شرح رياض الصالحين
كتاب الدعوات
باب كرامات الأولياء وفضلهم وأخرى / من 1503 - إلى 1508
باب كرامات الأولياء وفضلهم
قال الله تعالى { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم } وقال تعالى { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي }
الشَّرْحُ
قال المؤلف النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصاحين باب كرامات الأولياء وفضلهم الكرامات هنا معناها هي كل أمر خارق للعادة يظهره الله سبحانه وتعالى على يد متبعي الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الكرامة يعني أمر غير معتاد يظهره الله على يد متبع الرسول إما تكريما له وإما نصرة للحق وهي ثابتة أعني الكرامات ثابتة بالكتاب والسنة والواقع ولكن من هم الأولياء ؟ الأولياء هم من بينهم الله في قوله ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون هؤلاء هم الأولياء جمعوا بين الإيمان والتقوى وليس أولياء الله الذين يدعون أنهم أولياءه وهم من أعدائه كما يفعل في بعض البلاد يأتي الرجل يدعي أنه ولي وهو عاص فاسق يدعو الناس إلى أن يعبدوه ويطيعوه في كل شيء ويدعي أن الله قد أحل له كل شيء حتى المحرمات أحلها الله له لأنه بلغ الغاية هؤلاء ليسوا بأولياء الله هؤلاء أعداء الله ولي الله هو المؤمن التقي كما في هذه الآية الكريمة التي ساقها المؤلف { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون } وسوف يذكر المؤلف إن شاء الله الآيات والأحاديث الدالة على ذلك والواقع أيضا والفرق بين الآية آية النبي صلى الله عليه وسلم وكرامة الولي وشعوذة العدو الفرق بينهم أن آية النبي صلى الله عليه وسلم أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى على يد النبي صلى الله عليه وسلم تأييدا له وتصديقا له مثل إحياء عيسى صلى الله عليه وسلم للموتى كان عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم يحيي الموتى بل يخرجهم من القبور بعد الدفن كما قال الله تعالى { وإذ تخرج الموتى بإذني } فيقف على القبر ويدعو صاحبه فيخرج من قبره حيا يبرئ الأكمة والأبرص يخلق من الطين على صورة الطير يعني يصنع شيئا على صورة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله يطير من بين يديه كان بالأول طينا فإذا نفخ فيه طار هذا أيضا من آيات الله إذن فآيات الأنبياء هي أمور خارقة للعادة يظهرها الله تعالى على أيديهم تأييدا لهم أما كرامات الأولياء فهي أمور خارق للعادة ولكنها لا تكون للأنبياء بل تكون لمتبعي الأنبياء مثل ما حدث لمريم بنت عمران { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فنادها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } هذه من آيات الله كرامة لمريم امرأة في المخاض تحت نخلة تهز الجذع وهز الجذع ليس سهلا هز رأس النخلة ممكن لكن هز الجذع صعب تهز الجذع ثم يتساقط الرطب من النخلة جنيا يعني كأنه مخروط خرطا ما يتفصص إذا نزل في الأرض أو يفسد هذه آية من آيات الله كذلك ما حدث لها من الحمل والولادة كلها من آيات الله عز وجل كرامة لها كما قال تعالى { وجعلناها وابنها آية للعالمين } أما الثالث الذي يظهره الله على يد المشعوذين الذين يستخدمون الجن يظهرها الله عز وجل على أيديهم فتنة لهم وفتنة بهم فإنه يوجد من الناس من يأتي بأشياء خارقة للعادة ولكنه ليس وليا فنقول كرامة ومعلوم أيضا أنه ليس بنبي لأنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم إذن فهي من الشياطين الأمر الرابع: ما يكون خارقا للعادة يظهره الله سبحانه وتعالى على يد الكاذب تكذيبا له مثل ما يذكر عن مسيلمة الكذاب مسيلمة رجل ادعى النبوة في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنه نبي وتبعه من تبعه من الناس وفي يوم من الأيام أتاه قوم أهل حرب يشكون إليه أن بئرهم قد غار ماؤها ولم يبق فيه إلا القليل فطلبوا منه أن يأتي إلى البئر ويمج فيه من ريقه لعله يعود الماء ففعل فأعطوه ماء فتمضمض به ثم مجه في البئر وكان في البئر شيء من الماء ولما مجه في البئر غار الماء كله ما بقي شيء هذا خارق للعادة ولا شك أنه آية ولكن الله سبحانه وتعالى جعله إهانة لذلك الرجل الكذاب وإظهارا لكذبه فهذه أربعة أشياء آية النبي وكرامة الولي وشعوذة المشعوذ وإهانة الكذاب المفتري كلها أمور خارقة للعادة لكنها تختلف بحسب من أظهرها الله على يديه ويأتي إن شاء الله الكلام على الآيات التي ذكرها المؤلف
قال تعالى { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب }
وقال تعالى { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال }
الشَّرْحُ
تقدم لنا الكلام على كرامات الأولياء وأنها أي الكرمات كل أمر خارق للعادة يعني كل ما يخرج عن العادة يظهره الله تعالى على يد الوالي تكريما له أو نصرة لدين الله وذكرنا أن هناك آيات وهناك شعوذة وهناك إهانات أربعة أشياء كلها تخرج عن العادة وبيناها فيما سبق واعلم أن كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي اتبعه لأن هذا الوالي الذي اتبع هذا النبي إذا أكرم بكرامة فهي شهادة من الله سبحانه وتعالى على صحة طريقته وعلى صحة الشرع الذي اتبعه ولهذا نقول كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي اتبعه .
ثم ذكر المؤلف آيات فيها كرامات منها كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب مريم ابنة عمران نذرتها أمها { إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } فزكريا إذا دخل على مريم المحراب أي مكان صلاتها وجد عندها رزقا أي وجد عندها طعاما لم تجر العادة بوجوده فيقول أنى لك هذا ما جاء به قالت هو من عند الله لم تقل جاء به فلان أو فلان بل هو من عند الله عز وجل والله تعالى على كل شيء قدير يأتي به من عنده لا من سعي البشر ولكنه من عند الله { إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } وعندئذ دعا زكريا ربه وكان قد بلغه الكبر ولم يأته أولاد فقال إن الله على كل شيء قدير واستدل بقدرة الله الذي جاء بهذا الرزق إلى مريم بدون سبب بشري فاستدل بذلك على كمال قدرة الله فدعا ربه أن يأتيه ولدا فجاءه الولد وفيه أيضا كرامات لذلك فمريم رضي الله عنها لها كرامات منها هذه المسألة رزقها يأتيها من عند الله لا يشترى من السوق ولا يأتي به فلان أو فلان من عند الله وكذلك ما ذكرناه بالأمس حين جاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت { يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } وسبق الكلام على هذا ومن الكرامات أيضا ما وقع لأصحاب الكهف والكهف هو غار فسيح في الجبل وكان هؤلاء القوم سبعة رجال رأوا ما عليه أهل بلدتهم من الشرك والكفر ولم يرضوا بذلك فاعتزلوا قومهم وهاجروا من بلدهم لأنها بدل شرك وكفر فاعتزلوا قومهم ولجأوا إلى غار كما قال تعالى: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمنوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَا مِن دُونِهِ إِلَهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ } يعني لما اعتزلوهم وشركهم أمروا أن يأووا إلى الكهف { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا } فأووا إلى الكهف اذهبوا إلى الكهف وهذا الكهف كما قلنا هو غار في الجبل ذهبوا إليه هذا الغار وجهه إلى الشمال الشرقي بحيث الشمس ما تدخل عليه لا أول النهار ولا آخره يسره الله لهم لأن الله تعالى يقول { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا } وهؤلاء خرجوا يريدون وجه الله فيسر الله أمرهم أوووا إلى الكهف وألقى الله عليهم النوم قال الله تعالى مبينا هذا { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ } يعني ما تدخل عليهم الشمس دخولا كاملا فيصيبهم الحر لكنه تقرضه شيء بسيط يأتيهم من الشمس لكي لا يتبخر الغار فيفسد يدخل عليه من الشمس بقدر الحاجة فقط { وهم في فجوة منه } أي في مكان متسع كما جاء في الحديث كلما أتى فجوة ..
..
.
أي شيء متسع هم في مكان متسع في الغار ذلك من آيات الله أن يسر الله لهم هذا المكان لما دخلوا في هذا المكان آمنين متوكلين على الله عز وجل مفوضين أمرهم إليه ألقى الله عليهم النوم فناموا كم ناموا يوما ..
يومين ..
.
ثلاثة ؟ لا ناموا ثلاثمائة سنة وتسع سنين وهم نائمين 309 سنة لا يستيقظون من حر ولا برد ولا جوع ولا عطش هذا من كرامات الله هل يبقى الواحد منا ثلاثة أيام نائما لا يجوع ولا يعطش ولا يحتر ولا يبرد لا هؤلاء بقوا في كهفهم 309 سنة { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } ويقول الله عز وجل { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } الله عز وجل هو الذي يقلبهم لماذا يقلبهم الله عز وجل لأن النائم لا فعل له مرفوع عنه القلم حتى لو فعل لن يتم فعله { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } عند الباب يحرصهم بإذن الله عز وجل وإنما قلبهم الله تعالى لأنهم لو بقوا هذه المدة الطويلة على جنب واحد لفسد الدم ولم يتحرك لكن يقلبون ذات اليمين وذات الشمال إذا رآهم الإنسان حسبهم أيقاظا يعني ليس على وجههم وجه النوم الذي يراهم يقول هؤلاء أيقاظ وهم رقود نائمون وألقى الله عليهم المهابة العظيمة { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا } لوليت منهم فرارا ببدنك ولملئت منهم رعبا بقلبك القلب يفزع والبدن يهرب لأن لا يحوم أحد حولهم فيوقظهم لكن الله عز وجل أكرمهم بهذا وكرامات أصحاب الكهف كثيرة نقتصر منها على هذا ونذكر إن شاء الله الباقي في درس آخر نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أوليائه المكرمين إنه على كل شيء قدير
قال الله تعالى { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال }
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب كرامات الأولياء وفضلهم عدة آيات تشتمل على كرامات الأولياء ومنها قصة أصحاب الكهف وكانوا فتية آمنوا بالله واعتزلوا قومهم وخرجوا من بلدهم فهيأ الله لهم كهفا يعني غارا واسعا في الجبل فدخلوا فيه فألقى الله عليهم النوم فناموا 309 سنة وهم نائمون لم يحتاجوا إلى أكل ولا شرب ولم تتأثر أبدانهم وكان الله تعالى يقبلهم ذات اليمين وذات الشمال وهذه من كرامات الله لهم أن الله تعالى هيأ لهم مقرا آمنا حتى إن الله يقول لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ما أحد يحوم حولهم ومن كرامات الله لهم أنهم بقوا هذه المدة 309 سنة ولم يتغير منهم ظفر ولا شعر ولا غيره مع أن العادة أن الشعور تطول والأظفار تطول لكن هؤلاء لم تطل شعورهم ولا أظفارهم وبقوا وكأنهم ناموا بالأمس ولهذا قال الله تعالى { وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم } وإنما قالوا ذلك لأنهم لم يتغير منهم شيء وأما ما ذكر بعض الناس أنهم طالت أظفارهم وشعورهم فهذا خطأ لأنه لو كان كذلك لعرفوا أنهم بقوا مدة طويلة ولكنهم لم يتغيروا ومن كرامات الله لهم أن الله أبقاهم على هذه النومة حتى أبدل الله تعالى ملكهم الظالم بملك صالح ولما استيقظوا بعثوا واحدا منهم إلى البلدة ليأتي بطعام له وكان معهم نقود سابقة من النقود التي لها 309 سنة فلما جاءوا يشترون من البلدة ودفعوا النقود تعجب أهل البلدة من أين هذه النقود حتى أطلع الله الناس عليهم فهذا من كرامات الله لهم ويحسن أن يجمع هذه الآيات وغيرها وتتأمل ويستخرج ما فيها من الكرمات الدالة على قدرة الله عز وجل وعلى أنه تبارك وتعالى أكرم من خلقه إذا تعبد الإنسان له بما يرضى أعطاه الله تعالى ما يرضى والله الموفق
قال الله تعالى { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم }
الشَّرْحُ
صدر المؤلف رحمه الله تعالى باب كرامات الأولياء بهذه الآية ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون وتقدم الكلام على أولها وأن الله تعالى بين أن أولياءه هم المؤمنون المتقون { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون } وقد أخذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من هذه الآية عبارة قال فيها من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا فيقول الله عز وجل إن هؤلاء الأولياء { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } لا خوف عليهم لما يستقبل من أمرهم ولا هم يحزنون على ما مضى من أمرهم لأنهم أدركوا معنى الحياة الدنيا فعملوا عملا صالحا وآمنوا بالله واتقوه فصاروا من أوليائه ثم قال { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } البشرى تعني البشارة في الحياة الدنيا وفي الآخرة والبشارة في الحياة الدنيا أنواع فمنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له أحد يراها له يعني يرى في المنام ما يسره أو يرى له أحد من أهل الصلاح ما يسره مثل أن يرى أنه يبشر بالجنة أو يرى أحد من الناس أنه من أهل الجنة أو ما أشبه ذلك أو يرى على هيئة صالحة المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرؤيا الصالحة يراها أو ترى له تلك عاجل بشرى المؤمن ومنها إن الإنسان يسر في الطاعة، ويفرح بها وتكون قرة عينه، فإن هذا يدل على أنه من أولياء الله .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته، وساءته سيئته فذلك المؤمن فإذا رأيت من نفسك أن صدرك ينشرح بالطاعة، وأنه يضيق بالمعصية فهذه بشرى لك، أنك من عباد الله المؤمنين ومن أوليائه المتقين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: وجعلت قرة عيني في الصلاة ومن ذلك أيضاً أن أهل الخير يثنون عليه ويحبونه ويذكرونه بالخير، فإذا رأيت أن أهل الخير يحبونك ويثنون عليك بالخير، فهذه بشرى للإنسان أنه يثنى عليه من أهل الخير، ولا عبرة بثناء أهل الشر ولا قدحهم، لأنهم لا ميزان لهم ولا تقبل شهادتهم عند الله، لكن أهل الخير إذا رأيتهم يثنون عليك وأنهم يذكرونك بالخير ويقتربون منك ويتجهون إليك فاعلم أن هذه بشرى من الله لك .
ومن البشرى في الحياة الدنيا، ما يبشر به العبد عند فراق الدنيا، حيث تتنزل عليه الملائكة { ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم } ومن البشارة أيضاً أن الإنسان عند موته بشارة أخرى، فيقال لنفسه: اخرجي أيتها النفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب، اخرجي إلى رحمة من الله ورضوان، فتفرح وتسر .
ومن ذلك أيضاً البشارة في القبر، فإن الإنسان إذا سئل عن ربه ودينه ونبيه وأجاب بالحق، ناد مناد من السماء أن صدق عبدي ؛ فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً من الجنة .
ومنها أيضاً البشارة في الحشر، تتلقاهم الملائكة { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } و { وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } المهم أن أولياء الله لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم { لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم } يعني لا أحد يبدل كلمات الله تعالى، أما الكونية فلا يستطيع أحد أن يبدلها وأما الشرعية فقد يحرفها أهل الباطل، كما فعل اليهود والنصارى في كتبهم حرفوها وبدلوها وغيروها، وأما الكلمات الكونية فلا أحد يبدلها { لا تبديل لكلمات الله ذلك الفوز العظيم } .
والله الموفق
1503
1503- وعن أبي محمد عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن أصحاب الصُّفة كانوا أناسًا فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: "من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة، فليذهب بخامس بسادس" أو كما قال: وأن أبا بكر رضي الله عنه جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة، وأن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله. قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أو ما عشيتهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء وقد عرضوا عليهم قال: فذهبت أنا، فاختبأت، فقال: يا غُنثر، فجدع وسب، وقال: كلوا لا هنيئًا، والله لا أطعمه أبدًا، قال: وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر فقال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا؟ قالت: لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات! فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان، يعني يمينه. ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل، فتفرقنا اثني عشر رجلا، مع كل رجل منهم أناس، الله أعلم كم مع كل رجل، فأكلوا منها أجمعون.
وفي رواية: فحلف أبو بكر لا يطعمه، فحلفت المرأة لا تطعمه، فحلف الضيف -أو الأضياف- أن لا يطعمه، أو يطعموه حتى يطعمه، فقال أبو بكر: هذه من الشيطان! فدعا بالطعام، فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ فقالت: وقرة عيني إنها الآن لأكثر منها قبل أن نأكل، فأكلوا، وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه أكل منها. وفي رواية: إن أبا بكر قال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فافرغ من قراهم قبل أن أجيء، فانطلق عبد الرحمن، فأتاهم بما عنده، فقال: اطعموا، فقالوا: أين رب منزلنا؟ قال اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا، قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا، لنلقين منه، فأبوا، فعرفت أنه يجد علي، فلما جاء تنحيت عنه، فقال: ما صنعتم؟ فأخبروه، فقال: يا عبد الرحمن فسكت، ثم قال: يا عبد الرحمن، فسكت، فقال: يا غُنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت! فخرجت، فقلت: سل أضيافك، فقالوا: صدق، أتانا به. فقال: إنما انتظرتموني والله لا أطعمه الليلة، فقال الآخرون: والله لا نطعمه حتى تطعمه، فقال: ويلكم ما لكم لا تقبلون عنا قراكم؟ هات طعامك، فجاء به، فوضع يده، فقال: بسم الله. الأولى من الشيطان، فأكل وأكلوا. ((متفق عليه)).
(((3))).
1504- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد، فإنه عمر" ((رواه البخاري، ورواه مسلم من رواية عائشة، وفي روايتهما قال ابن وهب: "محدثون" أي: ملهمون)).
1504 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد، فإنه عمر .
رواه البخاري، ورواه مسلم من رواية عائشة، وفي روايتهما قال ابن وهب: محدثون أي: ملهمون .
الشَّرْحُ
سبق لنا ما يتعلق بقضية أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيما أكرمه الله به من الكرامة، ثم أتى المؤلف رحمه الله بحديث لأبي هريرة في كرامة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: كان فيما كان قبلكم محدثون - يعني: ملهمون للصواب، يقولون قولاً فيكون موافقًا للحق، وهذا من كرامة الله للعبد أن الإنسان إذا قال قولاً، أو أفتى بفتوى، أو حكم بحكم تبين له بعد ذلك أنه مطابق للحق، فعمر رضي الله عنه من أشد الناس توفيقًا للحق، كما سيأتي إن شاء الله تعالى فيما سيذكره المؤلف من أمثلة لذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن يكن فيكم محدثون فعمر يعني إن كان فيكم محدثون فعمر، ويحتمل قوله: إن يكن فيكم إنه خطاب لقوم مجتمعين ليس فيهم أبو بكر ويحتمل أنه خطاب إلى الأمة كلها، ومن بينهم أبو بكر رضي الله عنه، فإن كان الأول فلا إشكال، وإن كان الثاني فقد يقول قائل: كيف يكون عمر ملهمًا وأبو بكر ليس كذلك، فيقال: إن أبا بكر رضي الله عنه يوفق للصواب بدون إلهام، بمعنى أنه رضي الله عنه من ذات نفسه بتوفيق الله - عز وجل - يوفق للصواب ويدل على هذا عدة مسائل، يعني يدل على أن أبا بكر أشد توفيقًا للصواب من عمر عدة مسائل: أولاً: في صلح الحديبية لما اشترطت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم شروطاً يبدو أنها ثقيلة عظيمة، عمل عمر رضي الله عنه على إبطالها، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يراجعه في ذلك ويقول: كيف نعطي الدنية في ديننا ؟ كيف نشترط على أنفسنا أن من جاءنا منهم مسلمًا، ردنناه إليهم، ومن جاءهم منا لا يردونه ؟ هذا ثقيل , ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ( إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري )، فذهب عمر رضي الله عنه - إلى أبي بكر - رضي الله عنه - يريد أن يستنجد به في إقناع الرسول صلى الله عليه وسلم فكلم أبا بكر فقال له أبو بكر مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم سواء بسواء قال إنه رسول الله وليس بعاصيه وهو ناصره فاستمسك بعرزه، يعني لا يكن عندك شك في أمر، فهذه واحدة، إذن من الموفق إلى الصواب في هذا ؟ أبو بكر لا شك، كذلك أيضًا في موت الرسول صلى الله عليه وسلم، لما شاع الخبر في المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم مات .
قال عمر في الناس وقال إنه لم يمت وإنما صعق وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي أقوام وأرجلهم من خلاف، وأنكر أن يكون قد مات، وكان أبو بكر قد خرج ذلك اليوم إلى بستان له خارج المدينة فلما رجع وجد النبي صلى الله عليه وسلم قد مات حقًا، فخرج إلى المسجد وصعد المنبر، وقال كلماته المشهورة التي تكتب بأغلى من ماء الذهب .
قال: أما بعد أيها الناس، من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، ثم قرأ قول الله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون وقوله تعالى: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } قال عمر: فوالله ما إن تلاها أبو بكر حتى عقرت فما تحملني رجلاي، يعني الإنسان إذا خاف واشتد به الشيء ما يقدر أن يقف، هذه الثانية، الثالثة: إنه لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ارتد من ارتد من العرب، كفروا والعياذ بالله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جهز جيشًا أميره أسامة بن زيد، ليقاتل أدنى أهل الشام والجيش كان ظاهر المدينة ولكن لم يسيروا بعد، ولما ارتد العرب جاء عمر لأبي بكر، وقال لا ترسل الجيش، نحن في حاجة، فقال له أبو بكر: والله لا أحلن راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيرهم أبو بكر، فكان الصواب مع أبي بكر - رضي الله عنه - لأن الناس لما سمعوا أن أهل المدينة أرسلوا الجيوش إلى أطراف الشام، قالوا: هؤلاء عندهم قوة ولا يمكن أن نرتد، فامتنع كثير من الناس عن الردة وبقوا في الإسلام، المهم أن أبا بكر رضي الله عنه أبلغ من عمر، رضي الله عنه - في إصابة الصواب لاسيما في المواضع الضنكة الضيقة، وعلى كل حال كلا الرجلين - رضي الله عنهما - كلاهما موفق إلى الصواب، جمعنا الله وإياكم بهما في الجنة، وكلما الإنسان أقوى إيمانًا بالله وأكثر طاعة لله وفقه الله تعالى إلى الحق بقدر ما معه من الإيمان والعلم والعمل الصالح، تجده مثلاً يعمل عملاً يظنه صوابًا بدون ما يكون معه دليل من الكتاب والسنة فإذا راجع أو سأل، وجد أن عمله مطابق للكتاب والسنة، وهذه من الكرامات، فعمر رضي الله عنه قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إن يكن فيه محدثون فإنه عمر
1505 - وعن جابر بن سمرة، رضي الله عنهما .
قال: شكا أهل الكوفة سعداً، يعني: ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فعزله واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي .
فقال: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخرم عنها أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين، قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلاً - أو رجالاً - إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجداً إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجداً لبني عبس، فقام رجل منهم، يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً، قام رياء، وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن، وكان بعد ذلك إذا سئل يقول، شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد .
قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن متفق عليه .
:
الشَّرْحُ
هذه من الكرامات التي نقلها المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصاحين، وهي ما رواه جابر بن سمرة في قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكان سعد معروفاً بإجابة الدعوة ( مستجاب الدعاء ) يعني أن الله أعطاه كرامة وهو أن الله تعالى يجيب دعوته إذا دعا، وقد جعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أميراً على أهل الكوفة، لأن المسلمين لما فتحوا العراق مصروا الأمصار وجعلوا البصرة والكوفة وهما أشهر ما يكون في العراق، ثم إن أمير المؤمنين جعل لهم أمراء، فأمر سعد بن أبي وقاص على الكوفة، فشكاه أهل الكوفة إلى أمير المؤمنين عمر، حتى قالوا إنه لا يحسن أن يصلي، وهو صحابي جليل شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، فأرسل إليه عمر، فحضر وقال له: إن أهل الكوفة شكوك حتى قالوا: إنك لا تحسن تصلي، فأخبره سعد رضي الله عنه أنه كان يصلي بهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صلاة العشاء وكأنها - والله أعلم - هي التي وقع تعيينها من هؤلاء الشكاة، فقال: إني لأصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أخرم عنها يعني لا أدعها، فكنت أطول في العشاء بالأوليين وأقصر في الأخريين، فقال له عمر رضي الله عنه: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، فزكاه عمر ؛ لأن هذا هو الظن به، أنه يحسن الصلاة وانه يصلي بقومه الذين أمر عليهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع ذلك تحرى ذلك عمر رضي الله عنه لأنه يتحمل المسئولية ويعرف قدر المسئولية، أرسل رجالاً إلى أهل الكوفة، يسألونهم عن سعد وعن سيرته، فكان هؤلاء الرجال، لا يدخلون مسجداً ويسألون عن سعد إلا أثنوا عليه معروفًا .
حتى أتى هؤلاء الرجال إلى مسجد بني عبس، فسألوهم، فقام رجل فقال: أما ناشدتمونا، فإن هذا الرجل لا يعدل في القضية ولا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية، فقوله لا يسير في السرية، يعني لا يخرج في الجهاد، ولا يقسم بالسوية إذا غنم ولا يعدل في القضية إذا حكم بين الناس، فاتهمه هذه التهم، فهي تهم ثلاث، فقال أما إن قلت كذا ( المتحدث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه )، فلأدعون عليك بثلاث دعوات، دعا عليه أن يطيل الله تعالى عمره وفقره ويعرضه للفتن، نسأل الله العافية، ثلاث دعوات عظيمة، لكنه رضي الله عنه استثنى، قال: إن كان عبدك هذا قام رياء وسمعة يعني لا بحق، فأجاب الله دعاءه، فكان هذا الرجل طويل العمر، عمر طويلاً وشاخ حتى إن حاجبيه سقطت على عينيه من الكبر، وكان فقيراً وعرض للفتن، حتى وهو في هذه الحال وهو كبير إلى هذا الحد كان يتعرض للجواري، يتعرض لهن في الأسواق ليغمزهن والعياذ بالله، وكان يقول عن نفسه شيخ مفتون كبير أصابتني دعوة سعد .
فهذه من الكرامات التي أكرم الله بها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .
وفيه فوائد عديدة منها: أن من تولى أمراً في الناس فإنه لا يسلم منهم مهما كانت منزلته ، لابد أن يناله السوء قال ابن الوردي في منظومته المشهورة، التي أولها
اعتزل ذكر الأغاني والغزل ...
وقل الفصل وجانب من هذل
ودع الذكرى لأيام الصبى ...
فلأيام الصبى نجم أفل
قال فيها من جملة ما قال من حكم:
إن نصف الناس أعداء لمن ...
ولي الأحكام، هذا إن عدل
ومن الفوائد أيضاً في هذا الحديث جواز دعاء المظلوم على ظالمه بمثل ما ظلمه كما دعا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه هذه الدعوات على من ظلمه، ومن فوائدها: أن الله تعالى يستجيب دعاء المظلوم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ الزكاة من أموالهم، قال: إياك وكزائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب فالمظلوم يستجيب الله دعاءه حتى ولو كان كافراً فلو كان كافراً وظلم ودعا على من ظلمه أجاب الله دعاءه، لأن الله حكم عدل عز وجل، يأخذ بالإنصاف والعدل لمن كان مظلوماً ولو كان كافراً، فكيف إذا كان مسلماً ؟ ومن فوائد هذا الحديث، أنه يجوز للإنسان أن يستثني في الدعاء، إذا دعا على شخص يستثني فيقول: اللهم إن كان كذا فافعل به كذا، اللهم إن كان ظلمني فأنصفني منه أو فابتله بكذا وكذا، تدعو بمثل ما ظلمك، وقد جاء الاستثناء في الدعاء في القرآن الكريم فقال تبارك وتعالى: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادت بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤوا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ومن فوائد هذا الحديث أيضاً: حرص أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه على الرعية وتحمله المسئولية والإحساس بها وشعوره بها رضي الله عنه ولهذا اشتهر بعدالته وحسن سياسته في الأمور كلها، الحربية والسلمية والدينية والدنيوية، فهو في الحقيقة خير الخلفاء بعد أبي بكر، بل حسنة من حسنات أبي بكر رضي الله عنه ؛ لأن الذي ولاه على المسلمين هو أبو بكر رضي الله عنه، فالحاصل أن هذا الحديث فيه فوائد نقتصر منها على ذلك .
( والله الموفق )
1506 - وعن عروة بن الزبير أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، رضي الله عنه خاصمته أروى بنت أوس إلى مروان بن الحكم، وادعت أنه أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلمًا طوقه إلى سبع أرضين فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة، فاعم بصرها، واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت متفق عليه .
وفي رواية لمسلم عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بمعناه وأنه رآها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد، وأنها مرت على بئر في الدار التي خاصمته فيها، فوقعت فيها، وكانت قبرها .
الشَّرْحُ
من كرامات الأولياء أن الله سبحانه وتعالى يجيب دعوتهم، حتى يدركوها بأعينهم فهذا سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، خاصمته امرأة ادعت أنه أخذ شيئاً من أرضها فخاصمته عند مروان، فقال: أنا آخذ من أرضها شيئاً بعد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: وماذا سمعت ؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من اقتطع شبراً من الأرض ظلمًا طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين - أو - طوقه يوم القيامة من سبع أرضين ) يعني فكيف آخذ منها بعد أن سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ كل مؤمن يؤمن بالله ورسوله إذا سمع مثل هذا الخبر الصادر عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فإنه لا يمكن أن يظلم أحداً من أرضه ولا شبراً، فالرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أنك لو أخذت شبراً من الأرض وقيده بالشبر من باب المبالغة وإلا فإن أخذ أقل من ذلك ولو سنتيمتر واحدًا فإنه يطوق به يوم القيامة من سبع أرضين، إذا كان يوم القيامة جاءت هذه القطعة التي أخذها مطوقة في عنقه من سبع أرضين ؛ لأن الأرضين سبع طباق، كما قال الله تعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن .
والإنسان إذا ملك أرضاً، ملك قعرها إلى أسفل السافلين، إلى الأرض السابعة، وإذا ملكها أيضاً ملك هواءها إلى الثريا، لا أحد يستطيع أن يبني فوقه جسراً أو أن يحفر تحته خندقًا، لأن الأرض له إلى أسفل السافلين، وإلى أعلى السماء، كلها له، إذا كان يوم القيامة وهذا قد اقتطع شبراً من الأرض بغير حق، فإنه يأتي يوم القيامة مطوق به عنقه نسأل الله العافية .
وعند جميع العالم كل شيء محشور يوم القيامة حتى الوحوش تحشر حتى الإبل حتى البقر حتى الغنم كلها تحشر يوم القيامة، وهذا يشاهد حاملاً هذه الأرض والعياذ بالله من سبع أرضين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن الله من غير منار الأرض ) غير منارها: أي غير مراسيمها فأدخل شيئاً ليس له، وفي هذا دليل على أن قصف الأرض أو أخذ شيء بغير الحق من كبائر الذنوب لأن عليه هذا الويل العظيم، اللعن وأنه يحمل به يوم القيامة، فما بالك بقوم اليوم يأخذون أميالاً بل أميال الأميال والعياذ بالله بغير الحق، يأخذونها يضيقون بها مراعي المسلمين، ويحرمون المسلمين من مراعيهم أو من طرقهم أو ما أشبه ذلك، هؤلاء سوف يطوقون ما أخذوا يوم القيامة والعياذ بالله، لأنهم أخذوها بغير الحق، المراعي للمسلمين عموماً، الخطوط الطرقات للمسلمين عمومًا، الأودية أودية الأمطار للمسلمين عموماً، ولهذا قال العلماء: إن الإنسان لا يملك بالأحياء ما قرب من عامر وهو يتعلق بمصلحة هذا العامر، حتى لو أحياها وغرسها يقلع غرسه ويهدم بناؤه إذا كان هذا يتعلق بمصالح البلد، والبلد ليست ملكاً لفلان أو علان بل هي لعموم المسلمين، حتى لو فرضنا أن ولي الأمر أقطع هذا الرجل من الأرض التي يحتاجها أهل البلد فإنه لا يملكها بذلك لأن ولي الأمر إنما يفعل لمصالح المسلمين، لا يخص أحدًا بمصالح المسلمين دون أحد، وهذه المسألة خطيرة للغاية، ولهذا لما ارتفعت قيم الأراضي صار الناس والعياذ بالله يعتدي بعضهم على بعض، يدعي أن الأرض له وهي ليست له يكون جاراً لشخص ثم يدخل شيئاً من أرضه إلى أرضه، وهذا على خطر عظيم إن العلماء - أقول لكم كلامًا تعجبون منه قالوا: لو أن الإنسان بني جدارًا ثم زاد في لياصته ( المحارة ) إذا زاد في لياصته دخل على السور سنتيمترًا في اللياصة فإنه يكون ظالمًا ويكون بذلك معاقبًا عند الله يوم القيامة، إلى هذا الحد الناس الآن والعياذ بالله يبلعون أميالاً أو أمتارا مع هذا الوعيد الشديد، سعيد بن زيد رضي الله عنه، لما حدث مروان بهذا الحديث قال الآن لا أطلب عليك بينة ، لأنه عارف أن سعيدًا لا يمكن أبدًا أن يأخذ من أرض هذه المرأة بدون حق أما المرأة ؟ فقال سعيد رضي الله عنه: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها وأهلكها في أرضها، فماذا كان، كانت هذه المرأة أعماها الله عز وجل قبل أن تموت وبينما هي تمشي في أرضها ذات يوم إذ سقطت في بئر فماتت فكانت البئر قبرها في نفس الأرض التي كانت تخاصم سعيد بن زيد رضي الله عنه فيها، وهذا من كرامة الله عز وجل لسعيد بن زيد أن الله أجاب دعوته وشاهدها حيا قبل أن يموت، وقد سبق لنا أن المظلوم تجاب دعوته ولو كان كافراً إذا كان مظلوماً، لأن الله تعالى ينتصر للمظلوم من الظالم ؛ لأن الله تعالى حكم عدل لا يظلم ولا يمكن أحدًا من الظلم وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم إنه لا يفلح الظالمون فالظالم لا يفلح أبدًا، ولذلك انظر إلى هذه القصة وإلى قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه التي ذكرناها سابقاً وكيف أجاب الله الدعوة ؟ وهذه هي عادة الله سبحانه وتعالى في عباده نسأل الله أن يحمينا وإياكم من الظلم ( والله الموفق )
1507 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما حضرت أحد دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن علي دينا فاقض، واستوص بأخواتك خيرًا: فأصبحنا، فكان أول قتيل، ودفنت معه آخر في قبره، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه، فجعلته في قبر على حدة رواه البخاري .
الشَّرْحُ
سبق لنا بيان شيء من كرامات الأولياء التي ذكرها المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب كرامات الأولياء وفضلهم، وذكر في هذا الحديث ما جرى لعبد الله بن حرام رضي الله عنه والد جابر بن عبد الله، فإنه أيقظ ابنه جابراً ليلة من الليالي وقال: ما أراني إلا أول قتيل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك قبيل غزوة أحد، ثم أوصاه وقال: إني لن أترك من بعدي أحدًا أعز منك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوصاه بأن يقضي ديناً كان عليه وأوصاه بأخواته ثم كانت الغزوة فقاتل رضي الله عنه ( عبد الله بن حرام ) وقتل، وكان القتلى في ذلك اليوم سبعين رجلاً فكان يشق على المسلمين أن يحفروا لكل رجل قبرًا، فجعلوا يدفنون الاثنين والثلاثة في قبر واحد، فدفن مع أبي جابر ( عبد الله بن حرام ) رجل آخر، ولكن جابر رضي الله عنه لم تطب نفسه حتى فرق بين أبيه وبين من دفن معه، فحفره بعد ستة أشهر من دفنه فوجده كأنه دفن اليوم، لم يتغير إلا شيء في أذنه، شيئاً يسيرا، ثم أفرده في قبر، أما جابر رضي الله عنه فقد وفى دين أبيه واستوصى بأخواته خيراً حتى إنه تزوج بعد ذلك - أعني جابرًا - فقد تزوج بعد ذلك وتزوج امرأة ثيبًا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم هل تزوجت ؟ قال: نعم قال: بكرًا أم ثيبًا ؟ قال: ثيبًا، قال: فهلا تزوجت بكرًا تلاعبك وتلاعبها، وتضاحكك وتضاحكها فقال: يا رسول الله إن أبي ترك أخوات لي وذكر أنه أخذ الثيب لتقوم عليهن ( لتقوم على خدمتهن ) .
في هذا الحديث كرامة لأبي جابر وهو عبد الله بن حرام أنه رضي الله عنه صدق الله رؤياه فصار أول قتيل في أحد، دفن ولم تأكل الأرض منه شيئاً إلا يسيراً وقد مضى عليه ستة أشهر وهذا من كراماته .
واعلم أن الإنسان إذا دفن فإن الأرض تأكله لا يبقى إلا عجب الذنب، وعجب الذنب هذا يكون كالنواة لخلق الناس يوم القيامة، تنبت منه الأجساد، إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن الأرض لا تأكلهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) أما غير الأنبياء فإن الأرض تأكل أجسادهم، ولكن قد يمنع الله الأرض أن تأكل أحدًا كرامة له والله الموفق
1508 -