1851 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى { يا أيها الرسل كلوا من الطبيات واعملوا صالحا } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طبيات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك رواه مسلم
1852 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر رواه مسلم العائل الفقير
1853 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة رواه مسلم
1854 - وعنه قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم صلى الله عليه وسلم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من النهار فيما بين العصر إلى الليل رواه مسلم
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى في آخر كتابه رياض الصالحين من الأحاديث المنثورة ما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن بلاغته وبيانه أنه يذكر أحيانا الأشياء مفصلة محددة حتى يسهل حفظها وفهمها أحيانا يقول ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة وأحيانا يقول اثنتان من أمتي ..
.
وأحيانا يقول سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله وأشباه ذلك كثيرة لأن الشيء إذا فصل وحدد في العدد صار أضبط للإنسان وأقرب إلى الفهم ولا ينسى ثلاثة يعني ثلاثة أصناف وليس المراد ثلاثة أفراد بل ثلاثة أصناف من الناس لا يكلمهم الله يوم القيامة تكليم رضا وإلا فإنه عز وجل يتكلم تكليم غضب حتى يكلم أهل النار لما قالوا ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال لهم { اخسئوا فيها ولا تكلمون } لكن المراد كلام الرحمة والرضا فهؤلاء الثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم أي نظر رحمة وإشفاق وإكرام وعزة بل يذلهم عز وجل ولا يزكيهم أي لا يجعل لهم زكاء بل هم في شقاء دائم والعياذ بالله الأول شيخ زان يعني كبير السن زان هذا والعياذ بالله زناه أشد من زنا الشاب لأن دواعي الشهوة فيه قليلة على عكس الشاب فدواعي الشهوة فيه قوية قد تغلبه على ما في قلبه من كراهة الزنا وبغضه لكن الشيخ ميت الشهوة فإذا زنا الشيخ والعياذ بالله وهو الكبير دل ذلك على فساد طويته وأنه يحب الزنا لأنه زنا لا لقوة شهوة عنده الثاني ملك كذاب الملك هو حاكم له السلطة إذا قال فعل ولهذا قال ابن المواردي في لاميته المشهورة
جانب السلطان واحذر بطشه ...
لا تخاصم من إذا قال فعل
السلطان يقول وينفذ ويفعل ولا حاجة له إلى الكذب وإنما عامة الرعية ربما يحتاج الواحد منهم إلى الكذب لينقذ نفسه لكن السلطان الملك ليس له حاجة إلى الكذب فإذا كذب فهو من الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم والعياذ بالله الثالث عائل مستكبر عائل يعني فقير سبحان الله فقير ويستكبر على الناس الغني ربما يستكبر لغناه كما قال عز وجل { كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } لكن الفقير ليس له سبب يستكبر به على الناس فإذا استكبر دل ذلك على خبثه وخبث طويته وأنه رجل طبع على الكبرياء والعياذ بالله أما الحديث الثاني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سيحون وجيحون والنيل والفرات كل من أنهار الجنة هذه أربعة أنهار في الدنيا وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها من أنهار الجنة فقال بعض أهل العلم إنها من أنهار الجنة حقيقة لكنها لما نزلت إلى الدنيا غلب عليها طابع أنهار الدنيا وصارت من أنهار الدنيا لأن أنهار الآخرة أربعة أنهار الجنة أربعة فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وهذه الأنهار الأربعة في الجنة لا نعلم كيفيتها ولا طعمها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الجنة عن ربه عز وجل في الحديث القدسي أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لكن سيحون وجيحون والنيل والفرات معلومة وهي تأسن تتغير مع طول المدة فللعلماء فيها تأويلات 1 - أنها من أنهار الجنة حقيقة لكن لما نزلت إلى الأرض صار لها حكم أنهار الدنيا 2 - أنها ليست من أنهار الجنة حقيقة لكنها أطيب الأنهار وأفضلها فذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوصف لها من باب رفع شأنها والثناء عليها والله أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم أما الحديث الثالث خلق الله التربة يوم السبت إلى آخر الحديث ..
فهذا الحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله وقد أنكره العلماء عليه فهو حديث ليس بصحيح ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يخالف القرآن الكريم وكل ما خالف القرآن الكريم فهو باطل لأن الذين رووا نقلة بشر يخطئون ويصيبون والقرآن ليس فيه خطأ كله صواب منقول بالتواتر فما خالفه من أي حديث كان فإنه يحكم بأنه غير صحيح وإن رواه من رواه لأن الرواة هؤلاء لا يتلقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة لكن بواسطة الإسناد حدثنا فلان عن فلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء قد يخطئون لكن القرآن ليس فيه خطأ فهذا الحديث مما أنكره أهل العلم رحمهم الله على الإمام مسلم ولا غرابة في ذلك لأن الإنسان بشر مسلم وغير مسلم كلهم بشر يخطئون ويصيبون فعلى هذا لا حاجة أن نتكلم عليه ما دام ضعيفا فقد كفيناه والله الموفق
1855 - وعن أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية رواه البخاري
1856 - وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم واجتهد فأخطأ فله أجر متفق عليه
1857 - وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء متفق عليه
1857 - وعنها رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صوم صام عنه وليه متفق عليه
الشَّرْحُ
والمختار جواز الصوم عمن مات وعليه صوم لهذا الحديث والمراد بالولي القريب وارثا كان أو غير وارث هذه الأحاديث التي ذكرها النووي رحمه الله في آخر كتابه رياض الصالحين فمنها حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه انقطع في يده تسعة أسياف في غزوة مؤتة ولم يبق معه إلا صفيحة يمانية خالد بن الوليد رضي الله عنه من أشجع الناس ولكن هو كان في غزوة أحد في جيش قريش المشركين وهو ممن كروا على الصحابة رضي الله عنهم من خلف جبل أحد وقاتلوا الصحابة وقاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم هو وعكرمة بن أبي جهل ثم من الله عليهما بالإسلام فكانا من قواد المسلمين وفي قصتهما دليل على كمال قدرة الله عز وجل وأنه بيده أزمة الأمور وأنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء فكم من ضال هداه الله وكم من مهتد أضله الله والعياذ بالله وانظر إلى حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها يعني الرجل يعمل حتى لا يبقى على أجله إلا ذراع أي مدة قريبة ثم يموت فيسبق عليه الكتاب وأما الحديث الثاني حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر المراد بالحاكم هنا القاضي والظاهر أن المفتى مثله يعني أن الإنسان إذا اجتهد في طلب الحق وتبين له شيء من الحق ثم أفتى به أو حكم به فهو على خير إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد ولا يضيع الله تبارك وتعالى أجر من أحسن عملا فدل ذلك على أن الإنسان إذا اجتهد وتحرى الحق وبذل وسعه في ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يثيبه على هذا إن أصاب فله أجران الأجر الأول على إصابة الحق والثاني على اجتهاده وإن أخطأ فله أجر واحد وهو الاجتهاد وبذل الوسع والطاقة في طلب الحق وأما الحديث الثالث حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه يعني إذا مات الإنسان وعليه صيام فإنه يصوم عنه وليه سواء كان نذرا أو واجبا في أصل الشرع فإذا قدر أن رجلا أفطر في رمضان لأنه مسافر ثم تهاون بعد رمضان ولم يقض لأنه يجوز أن يؤخر القضاء إلى شعبان ولكنه مات قبل القضاء فإن وليه أي وارثه يصوم عنه من أم أو أب أو ابن أو بنت أو زوجة وهذا ليس على سبيل الوجوب بل الاستحباب فإن لم يصم وليه أطعم عنه عن كل يوم مسكينا وكذلك لو كان عليه كفارة ومات قبل أن يؤديها مع تمكنه منها فإنه يصوم عنه وليه وكذلك لو نذر أن يصوم ثلاثة أيام ومات قبل أن يصوم فإنه يصوم عنه وليه فإن لم يفعل فإنه يطعم عن كل يوم مسكينا وأما حديث عائشة رضي الله عنها وهو الحديث الرابع فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء الحمى هي المرض الذي يصيب الإنسان بالحرارة في جسمه هذه من فيح جهنم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أما كيف وصل فيح جهنم إلى بدن الإنسان فهذا أمره إلى الله ولا نعرفه ما ندري لكن نقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء يعني صبوا على المريض ماء يبرده وهذا من أسباب الشفاء لمن أصيب بالحمى وقد شهد الطب الحديث بذلك فكان من جملة علاجات الحمى أنهم يأمرون أي الأطباء المريض أن يتحمم بالماء وكلما كان أبرد على وجه لا مضرة فيه فهو أحسن وبذلك تزول الحمى بإذن الله والله الموفق
1859 - وعن عوف بن مالك بن الطفيل أن عائشة رضي الله عنها حدثت أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة رضي الله تعالى عنها والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها قالت أهو قال هذا قالوا نعم قالت هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة فقالت لا والله لا أشفع فيه أبدا ولا أتحنث إلى نذري فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن محزمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وقال لهما أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة رضي الله عنها فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي فأقبل به المسور وعبد الرحمن حتى استأذنا على عائشة فقالا السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل قالت عائشة ادخلوا قالوا كلنا قالت نعم ادخلوا كلكم ولا تعلم أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة رضي الله عنها وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا كلمته وقبلت منه ويقولان إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما وتبكي وتقول إني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها رواه البخاري
الشَّرْحُ
هذان حديثان عظيمان فيهما فوائد ذكرهما المؤلف رحمه الله في آخر كتابه رياض الصالحين في الأحاديث المنثورة الحديث الأول حديث عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين وأفضل زوجاته بعد موته وكانت من كانت في العلم والعبادة والرأي والتدبير وكان عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر سمع عنها أنها تبرعت وأعطت عطايا كثيرة فاستكثر ذلك منها وقال لئن لم تنته لأحجرن علها وهذه كلمة شديدة بالنسبة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأنها خالته وعندها من الرأي والعلم والحلم والحكمة ما لا ينبغي أن يقال فيها ذلك القول والحجر عليها يعني منعها من التصرف في مالها أو التبرع الكبير من مالها فسمعت بذلك وأخبرت به أخبرها بذلك الواشون الذين يشون بين الناس ويفسدون بينهم بالنميمة والعياذ بالله والنميمة من كبائر الذنوب وقد حذر الله من النمام وإن حلف فقال ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم ومر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة على قبرين من قبور المسلمين فقال إنهما ليعذبان في قبورهما وما يعذبان في كبير يعني لا يعذبان في أمر شاق وأمر صعب بل يسهل بالنسبة للقيام به لا بالنسبة لعظمه عند الله أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول يعني لا يستنجي استنجاء تاما وإذا أصاب البول ثوبه أو بدنه لا يبالي به وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة يأتي للناس فيخبر بما قال البعض في البعض الآخر من أجل أن يفرق بينهم والعياذ بالله فالنميمة من كبائر الذنوب يعذب عليها النمام في قبره ولا يدخل الجنة نمام نسأل الله العافية المهم أن هذه الكلمة وصلت إلى عائشة فنذرت رضي الله عنها ألا تكلمه أبدا وذلك لشدة ما حصل لها من الانفعال على ابن أختها وهجرته ومن المعلوم أن هجر أم المؤمنين رضي الله عنها لابن أختها سيكون شديدا عليه فحاول أن يسترضيها ولكنها صممت لأنها ترى أن النذر شديد فاستشفع إليها برجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلا حيلة بأم المؤمنين لكنها حيلة حسنة لأنها أدت إلى مطلوب حسن وهو الإصلاح بين الناس والكذب في الإصلاح بين الناس باللسان جائز فكيف بالأفعال استأذنا على عائشة رضي الله عنها فسلما عليها وهذه هي السنة عند الاستئذان أنك إذا قرعت الباب على شخص تقول السلام عليكم ثم استأذناها في الدخول فقالا ندخل قالت نعم قالوا كلنا قالت كلكم ولم تعلم أن عبد الله بن الزبير معهما لكنها لم تقل هل معكم عبد الله بن الزبير فلم تستفصل وأتت بقول عام ادخلوا كلكم فدخلوا فلما دخلوا عليها وإذا عليها الحجاب حجاب أمهات المؤمنين وهو عبارة عن ستر تستتر به أمهات المؤمنين لا يراهن الناس وهو غير الحجاب الذي يكون لعامة النساء لأن الحجاب الذي لعامة النساء هو تغطية الوجه والبدن ولكن هذا حجاب يكون حاجبا وحائلا بين أمهات المؤمنين والناس فلما دخلا البيت دخل عبد الله بن الزبير الحجاب لأنه ابن أختها فهي من محارمه فأكب عليها يقبلها ويبكي ويناشدها الله عز وجل ويحذرها من القطيعة ويبين لها أن هذا لا يجوز لكنها قالت النذر شديد ثم إن الرجلين أقنعاها بالعدول عما صممت عليه من الهجر وذكراها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث حتى اقتنعت وبكت وكلمت عبد الله بن الزبير ولكن هذا الأمر أهمها شديدا فكانت كلما ذكرته بكت رضي الله عنها لأنه شديد وهذا قاعدة في كل إنسان يخاف الله كل من كان بالله أعرف كان منه أخوف كلما ذكرت هذا النذر وأنها انتهكته بكت رضي الله عنها ومع هذا أعتقت أربعين عبدا من أجل هذا النذر ليعتق الله تعالى رقبتها من النار وفي هذا دليل على شدة إيمان أمهات المؤمنين وحرصهن على العتق من النار والبراءة من عذاب الكفار ففي هذا الحديث دليل على فوائد 1_ أن الإنسان لا يحل له أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ولاسيما إذا كان قريبا وأنه يجب عليه أن يحنث ويكفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير والله عز وجل غفور رحيم بالنسبة لليمين إذا كفرت عن يمينك وأتيت الذي هو خير كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم 2_ فضيلة الإصلاح بين الناس ومعلوم أن الإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال قال الله تعالى { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما } 3_ جواز الحيل إذا لم تصل إلى شيء محرم لأن عائشة رضي الله عنها تحيل عليها الرجلان في الدخول عليها ومعهما عبد الله بن الزبير 4_ رقة قلوب الصحابة وسرعة بكائهم رضي الله عنهم من خشية الله عز وجل وهذا دليل على لين القلب وخشيته لله وكما كان قلب الإنسان أقسى كان من البكاء أبعد والعياذ بالله ولذلك نرى الناس لما كانوا أقرب للآخرة من اليوم نجد فيهم الخشوع والبكاء وقيام الليل واللجوء إلى الله والصدقة وفعل الخير لكن لما قست القلوب صارت المواعظ تمر عليها مرور الماء على الصفا لا تنتفع به إطلاقا نسأل الله لنا ولكم العافية