829 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وفي رواية لأبي داود لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما
830 - وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة رواه أبو داود بإسناد حسن وروى الترمذي عن أبي مجلز: أن رجلا قعد وسط حلقة فقال حذيفة ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم أو لعن الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم من جلس وسط الحلقة قال الترمذي: حديث حسن صحيح
831 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير المجالس أوسعها رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري
832 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
الشَّرْحُ
ومن آداب المجالس ما ذكره المؤلف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما يعني إذا جاءت ووجدت شخصين جلس أحدهما إلى جنب الآخر فلا يفرق بينهما إلا إذا أذنا لك في هذا إما إذنا باللسان يعني إذا قال أحدهما تعال اجلس هنا أو بالفعل بأن يتفرق بعضهما عن بعض إشارة إلى أنك تجلس بينهما وإلا فلا تفرق بينهما لأن هذا من سوء الأدب إن قلت تفسح ومن الأذية إن جلست وضيق عليهما ومن الآداب أيضا أن يجلس الإنسان حيث انتهى به المجلس كما سبق فلا يجوز للإنسان أن يجلس وسط الحلقة يعني إذا رأيت جماعة متحلقين سواء كانوا متحلقين على من يعلمهم أو على من يتكلم معهم المهم إذا كانوا حلقة فلا يجلس في وسط الحلقة وذلك لأنك تحول بينهم وبين من معهم ثم إنهم لا يرضون في الغالب أن يجلس أحد في الحلقة يتقدم عليهم فيكون في ذلك عدوان عليهم وعلى حقوقهم إلا إذا أذنوا لك بأن وقفت مثلا وكان المكان ضيقا وقالوا تفضل اجلس هنا فلا حرج أما بدون إذن فإن حذيفة بن اليمان أخبر بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعن من جلس في وسط الحلقة كذلك أيضا من آداب المجالس: أن الإنسان إذا جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فإنه يكفره أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك قبل أن يقوم من مجلسه فإذا قال ذلك فإن هذا يمحو ما كان منه من لغط وعليه فيستحب أن يختم المجلس الذي كثر فيه اللغط بهذا الدعاء: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ومما ينبغي في المجالس أيضا أن تكون واسعة فإن سعة المجالس من خير المجالس كما قال صلى الله عليه وسلم: خير المجالس أوسعها لأنها إذا كانت واسعة حملت أناسا كثيرين وصار فيها انشراح وسعة صدر وهذا على حسب الحال قد يكون بعض الناس حجر بيته ضيقة لكن إذا أمكنت السعة فهو أحسن لأنه يحمل أناسا كثيرين ولأنه أشرح للصدر
833 - وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بآخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقال رجل يا رسول الله إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى ؟ قال: ذلك كفارة لما يكون في المجلس رواه أبو داود رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك من رواية عائشة رضي الله عنها وقال صحيح الإسناد
الشَّرْحُ
سبق أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذاك وفي حديث أبي برزة الذي وصله المؤلف بالحديث السابق دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعله وبين أن هذا كفارة المجلس وقلما يجلس الإنسان مجلسا إلا ويحصل له فيه شيء من اللغط أو من اللغو أو من ضياع الوقت فيحسن أن يقول ذلك كلما قام من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك حتى يكون كفارة للمجلس أما الحديث الآخر عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قلما يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات: اللهم اقسم لنا من خشيتك وذكر تمام الحديث فهذا سيأتي الكلام عليه إن شاء الله في موضع آخر والمقصود بهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في أكثر أحيانه ولكن هل هو في كل مجلس حتى مجالس الوعظ ومجالس الذكر ؟ في هذا نظر وابن عمر رضي الله عنهما لا يتابع النبي صلى الله عليه وسلم في كل مجلس بل قد يفوته بعض المجالس فإن قال الإنسان هذا الذكر في أثناء المجلس أو في أوله أو في آخره حصل بذلك السنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها
834 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن ليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا رواه الترمذي وقال حيث حسن
الشَّرْحُ
نقل الإمام النووي رحمه الله في ( باب آداب المجلس والجليس ) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قلما يقوم من مجلس إلا ويقول: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك اقسم بمعنى قدر والخشية هي الخوف المقرون بالعلم لقول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وقوله: ما تحول به بيننا وبين معصيتك لأن الإنسان كلما خشي الله عز وجل منعته خشيته من الله أن ينتهك محارم الله ولهذا قال: ما تحول به بيننا وبين معصيتك ثم قال: ومن طاعتك يعني واقسم لنا من طاعتك ما تبلغنا به جنتك فإن الجنة طريقها طاعة الله عز وجل فإذا وفق العبد لخشية الله واجتناب محارمه والقيام بطاعته نجا من النار بخوفه ودخل الجنة بطاعته ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا واليقين هو أعلى درجات الإيمان لأنه إيمان لا شك معه ولا تردد تتيقن ما غاب عنك كما تشاهد ما حضر بين يديك فإذا كان عند الإنسان تام بما أخبر الله تعالى به من أمور الغيب فيما يتعلق بالله عز وجل أو بأسمائه أو صفاته أو اليوم الآخر أو غير ذلك وصار ما أخبر الله به من الغيب عنده بمنزلة المشاهد فهذا هو كمال اليقين وقوله ما تهون به علينا مصائب الدنيا لأن الدنيا فيها مصائب كثيرة لكن هذه المصائب إذا كان عند الإنسان يقين أنه يكفر بها من سيئاته ويرفع بها من درجاته إذا صبر واحتسب الأجر من الله هانت عليه المصائب وسهلت عليه المحن مهما عظمت سواء كانت في بدنه أو في أهله أو في ماله ما دام عنده اليقين التام فإنها تهون عليه المصائب ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا تسأل الله تعالى أن يمتعك بهذه الحواس السمع والبصر والقوة ما دمت حيا لأن الإنسان إذا متع بهذه الحواس حصل على خير كثير وإذا افتقد هذه الحواس فاته خير كثير لكن لا يلام عليه إذا كان لا يقدر عليها واجعله الوارث منا يعني اجعل تمتعنا بهذه الأمور السمع والبصر والقوة الوارث منا يعني اجعله يمتد إلى آخر حياتنا حتى يبقى بعدنا ويكون كالوارث لنا وهو كيانه عن استمرار هذه القوات إلى الموت واجعل ثأرنا على من ظلمنا يعني اجعلنا نستأثر ويكون لنا الأثرة على من ظلمنا بحيث تقتص لنا منه إما بأشياء تصيبه في الدنيا أو في الآخرة ولا حرج على الإنسان أن يدعو على ظالمه بقدر ظلمه وإذا دعا على ظالم بقدر ما ظلمه فهذا إنصاف والله سبحانه وتعالى يستجيب دعوة المظلوم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ وقد بعثه إلى اليمن وبين له ما يدعوهم إليه فقال: فإن أجابوك لذلك أي للصدقة من أموالهم فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب لأن الله تعالى حكم عدل ينتقم من المظالم إذا رفع المظلوم الشكوى إليه فإذا رفع المظلوم الشكوى إلى الله انتقم الله من الظالم لكن لا يتجاوز في دعائه فيدعو بأكثر من مظلمته لأنه إذا دعا بأكثر من مظلمته صار هو الظالم وانصرنا على من عادانا وأكبر عدو لنا من عادانا في دين الله من اليهود والنصارى والمشركين البوذيين والملحدين والمنافقين وغيرهم هؤلاء هم أعداؤنا قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } وقال الله في المنافقين: { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } فتسأل الله تعالى أن ينصرك على من عاداك وينصرك على اليهود والنصارى والمشركين والبوذيين وجميع أصناف الكفرة والله سبحانه وتعالى هو الناصر { بَلِ اللهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ } ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا المصائب في الحقيقة تكون في مال الإنسان بأن يحترق ماله أو يسرق أو يتلف فهذه مصيبة وتكون أيضا في أهل الإنسان فيمرض أهله أو يموتون وتكون في العقل بأن يصاب هو أو أهله بالجنون نسأل الله العافية وتكون في كل ما من شأنه أن يصاب به الإنسان لكن أعظم مصيبة هي مصيبة الدين نسأل الله أن يثبتنا على دينه الحق فإذا أصيب الإنسان بدينه والعياذ بالله فهذه أعظم مصيبة والمصائب في الدين مثل المصائب في البدن هناك مصائب خفيفة في البدن كالزكام والصداع اليسير وما أشبه ذلك وهناك مصائب في الدين خفيفة كشيء من المعاصي وهناك مصائب في الدين مهلكة مثل الكفر والشرك والشك وما أشبه ذلك هذه مهلكة مثل الموت للبدن فأنت تسأل الله ألا يجعل مصيبتك في دينك أما المصائب التي دون الدين فإنها سهلة فإن المصاب من حرم الثواب نسأل الله العافية ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا فلا تجعل الدنيا أكبر همنا بل اجعل الآخرة أكبر همنا ولا ننسى نصيبنا من الدنيا فلابد للإنسان من الدنيا لكن لا تكون الدنيا أكبر همه ولا مبلغ علمه بل يسأل الله أن يجعل مبلغ علمه علم الآخرة أما علم الدنيا وما يتعلق بها فهذه مهما كانت فإنها ستزول يعني لو كان الإنسان عالما في الطب عالما في الفلك عالما في الجغرافيا عالما في أي شيء من علوم الدنيا فهي علوم تزول وتفنى فالكلام على علم الشرع علم الآخرة فهذا هو المهم ولا تسلط علينا من لا يرحمنا لا تسلط علينا أحدا من خلقك لا يرحمنا يعني وكذلك من يرحمنا لا تسلط علينا أحدا لكن الذي يرحمك لا ينالك منه السوء أما الذي ينالك منه السوء هو أن يسلط الله عليك من لا يرحمك نسأل الله ألا يسلط علينا من لا يرحمنا فكان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا جلس مجلسا يقول هذا الذكر لكنه ليس بلازم كما سبق أن قلنا وإنما المقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك كثيرا
835 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة رواه أبو داود بإسناد صحيح
836 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيهم فيه إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم رواه الترمذي وقال حديث حسن
837 - وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة ومن اضطجع مضطجعا لا يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة رواه أبو داود وقد سبق قريبا وشرحنا الترة فيه
الشَّرْحُ
هذه ثلاثة أحاديث في بيان آداب المجلس وكلها تدل على أنه ينبغي للإنسان إذا جلس مجلسا أن يغتنم ذكر الله عز وجل والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث إنها تدل على أنه ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا كان عليهم من الله ترة يعني قطيعة وخسارة إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ويتحقق ذكر الله عز وجل في المجالس بصور عديدة فمثلا إذا تحدث أحد الأشخاص في المجلس عن آية من آيات الله عز وجل فإن هذا من ذكر الله مثل أن يقول نحن في هذه الأيام في دفء كأننا في الربع وهذا من آيات الله لأننا في الشتاء وفي أشد ما يكون من أيام الشتاء بردا ومع ذلك فكأننا في الصيف فهذا من آيات الله ويقول مثلا لو اجتمع الخلق على أن يدفئوا هذا الجو في هذه الأيام التي جرت العادة أن تكون باردة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا وما أشبه ذلك أو مثلا يذكر حالة من أحوال النبي عليه الصلاة والسلام مثل أن يقول كان النبي عليه الصلاة والسلام أخشى الناس لله وأتقاهم لله فيذكر عليه الصلاة والسلام ثم يصلي عليه والحاضرون يكونون إذا استمعوا إليه مثله في الآجر هكذا يكون ذكر الله عز وجل والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن شاء الله من الأصل إذا جلس قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله لا إله إلا الله وما أشبه ذلك المهم أن الإنسان العاقل يستطيع أن يعرف كيف يذكر الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا المجلس ومن ذلك أيضا أنه إذا انتهى المجلس وأراد أن يقوم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وفي هذه الأحاديث الثلاثة دليل على أنه ينبغي للإنسان ألا يفوت عليه مجلسا ولا مضطجعا إلا يذكر الله حتى يكون ممن قال الله فيهم: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ
باب الرؤيا وما يتعلق بها
قال الله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ }
838 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا: وما المبشرات ؟ قال الرؤيا الصالحة رواه البخاري
839 - وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة متفق عليه وفي رواية: أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا
840 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو كأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي متفق عليه
841 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله تعالى فليحمد الله عليها وليحدث بها وفي رواية فلا يحدث بها إلا من يحب وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره متفق عليه
الشَّرْحُ
قال المؤلف النووي رحمه الله في ( باب الرؤيا وما يتعلق بها ) الرؤيا يعني رؤيا المنام فالإنسان إذا نام فإن الله تعالى يتوفى روحه لكنها وفاة صغرى كما قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى وقال الله تعالى: { اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } وهذه الوفاة الصغرى تذهب فيها الروح إلى حيث يشاء الله ولهذا كان من أذكار المنام أن نقوم: اللهم بك وضعت حنبي وبك أرفعه فإن أمسكت روحي فاغفر لها وارحمها وإن أرسلها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ثم إن الروح في هذه الحال ترى منامات ومرائي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: رؤيا محبوبة ورؤيا مكروهة ورؤيا عبارة عن أشياء ليس لها معنى وليس لها هدف قد تكون من تلاعب الشيطان وقد تكون من حديث النفس وقد تكون من أسباب أخرى القسم الأول الرؤيا الصالحة الحسنة وهي إذا رأى الإنسان ما يحب فهذه من الله عز وجل وهي نعمة الله على الإنسان أن يريه ما يحب لأنه إذا رأى ما يحب نشط وفرح وصار هذا من البشرى فمن عاجل بشرى المؤمن الرؤيا الصالحة يراها أو ترى له ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لم يبق من النبوة إلا المبشرات الرؤيا الصالحة يراها الإنسان أو ترى له هذه بشرى وخير وهي من الله عز وجل القسم الثاني: الرؤيا المكروهة وهي من الشيطان حيث يضرب الشيطان للإنسان أمثالا في منامه يزعجه بها لمن دواءها أن يستعيذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأى ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره ولا يحرص على أن تعبر لأن بعض الناس إذا رأى ما يكره حرص على أن تعبر وذهب إلى العابرين أو يطالع في الكتب لينظر ما هذه الرؤيا المكروهة ولكنها إذا عبرت فإنها تقع على الوجه المكروه وإذا استعاذ الإنسان من شر الشيطان ومن شر ما رأى ولم يحدث بها أحدا فإنها لا تضره مهما كانت وهذا دواء سهل أن الإنسان يتصبر ويكتهما ويستعيذ بها من شر الشيطان ومن شرها حتى لا تقع أما القسم الثالث وهو الذي ليس له هدف معين فهذا أحيانا يكون من حديث النفس حين يكون الإنسان متعلقا قلبه بشيء من الأشياء يفكر فيه وينشغل به ثم يراه في المنام أو أحيانا يلعب به الشيطان في منامه يريه أشياء ليس لها معنى كما ذكر رجل للنبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله رأيت في المنام أن رأسي قد قطع وذهب رأسي يركض وأنا أسعى وراءه فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك فهذا ليس له معنى رأسي يقطع ويركض الرأس وهذا يركض بجسده وراءه هذا ليس له معنى المهم أن هذه هي أقسام الرؤيا وإذا ضرب للإنسان مثل بأبيه أو أمه أو أخيه أو عمه أو غير ذلك فقد يكون هذا هو الواقع وقد يكون من الشيطان يتمثل الشيطان للنفس بصورة هذا الإنسان ويراه النائم إلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن الإنسان إذا رأى النبي على هذا الوصف المعروف فإنه قد رآه حقا لأن الشيطان لا يتمثل بالنبي صلى الله عليه وسلم أبدا ولا يجرؤ فإذا رأى الإنسان شخصا ووقع في نفسه أنه النبي صلى الله عليه وسلم فليبحث عن أوصاف هذا الذي رأى هل تطابق أوصاف النبي عليه الصلاة والسلام فهو هو وإن لم تطابق فليس النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هذه أوهام من الشيطان أوقع في نفس النائم أن هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم وليس هو الرسول ولذلك دائما يأتي أحد يقول رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام وقال كذا وفعل كذا ثم إذا وصفه إذا أوصافه لا تطابق أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه في منامه وقع عليه أنه النبي لكن إذا تحدث عن أوصافة فإذا هو ليس النبي صلى الله عليه وسلم وصافه فنجزم أن هذا ليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم أما لو وصف لنا رآه وانطبقت أوصافه على النبي لله فهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن يجب أن نعمل أنه لا يمكن أن يحدثه النبي صلى الله عليه وسلم بشيء يخالف شريعته يعني لو جاء إنسان وقال رأيت الرسول وقال لي كذا وأوصاني بكذا فإن كان يخالف الشريعة فهو كذب ويكون الكذب ممن تحدث به إذا انطبقت أوصاف من رآه على أوصاف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
842 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الرؤيا الصالحة وفي رواية الرؤيا الحسنة من الله والحلم من الشيطان فمكن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره متفق عليه النفث نفخ لطيف لا ريق معه
843 - وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأي حدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعيذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه رواه مسلم
844 - وعن أبي الأسقع واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه أو يرى عينه ما لم تر أو يقول على رسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقل رواه البخاري
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث فيما يتعلق بالرؤيا وسبق شيء من ذلك وقد بينا أن الرؤيا ثلاثة أقسام: القسم الأول: رؤيا حسنة صالحة فهذه من الله عز وجل وذكرنا فيما يسر وأنها من عاجل بشري المؤمن القسم الثاني: الحلم وهذا من الشيطان والغالب أنه يكون فيما يكره الإنسان أي أن الشيطان يرى الإنسان حتى يفزع ويتكدر ويحزن وربما يمرض لأن الشيطان عدو للإنسان يحب ما يسوء الإنسان وما يحزنه قال الله تعالى إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فالحلم هو هذا الذي يراه الإنسان في منامه يكرهه ويزعجه ولكن من نعمة الله عز وجل وجعل أن جعل لكل داء دواء ودواء الحلم فيما يلي: أولا أن يبصق الإنسان على يساره ثلاث مرات ويستعيذ بالله من شر الشيطان ثلاث مرات ومن شر ما رأى يقول أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت ثلاث مرات ويتحول إلى الجانب الثاني فإذا كان على جنبه الأيسر يتحول إلى الأيمن وإذا كان على الأيمن يتحول إلى الأيسر ثانيا وإذا لم ينفع هذا يعني لو أنه تحول عن جنبه الأول إلى الثاني ثم عادت هذه الرؤيا التي يكرهها فليقم ويتوضأ ويصلي ولا يخبر بها أحدا فلا يقول رأيت ورأيت ولا يذهب إلى الناس يعبرونها ولا يذهب إلى أحد يفسرها فإنها لا تضره أبدا حتى وكأنها ما وقعت وفي هذا راحة له وبعض الناس إذا رأى شيئا يكرهه ذهب يتلمس من يفسر له هذه الرؤيا ونحن نقول له لا تفعل ذلك وكان الصحابة رضي الله عنهم يرون الرؤيا يكرهونها فلما حدثهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الحديث استراحوا فصار الإنسان إذا رأى الرؤيا التي يكرهها بصق عن يساره ثلاث مرات واستعاذ من شرها وشر الشيطان ولم يحدث بها أحدا ثم لا تضره وكأنه ما رآها أما القسم الثالث فهو الحلم الذي يكون من حديث النفس حيث يكون الإنسان متعلقا بشيء من الأشياء دائما فهذا ربما يراه في المنام وهذا أيضا لا حكم ولا أثر له وينبغي للإنسان إذا رأى رؤيا تسره وهي الرؤيا الصالحة أن يؤولها على خير ما يقع في نفسه لأن الرؤيا إذا عبرت بإذن الله فإنها تقع ثم إن من المهم ألا نعتمد على ما يوجد في بعض الكتب ككتاب الأحلام لابن سيرين وما أشبهها فإن ذلك خطأ وذلك لأن الرؤيا تختلف بحسب الرائي وبحسب الزمان وبحسب المكان وبحسب الأحوال يعني ربما يرى الشخص رؤيا فنفسرها له بتفسير ويرى آخر رؤيا هي نفس الرؤيا فنفسرها له بتفسير آخر غير الأول وذلك لأن هذا رأى ما يليق وهذا رأى ما يليق به أو لأن الحال تقتضي أن نفسر هذه الرؤيا بهذا التفسير فالمهم ألا يرجع الإنسان إلى الكتب المؤلفة في تفسير الأحلام لأن الأحلام والرؤى تختلف ويذكر أن رجلا رأى رؤيا ففسرت له بتفسير ثم رأى آخر نفس الرؤيا ففسرت بتفسير آخر فسئل الذي فسرهما في ذلك فقال لأن هذا يليق به ذلك التفسير لما رأى وهذا يليق به ذلك التفسير لما رأى كل إنسان يفسر له بما يليق به ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد قبل الواقعة أو في أثنائها رأى في المنام أن في سيفه ثلمة ورأى بقرا تنحر ففسرها بأنه يقتل أحد من أهل بيته وأنه يقتل نفر من أصحابه فالثلمة هي أنه يقتل أحد من أهل بيته لأن الإنسان يحتمي بقبيلته ويحتمي بسيفه فلما صار في السيف ثلمة فمعنى ذلك أنه سيكون ثلمة في أهل بيته ووقع كذلك فقد استشهد حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أما البقر التي تنحر فالذين قتلوا من الصحابة رضي الله عنهم في أحد نحو سبعين رجلا وإنما رآه بقرا لأن البقر فيها منافع كثيرة فهي أنفع ما يكون من بهيمة الأنعام للحرث وللسمن وللنماء وللبن وفيها مصالح كثيرة والصحابة رضي الله عنهم كلهم خير ففيهم خير كثير لهذه الأمة ولو لم يكن من خيرهم إلا أن الله سبحانه وتعالى وفقهم لحمل الشريعة إلى الأمة لكان ذلك يكفيهم إذ أنه لا طريق لنا إلى شريعة الله إلا بواسطة الصحابة رضي الله عنهم
كتاب السلام
/0L2 باب فضل السلام والأمر بإفشائه
845 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير ؟ قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف متفق عليه
الشَّرْحُ