1790- وَعَنْ هَمَّامِ بنِ الْحَارِثِ ، عنِ المِقْدَادِ رضي اللَّه عَنْهُ أنَّ رَجُلاً جعَل يَمْدَحُ عُثْمَانَ رضي اللَّه عنه ، فَعَمِدَ المِقْدادُ ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، فَجَعَلَ يَحْثُو في وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : مَا شَأْنُكَ ؟ فَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : « إذَا رَأَيْتُمُ المَدَّاحِينَ ، فَاحْثُوا في وَجُوهِهِمُ التُّرابَ » رَوَاهُ مسلم .
فَهَذِهِ الأحَادِيثُ في النَّهْيِ ، وَجَاءَ في الإبَاحَةِ أحَادِيثُ كثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ .
قَالًَ العُلَمَاءُ : وَطريقُ الجَمْعِ بَيْنَ الأحَادِيثِ أنْ يُقَالَ : إنْ كَانَ المَمْدُوحُ عِنْدَهُ كَمَالُ إيمَانٍ وَيَقِينٍ ، وَريَاضَةُ نَفْسٍ ، وَمَعْرِفَة تَامَّةٌ بِحَيْثُ لا يَفْتَتِنُ ، وَلا يَغْتَرُّ بِذَلِكَ ، وَلا تَلْعَبُ بِهِ نَفْسُهُ ، فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلا مَكْرُوهٍ ، وإنْ خِيفَ عَلَيْهِ شَيءٍ منْ هَذِهِ الأمُورِ كُرِهَ مَدْحُهُ في وَجْهِهِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً ، وعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ تُنزَّلُ الأحاديثُ المُختَلفَة في ذَلِكَ . وَمِمَّا جَاءَ في الإبَاحَةِ قَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لأبي بَكْرٍ رضي اللًَّه عَنْهُ : « أرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ » أيْ : مِنَ الَّذِينَ يُدْعَوْنَ مِنْ جَمِيعِ أبْوابِ الْجَنَّةِ لِدُخُولِهَا ، وفي الحَديثِ الآخَرِ : « لَسْتَ مِنْهُمْ » أيْ : لَسْتَ مِنَ الَّذِينَ يُسْبِلُونَ أُزُرَهُمْ خُيَلاءَ . وَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لِعُمَرَ رضي اللَّه عَنْهُ : « مَا رَآكَ الشَّيْطَانُ سَالِكاً فَجّا إلاَّ سلكَ فَجّا غَيْرَ فَجِّك » ، وَالأحَادِيثُ في الإبَاحَةِ كَثِيرَةٌ ، وَقَدْ ذَكَرْتُ جُمْلَةً مِنْ أطْرَافِهَا في كتاب : « الأذْكَار » .
361- باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء
فراراً منه وكراهة القدوم عليه
قال اللَّه تعالى: { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } .
وقال تعالى: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } .
1791- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عَنْهُمَا أنَّ عُمَر بْنِ الْخَطًَّابِ رضي اللَّه عَنْهُ خَرَجَ إلَى الشَّامِ حَتَّى إذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَراءُ الأجْنَادِ ¬ أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ وَأصْحَابُهُ ¬ فَأَخْبَرُوهُ أنَّ الْوبَاءَ قَدْ وَقَعَ بالشَّامِ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَقَالَ لي عُمَرُ : ادْعُ لي المُهاجرِين الأوَّلِينَ فَدَعَوتُهم ، فَاسْتَشَارهم ، وَأَخْبرَهُم أنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ ، فَاخْتلَفوا ، فَقَالَ بَعْصُهُمْ : خَرَجْتَ لأَمْرٍ ، ولا نَرَى أنْ تَرْجِعَ عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعَكَ بَقِيَّة النَّاسِ وَأصْحَابُ رسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَلا نَرَى أنْ تُقْدِمَهُم عَلَى هذا الْوَبَاءِ ، فَقَالَ : ارْتَفِعُوا عَنِّي ، ثُـمَّ قَالَ : ادْعُ لي الأَنْصَارَ ، فَدعَوتُهُم ، فَاسْتَشَارهمْ ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُهاجرِين ، وَاختَلَفوا كَاخْتلافهم ، فَقَال : ارْتَفِعُوا عَنِي ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرةِ الْفَتْحِ ، فَدَعَوْتُهُمْ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ عليه مِنْهُمْ رَجُلانِ ، فَقَالُوا : نَرَى أنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلاَ تُقْدِمَهُم عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ ، فَنَادى عُمَرُ رضي اللَّه عَنْهُ في النَّاسِ: إنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرِ ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ : فَقَال أبُو عُبَيْدَةَ ابْنُ الجَرَّاحِ رضي اللَّهُ عَنْهُ : أَفِرَاراً مِنْ قَدَرِ اللَّه ؟ فَقَالَ عُمَرُ رضي اللَّه عَنْهُ : لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أبَا عُبيْدَةَ ، ¬ وكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلافَهُ ، نَعَمْ نَفِرُّ منْ قَدَرِ اللَّه إلى قَدَرِ اللَّه ، أرأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إبِلٌ ، فَهَبَطَتْ وَادِياً لهُ عُدْوَتَانِ ، إحْدَاهُمَا خَصْبةٌ ، والأخْرَى جَدْبَةٌ ، ألَيْسَ إنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّه ، وإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رعَيْتَهَا بِقَدَر اللَّه ، قَالَ : فجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي اللَّه عَنْهُ ، وَكَانَ مُتَغَيِّباً في بَعْضِ حَاجَتِهِ ، فَقَال : إنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْماً ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ ، فلاَ تَقْدمُوا عَلَيْهِ ، وإذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا ، فَلا تخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ » فَحَمِدَ اللَّه تَعَالى عُمَرُ رضي اللَّه عَنْهُ وَانْصَرَفَ، متفقٌ عليه .
والْعُدْوَةُ : جانِبُ الْوادِي .
1792- وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي اللَّه عَنْهُ عنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : « إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا ، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ ، وَأَنْتُمْ فِيهَا ، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا » متفقٌ عليهِ .