كتاب الأمور المنهي عنها
باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها وأخرى / من 1781 -- إلى 1785
باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها
1781 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبده ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال رواه مسلم وتقدم شرحه
1782 - وعنه وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وكتب إليه أنه كان ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال وكان ينهى عن عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات متفق عليه وسبق شرحه
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى باب النهي عن إضاعة المال في غير ما أذن لله فيه المال جعله الله عز وجل قياما للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم كما قال تعالى وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا ولهذا حرم الاعتداء عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ورتب سبحانه وتعالى تقسيم المال في مواضع كثيرة بنفسه جل وعلا قال { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ } وقال { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } وقال تعالى { يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } وغيرها من آيات المواريث كل هذا يدل على عناية الشرع بالمال وأنه أمر مهم ولهذا كان كثير من الدول الآن إنما تقوى باقتصادها ونماء مالها وغناها فالمال أمر مهم فلا يجوز للإنسان أن يضيعه في غير فائدة وإضاعته في غير فائدة أنواع متعددة منها الإسراف في بذله فإن الإسراف محرم حتى في المآكل والمشرب والملابس والمراكب والمنازل متى تجاوز الإنسان الحد فإنه آثم لقوله تعالى { كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } فمجاوزة الحد إسراف وهي محرمة وعرضة لأن يكره الله تعالى فاعلها وإذا قلنا إن الإسراف مجاوزة الحد تبين لنا أن إنفاق المال يختلف فالغني مثلا قد يؤسس بيته أو يشتري سيارة أو يلبس الثياب التي لا تعد من حقه إسرافا لأنه لم يتجاوز بها حد الغنى لكن لو أن فقيرا فعل مثل فعله قلنا إن هذا إسراف وإنه حرام ولهذا يغلط كثير من الناس الآن من الفقراء ومتوسطي الحال أن يلحقوا أنفسهم بالأغنياء هذا غلط وخطأ والإنسان كما قال العوام يمد رجله على قدر لحافه إذا كان اللحاف واسعا مد رجليك كلها وإذا كان ضيقا فكف رجليك أما أن تكون فقيرا وتريد أن تساوي الأغنياء في مأكلك ومشربك وملبسك ومنكحك ومركوبك ومسكنك فهذا من السفه وهو حرام أيضا لا يحل للإنسان وقد غلط بعض الناس أكثر من هذا فذهب يستدين ويرهق نفسه بدين من أجل أن يؤسس بيته كما أسس جاره الغني بيته وهذا غلط أيضا هذا مما حرم الله الإسراف هو مجاوزة الحد لأن الله لا يحب المسرفين وقد امتدح الله عباده الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قواما ومن الإسراف تعدد الملابس بدون حاجة كثير من النساء الآن كلما ظهر شكل من أشكال اللباس ذهبت تشتريه حتى تملأ بيتها من الثياب بدون حاجة لكن ظهر شيء يختلف عن الأول بشيء بسيط تقول خلاص لا ألبسه وألبس الثوب الجديد ثم بعض النساء يلعب بعقول بعض الرجال فتجد المرأة هي التي توجه الرجل وتقول اشتري كذا اشتري كذا فصارت القوامة الآن للنساء على الرجال إلا من شاء الله والرجل يجب أن يكون رجلا يمنع زوجته من الإسراف سواء من مالها أو من ماله ومما لا يجوز بذل المال فيه أن يبذله في محرم كهؤلاء الذين يشترون الدخان ..
.
بالمال فإن هذا حرام عليه وهو مما نهى الله عنه لأنه إضاعة للمال واضحة يبذل الإنسان ماله في شيء يحرقه لأن الدخان لا يشرب إلا إذا أحرق فكأنما الرجل أحرق الدراهم وأتلفها في أمر يضره أيضا ليته يسلم من ضرره ولهذا اتفق الأطباء الآن على أنه ضار وأنه يجب على الإنسان أن يتجنبه حتى الدول الكافرة الآن الراقية الفاهمة تجدهم يمنعون الدخان ولا يمكن أن يشرب الدخان أما في المجالس العامة فممنوع قطعا وأما في المجالس الخاصة فممنوع أيضا إلا إذا استأذنوا أهل المجلس فأذنوا وإلا فيمنع لأنه ضار للشارب وللحاضر حتى إنهم يمنعون من شرب الدخان فوق الأجواء كما حدثني قائدوا الطائرات أنهم إذا دخلوا حدود بعض البلاد الكافرة امتنعوا من التدخين كل من الطائرة لا يدخن لا من أجل الدين لكن لأنه مضر واحتراما لأجوائهم فيا أسفا أن يكون هذا من الكفار وأما من المسلمين اليوم فلا تجد الرجل لا يبالي بالناس يخرج السيجارة ويشربها ولا يبالي بأحد وهذا حرام عليه أولا لنفسه والثاني لأذية المؤمنين الناس يتأذون بهذا وقد قال تعالى { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا } فهو يؤذيهم والدخان الذي يكون بينهم يدخل أيضا إلى أجوافهم ويتضررون به هذا أيضا من الحرام يحرم على الإنسان أن يشتري شيئا يشربه من الدخان وهو بذلك آثم ومصر على معصية وتسقط عدالته بذلك وترتفع ولايته عن من له ولاية عليه حتى إن كثيرا من العلماء يقول إنه لا يزوج ابنته إذا كان يشرب الدخان ابنته لا يزوجها لماذا لأنه خرج عن العدالة إلى الفسق والفاسق لا ولاية له فالمسألة خطيرة من إضاعة المال أيضا أن يصرفه الإنسان في شيء لا فائدة منه في ألعاب وما أشبه ذلك ومن هذه الألعاب النارية قيل وقال معناه أن يشتغل الإنسان بالكلام بنقله قال فلان وقيل كذا وقيل كذا كما يوجد في كثير من المسرفين الآن الذين يعمرون مجالسهم بقولهم ماذا قيل اليوم وقال فلان وماذا تقول في فلان وما أشبه ذلك من الكلام الذي يضيع به الوقت كما نهى عن إضاعة المال الذي جعله الله قياما للناس نهى عن إضاعة الوقت أيضا فإضاعة الوقت في قيل وقال وكثرة السؤال هذا لا شك أشد ضررا على الإنسان من إضاعة المال إضاعة المال ربما يخلف لكن إضاعة الوقت لا يمكن أن تخلف الوقت يذهب ولا يرجع لهذا يجب على الإنسان أن يتجنب الخوض في القيل والقال وما تقول في فلان وما أشبه ذلك كذلك كثرة السؤال وكثرة السؤال يحتمل أن يراد به سؤال الخلق يعني لا تسأل الناس لا تكثر من السؤال والسؤال إن كان سؤال مال فإنه حرام بل لا يزال الإنسان يسأل ويسأل حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مذعة لحم والعياذ بالله ويحتمل أن يراد به كثرة السؤال عن أحوال الناس بدون حاجة وبدون فائدة ماذا تقول في فلان هل هو غني فقير متعلم أم جاهل وما أشبه ذلك ويحتمل أن يراد به كثرة السؤال عن العلم الذي لا يحتاج إليه الإنسان ولاسيما في عهد النبوة لأنه يخشى أن يسأل الإنسان عن شيء لم يحرم فيحرم من أجل مسألته أو عن شيء لم يجب فيوجب من أجل مسألته ولكن الأخير هذا يقيد بما إذا لم يحتاج الإنسان إلى السؤال فإن كان يحتاج إلى ذلك كطالب العلم الذي يسأل ويستفهم فإنه لا بأس أن يسأل ويستفهم ويزيل اللبس عن نفسه وكان عليه الصلاة والسلام ينهى عن عقوق الأمهات يعني قطع الأمهات عن حقوقهن والأم لها حق عظيم على الولد من ذكر أو أنثى حتى أنها أحق من الأب سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أحق بصحبتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال ثم أبوك فالأم لها حق كبير عظيم لأنها حملت ولدها كرها ووضعته كرها وأرضعته كرها وأتعب ليلها ونهارها فلها حق عظيم وكذلك عقوق الأباء وهو أيضا من كبائر الذنوب لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوق الأمهات لأنه أشد وكان ينهى عن عقوق الأمهات وعن وأد البنات وأد البنات هو أن من عادة الجاهلية الحمقاء أن الإنسان إذا ولد له بنت دفنها والعياذ بالله وهي حية { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ } يعني يختفي عن الناس من سوء ما بشر به { أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ } أي يبقيها مع الإهانة وعدم المبالاة بها { أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ } أي يدفنه وهو حي حتى إن بعضهم والعياذ بالله كان يحفر حفرة لابنته فطار شيء من الغبار على لحيته وهو يريد أن يدفنها فنفضت لحيته عن التراب ودفنها والعياذ بالله إلى هذا الحد يعني قلوب أغلظ من الحجارة حتى البهائم لا تفعل بأولادها هكذا وهؤلاء والعياذ بالله يفعلون هذا يحفر لها ليدفنها وهي تنظف لحيته من التراب ثم يدفنها والعياذ بالله وكان بعضهم يحفر لابنته فإذا أحست به قامت تتوسل به يا أبت فيمسكها ويطرحها حتى يدفنها نعوذ بالله مع ما في كفالة البنات من الأجر العظيم ما من إنسان يكفل ثلاث بنات يحسن إليهن إلا كن حجابا له من النار قالوا وابنتين يا رسول الله قال وابنتين قالوا وواحدة قال وواحدة وكان الإمام أحمد رحمه الله إذا قيل له ولد لك بنت قال ولدت الإناث للأنبياء ولدت الإناث للأنبياء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يولد لهم بنات فهذا أشرف الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم له أربع بنات وله ثلاثة أولاد والذين بلغوا منهم الحلم هم البنات وأما الأولاد البنون فماتوا صغار أكبرهم إبراهيم توفي وله ستة عشر شهرا سنة وأربعة أشهر رضيع وكان له مرضع في الجنة لإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وأما البنات الأربع فثلاث منهن متن في حياته عليه الصلاة والسلام وهن زينب ورقية وأم كلثوم والرابعة فاطمة ماتت بعده بأشهر فالحاصل أن البنات إذا من الله على الإنسان بهن وكفلهن وأحسن إليهن كن له حجابا من النار ومنع وهات أي وينهى عن منع وهات وهذا كناية عن الشح والبخل منع يعني يمنع ولا يعطي ولا يجد بالمال ولا بالنفس وهات يترك فهو والعياذ بالله بخيل شحيح لا يشفع ولا ينفع والله الموفق
باب النهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح ونحوه سواء أكان جادا أو مازحا والنهي عن تعاطي السيف مسلولا
1783 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار متفق عليه وفي رواية لمسلم قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع وإن كان أخاه لأبيه وأمه قوله صلى الله عليه وسلم ينزع ضبط بالعين المهملة مع كسر الزاي وبالغين المعجمة مع فتحها ومعناهما متقارب، معناه بالمهملة يرمي، وبالمعجمة أيضا يرمي ويفسد، وأصل النزع: الطعن والفساد .
1784 - وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى السيف مسلولا .
رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن .
الشَّرْحُ
قال رحمه الله تعالى باب: النهي عن الإشارة بحديدة أو نحوها يعني: على أخيه سواء جادا أو هزلا، والنهي عن تعاطي السيف مسلولا .
هاتان مسألتان: المسألة الأولى: أن يشير إلى أحد بسلاح أو حديدة أو حجر أو ما أشبه ذلك كأنه يريد أن يرميه به، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، لأنه ربما يشيرها هكذا كأنه يريد أن يرميه بالحجر أو بالحديدة أو نحوها فينزع الشيطان في يده وتنطلق من يده، فيقع في حفرة من النار، والعياذ بالله .
وكذلك أيضا ما يفعله بعض السفهاء، يأتي بالسيارة مسرعا نحو شخص واقف أو جالس أو مضطجع يلعب عليه ثم يحركها بسرعة إذا قرب منه حتى لا يدهسه هذا أيضا ينهى عنه، كالإشارة بالحديدة لأنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فلا يتحكم في السيارة وحينئذ يقع في حفرة من النار، ومن ذلك أن يشري الكلب به، يكون الإنسان عنده كلب ويأتي إنسان آخر إليه زائرا أو نحو ذلك، فيشري الكلب به يعني يغريه به، فإنه ربما ينطلق الكلب ويأكل هذا الرجل، أو يجرحه ولا يتمكن من فضه بعد ذلك .
فالمهم أن جميع أسباب الهلاك ينهى الإنسان أن يفعلها سواء أكان جادا أم هزلا، كما دل على ذلك حديث أبي هريرة .
أما تعاطي السيف مسلولا فمثله أيضا ينهى عنه، لأنه ربما إذا مد يده لأخذ السيف وهو مسلول ربما تضطرب يد الإنسان فتنقطع يد الآخر .
وكذلك السكين ونحوها لا تتعاطها وهي موجهه إلى صاحبك، إذا أردت أن تعطيه السكين فأمسك بالسكين من عندك، واجعل المقبض نحو صاحبك لئلا تقع في المحظور، يعني ريشة السكين إذا أردت أن تعطيها لصاحبك فاجعلها مما يليك، واجعل المقبض مما يلي صاحبك حتى لا يقع في زلة يد فتنجرح يده .
ومن ذلك أيضا إذا كان معك عصى وأنت تمشي بين الناس فلا تحمله عرضا لأنك إذا حملته عرضا ربما يتعثر به من وراءك أو من أمامك ولكن أمسكه نصبا واقفا أو أن تتعكز عليه تمسكه واقفا حتى لا تؤذي من وراءك ومن أمامك كل هذا من باب الآداب الحميدة التي ينبغي للإنسان أن يسلكها في حياته حتى لا يقع في أمر يؤذي الناس أو يضرهم والله الموفق
باب كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان إلا بعذر حتى يصلي المكتوبة
1785 –