذ كان مقعيا لا يكون مطمئنا في الجلوس فلا يأكل كثيرا وإذا كان غير مطمئن فلن يأكل كثيرا وإذا كان مطمئنا فإنه يأكل كثيرا هذا هو الغالب وربما يأكل الإنسان كثيرا وهو غير مطمئن وربما يأكل قليلا وهو مطمئن لكن من أسباب تقليل الأكل ألا يستقر الإنسان في جلسته وألا يكون مطمئنا الطمأنينة الكاملة والحاصل أن عندنا جلستين: الجلسة الأولى الاتكاء، وهذه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل متكئا وكل أنواع الجلوس الباقية جائزة ولكن أحسن ما يكون ألا تجلس جلسة الإنسان المطمئن المستقر لئلا يكون ذلك سببا لإكثار الطعام وإكثار الطعام لا ينبغي والأفضل أن يجعل الإنسان ثلثا للأكل وثلثا للشراب وثلثا للنفس هذا أصح ما يكون في الغذاء فإن تيسر فهذا هو المطلوب ولا بأس أن يشبع الإنسان أحيانا
باب استحباب الأكل بثلاثة أصابع واستحباب لعق الأصابع وكراهة مسحها قبل لعقها واستحباب لعق القصعة وأخذ اللقمة التي تسقط منه وأكلها وجواز مسحها بعد اللعق بالساعد والقدم وغيرها
748 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح أصابعه حتى يلعقها أو يلعقها متفق عليه
749 - وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها رواه مسلم
750 - وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة رواه مسلم
751 - وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة رواه مسلم
752 - وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة رواه مسلم
753 - وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط عنها الأذى وليأكلها ولا بدعها للشيطان وأمرنا أن نسلت القصعة وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة رواه مسلم
754 - وعن سعيد بن الحارث أنه سأل جابرا رضي الله عنه عن الوضوء مما مست النار فقال لا قد كنا زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نجد مثل ذلك الطعام إلا قليلا فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا ثم نصلي ولا نتوضأ رواه البخاري
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله في ( كتاب آداب الطعام ) تضمنت مسائل متعددة المسألة الأولي: أنه ينبغي للإنسان أن يأكل بثلاثة أصابع الواسطى والسبابة والإبهام لأن ذلك أدل على عدم الشره وأدل على التواضع ولكن هذا في الطعام الذي يكفي فيه ثلاثة أصابع أما الطعام الذي لا يكفى فيه ثلاثة أصابع مثل الأرز فلا بأس بأن تأكل بأكثر لكن الشيء الذي تكفى فيه الأصابع الثلاثة يقتصر عليها فإن هذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم المسألة الثانية: أنه ينبغي للإنسان إذا انتهى من الطعام أن يلعق أصابعه قبل أن يمسحها بالمنديل كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم يلعقها هو أو يلعقها غيره أما كونه هو يلعقها فالأمر ظاهر وكونه يلعقها غيره هذا أيضا ممكن فإنه إذا كانت المحبة بين الرجل وزوجته محبة قوية يسهل عليه جدا أن تلعق أصابعه أو أن يلعق أصابعها فهذا ممكن وقول بعض الناس: إن هذا لا يمكن أن يقوله النبي عليه الصلاة والسلام لأنه كيف يلعق الإنسان أصابع غيره ؟ نقول إن النبي عليه الصلاة والسلام لا يقول إلا حقا ولا يمكن أن يقول شيئا لا يمكن فالأمر في هذا ممكن جدا وكذلك الأولاد الصغار أحيانا الإنسان يحبهم ويلعق أصابعهم بعد الطعام هذا شيء ممكن فالسنة أن تلعقها أو تلعقها غيرك والأمر الحمد لله واسع ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم فليلعقها غيره حتى نقول هذا إجبارا للناس على شيء يشق عليهم العقها أنت أو ألعقها غيرك وقال النبي عليه الصلاة والسلام إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة قد يكون البركة ونفع الطعام الكثير بهذا الجزء الذي تلعقه من أصابعك حتى إنه ذكر لي بعض الناس عن بعض الأطباء أن الأنامل بإذن الله تفرز إفرازات عند الطعام تعين على هضم الطعام في المعدة وهذه من الحكمة ولكننا نفعلها سنة إن حصلت لنا هذه الفائدة الطيبة حصلت وإن لم تحصل فلا يهمنا الذي يهمنا امتثال أمر النبي عليه الصلاة والسلام المسألة الثالثة: أنه ينبغي للإنسان أن يلعق الصحن أو القدر أو الإناء الذي فيه الطعام إذا انتهيت فالحس حافته كما أمر بهذا النبي عليه الصلاة والسلام فإنك لا تدري في أي طعامك البركة ومع الأسف أن الناس يتفرقون عن الطعام بدون تنفيذ هذه السنة فتجد حافات الآنية عليها الطعام كما هي والسبب في هذا الجهل بالسنة ولو أن طلبة العلم إذا أكلوا مع العامة وجهوهم إلى هذه السنة وغيرها من سنن الأكل والشرب لانتشرت هذه السنن لكن نسأل الله أن يعاملنا بعفوه فنحن نتجاوز كثيرا ونتهاون في الأمر وهذا خلاف الدعوة إلى الحق المسألة الرابعة: أن الإنسان إذا سقطت منه اللقمة فلا يتركها بل يأخذها وإذا كان فيها أذى يمسحه لا يأكل الأذى لأن الإنسان ليس مجبرا أن يأكل شيئا لا يشتهيه يمسح الأذى كأن يكون فيها عود أو تراب أو ما أشبه ذلك امسحه ثم كلها لماذا ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ولا يدعها للشيطان لأن الشيطان يحضر ابن آدم في كل شئونه إن أراد أن يأكل حضره وإن أراد أن يشرب حضره وإن أراد أن يأتي أهله حضره حتى يشاركه كما في الآية الكريمة وشاركهم في الأموال والأولاد فهو يشارك أهل الغفلة فإذا قلت وأنت تأكل: بسم الله منعته من الأكل، ما يقدر على الكل معك وقد سميت على الطعام أبدا إذا لم تقل بسم الله أكل معك فإذا قلت: الله بسم فإن الشيطان يترقب اللقمة إذا سقطت بالأرض فإن رفعتها أنت فهي لك وإن تركتها أكلها هو فصار إذا لم يشاركك في الطعام شاركك فيما يسقط من الطعام ولهذا فضيق عليه في ذلك أيضا فإذا سقطت اللقمة أو التمرة أو ما أشبه ذلك في الأرض فخذها وإذا كان علق بها أذى من تراب أو عيدان أو ما أشبه ذلك فأزل ذلك الأذى ثم كلها ولا تدعها للشيطان المسألة الخامسة: الوضوء من الطعام المطبوخ الذي مسته النار كالخبز والأرز والجريش وغيرها هل يتوضأ الإنسان إذا أكله أم لا ؟ قال بعض العلماء إنه يجب على من أكل شيئا مطبوخا على النار أن يتوضأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالضوء مما مست النار ولكن الصحيح أنه لا يجب كما في حديث جابر في صحيح البخاري الذي أورده المؤلف رحمه الله فالصحيح أنه لا يجب بل هو سنة يعني الأفضل أن يتوضأ حتى ولو كنت على وضوء إذا أكلت شيئا مطبوخا على النار فالأفضل أن نتوضأ لكنه ليس بواجب لأن آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار يعني عدم الالتزام به ويدل لهذا أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل نتوضأ من لحوم الإبل قال: نعم ؟ قال: نتوضأ من لحوم الغنم قال: إن شئت لأن لحم الإبل إذا أكله الإنسان انتقض وضوءه لو كان على وضوء فلابد أن نتوضأ ولكن ما يجب غسل الفرج لأنه ما بال ولا تغوط إنما يجب الوضوء سواء كان اللحم نيئا أو مطبوخا وسواء أكلت الهبر أو الكبد أو القلب أو الكرش أو الأمعاء أي شيء تأكله من البعير فإنه يجب عليك أن تتوضأ لأنه كله ناقض للوضوء أما غيره فإذا أكلته مطبوخا فالأفضل أن تتوضأ ولا يجب عليك ذلك هذه من الآداب والحقيقة أن هذا الكتاب رياض الصالحين كتاب جامع نافع ويصدق عليه أنه رياض الصالحين ففيه من كل زوج بهيج فيه أشياء كثيرة من مسائل العلم ومسائل الآداب لا تكاد تجدها في غيره
باب أدب الشرب واستحباب النفس ثلاثا خارج الإناء وكراهة التنفس في الإناء واستحباب إدارة الإناء على الأيمن فالأيمن بعد المبتدئ
757 - عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الشراب ثلاثا متفق عليه يعني يتنفس خارج الإناء
758 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشربوا واحدا كشرب البعير ولكن أشربوا مثنى وثلاث وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنتم رفعتم رواه الترمذي وقال حديث حسن
759 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء متفق عليه يعني: يتنفس في نفس الإناء
760 - وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر رضي الله عنه فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن متفق عليه
761 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطى هؤلاء فقال الغلام لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده متفق عليه قوله: تله أي: وضعه وهذا الغلام هو ابن عباس رضي الله عنهما
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( باب أدب الشرب واستحباب النفس ثلاثا خارج الإناء وكراهة التنفس في الإناء واستحباب إدارة الإناء على الأيمن فالأيمن بعد المبتدئ ) وقد بين المؤلف في الباب السابق ما يتعلق بالطعام فقد سبق جمل كثيرة من آداب الأكل ولله سبحانه وتعالى على عباده نعم لا تحصى كما قال الله تعالى: وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا فالأكل والشرب من نعم الله سبحانه وتعالى: ولا يعرف قدر هذه النعمة إلا من حرمها نسأل الله ألا يحرمنا إياها فمن حرمها وذاق الجوع وذاق العطش عرف نعمة الله تعالى بالأكل والشرب وهذه إحدى الحكم من الصيام أن الإنسان يمسك عن الأكل والشرب حتى يعرف قدر نعمة الله عليه بتيسير الأكل والشرب وللشرب آداب منها أن يسمى الله عز وجل إذا شرب فيقول عند الشرب: بسم الله ومنها أن يتنفس في الشرب ثلاثا لقول أنس بن مالك رضى الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شرب تنفس في الشراب ثلاثا كيف يتنفس في الشراب ثلاثا ؟ يعني يشرب ثم يفصل الإناء عن فمه ثم يشرب الثالثة ولا يتنفس في الإناء لحديث أبي قتادة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى أن يتنفس الإنسان في الإناء والحكمة من ذلك أن النفس في الإناء مستقذر على من يشرب من بعده وربما تخرج من النفس أمراض في المعدة أو في المريء أو في الفم فتلتصق بالإناء وربما يشرق إذا تنفس في الإناء فلهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتنفس الإنسان في الإناء بل يتنفس ثلاثة أنفاس كل نفس يبعد فيه الإناء عن فمه وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن هذا أهنأ وأبرأ وأمرأ أهنأ لأنه يشرب بمهلة وأبرأ: يعني أبرأ من العطش، وأسلم من المرض .
وأمرأ: أسهل في النزول إلى الأمعاء ووجه ذلك أن العطش عبارة عن حرارة المعدة لقلة الماء أو لغير ذلك وأحيانا يكون المرض فإذا جاءها الماء دفعة واحدة ربما يضر فإذا راسله الإنسان عليها مراسلة كان هذا أبرأ في إزالة العطش وفي السلامة من المرض ولأثر الذي يحصل بورود الماء على المعدة دفعة واحدة ولهذا ينبغي أيضا إذا شرب أن لا يعب الماء عبا وإنما يمصه مصا لا يعبه عبا فيأخذ جرعات كبيرة بل يمصه مصا حتى يأتي المعدة شيئا فشيئا فيمصه في النفس الأول ثم يطلق الإناء ثم يمصه في النفس الثاني ثم يطلق الإناء ثم في النفس الثالث هذه هي السنة وأما التناول يعني بمن يبدأ في إعطاء الإناء إذا أراد أن يعطي الشراب أحدا ؟ مثال ذلك: رجل دخل ومعه شراب شاي أو قهوة بمن يبدأ نقول: إذا كان أحد من الناس قد طلب الشراب فقال هات الماء مثلا فإنه يبدأ به هو الأول وإذا لم يكن أحد طلبه فإنه يبدأ بالأكبر ثم الأكبر يناوله من على يمينه وإذا كان لكل واحد إناء كالكئوس مثلا فليبدأ بالأكبر ثم يعطي الذي عن يساره لأن الذي عن يساره هو الذي عن يمين الصاب والصاب هو الذي سيناول فيبدأ بمن على يمينه والذي على يمين الصاب هو الذي على يسار الشارب لأن الصاب مستقبل للشارب فيكون من على يسار الشارب هو الذي على يمين الصاب مثال ذلك مثلا: إنسان طلب الماء فجيء إليه بالماء فشرب منه وأراد أن يناوله أحدا بعده إن كان الذي جاء بالشراب واقفا على رأسه يقول: أعطني الإناء إذا فرغت فيعطيه إياه وإن لم يكن فإنه إذا انتهى يعطيه للذي على يمينه سواء كان صغيرا أو كبيرا شريفا أو وضيعا والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلبن قد شيب بماء فشرب وعلى يمينه رجل من الأعراب وعلى يساره أبو بكر وعمر فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم ناوله الأعرابي فقال عمر للأعرابي هذا أبو بكر يريد من الأعرابي أن يكرم أبا بكر ويقول خذه يا أبا بكر لأن أبا بكر مشهور معروف بين الصحابة أنه أخص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالنبي ولكن الأعرابي أخذ الإناء فشرب فهنا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم فضل المفضول على الفاضل لأن أبا بكر أفضل من الأعرابي لكن فضله عليه لأنه عن يمينه وقال: الأيمن فالأيمن والقصة الثانية: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشراب فشرب منه وعلى يمينه غلام وعلى يساره الأشياخ الكبار فلما شرب قال للذي على يمينه وهو الغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء يعني الأشياخ فقال والله يا رسول الله ما أنا بالذي أوثر بنصيبي عليك أحدا يعني ما أوثرهم على أنا أحب أن أشرب فضلتك فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يعني أعطاه الإناء في يده فهذا دليل على أنه إذا كان الذي على اليمين أصغر سنا فإنه يفضل على الذي على اليسار ولو كان أكبر سنا والأول يدل على أنه كان الذي على اليمين أقل قدرا فإنه يعطي ويقدم على الذي هو أعظم قدرا إذا كان على اليسار لقول الرسول: الأيمنون الأيمنون الأيمنون ألا فيمنوا ألا فيمنوا ألا فيمنوا هكذا جاء الحديث لكن هذا فمن إذا شرب يريد أن يناول من على يمينه أو على يساره أما ما يفعله الناس اليوم يأتي الرجل بالإبريق ويدخل المجلس فهنا يبدأ بالأكبر لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا يبدءون به فيعطونه أولا ولأنه لما أراد أن يناول عليه الصلاة والسلام المسواك أحد الرجلين اللذين وقفا قيل له: كبر كبر وقد ورد في ذلك أيضا أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنك إذا دخلت المجلس تبدأ بالأكبر لا بمن على يمين
باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنزيه لا تحريم
762 - عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية يعني أن تكسر أفواها ويشرب منها متفق عليه
763 - وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب من في السقاء أو القربة متفق عليه
764 - وعن أم ثابت كبشة بنت ثابت أخت حسان بن ثابت رضى الله عنه وعنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب في قربة معلقة قائما فقمت إلى فيها فقطعته رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وإنما قطعتها لتحفظ موضع فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتبرك به وتصونه عن الابتذال وهذا الحديث محمول على بيان الجواز والحديثان السابقان لبيان الأفضل والأكمل والله أعلم
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنزيه لا تحريم ) من آداب الشرب ألا يشرب الإنسان من فم القربة أو السقاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك والحكمة من هذا أن المياه فيما سبق ليست بتلك المياه النظيفة فإذا صارت في القربة أو في السقاء فإنه يكون فيها أشياء مؤذية عيدان أو حشرات أو غير ذلك مما هو معروف لمن كانوا يستعملون هذا من قبل فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم: عن اختناث الأسقية يعني أن الإنسان يكسر أفواهها هكذا ثم شرب وذكر أن رجلا شرب مرة هكذا فخرجت حية من القربة وهذا لاشك أنه على خطر إما أن تلدغه أو تؤذيه لهذا ينهي عن الشرب من فم القربة وليس من ذلك الشرب من الصنبور أو من الجرار التي يخزن فيها الماء لأن هذه معلومة ونظيفة فهو كالشرب من الأواني لكن إذا كان هناك حاجة فلا بأس أن يشرب الإنسان من فم القربة مثل أن يكون محتاجا إلى الماء وليس عنده إناء فإنه يشرب من في القربة وعلى هذا فيكون النهي عن ذلك كما قال المؤلف رحمه الله للكراهة وليس للتحريم ويستفاد من الحديث الأخير: أنه يجوز أن يشرب الإنسان قائما إذا دعت الحاجة إلى ذلك مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلي آله وسلم نهي عن الشرب قائما لكن إذا كان هناك حاجة فلا بأس كما في هذه الحالة القربة معلقة والمعلقة تكون عالية عن القاعد وليس عنده إناء فشرب النبي صلى الله عليه وسلم من هذه القربة المعلقة قائما وفي الحديث أيضا: دليل على جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك وقد كان الصحابة يتبركون بعرق النبي صلى الله عليه وسلم ويتبركون بريقه ويتبركون بثيابه ويتبركون بشعره أما غيره صلى الله عليه وسلم فإنه لا يتبرك بشيء من هذا منه فلا يتبرك بثياب الإنسان ولا بشعره ولا بأظفاره ولا بشيء من متعلقاته إلا النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم
باب كراهة النفخ في الشراب
765 - عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب فقال رجل: القذاة أراها في الإناء ؟ فقال: أهرقها قال: فإني لا أروي من نفس واحد ؟ قال: فأبن القدح إذا عن فيك رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح