باب جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة أما النياحة فحرام وسيأتي فيها باب في كتاب النهي إن شاء الله تعالى وأما البكاء فجاءت أحاديث كثيرة بالنهي عنه وأن الميت يعذب ببكاء أهله وهي متأولة ومحمولة على من أوصى به والنهي إنما هو عن البكاء الذي فيه ندب أو نياحة والدليل على جواز البكاء بغير ندب ولا نياحة أحاديث كثيرة منها
927 - وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله فقال يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون رواه البخاري وروى مسلم بعضه .
والأحاديث في الباب كثيرة في الصحيح مشهورة والله أعلم
الشَّرْحُ
سبق لنا الكلام على الأحاديث الثلاثة الماضية التي ذكرها النووي رحمه الله في رياض الصالحين في باب جواز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة ثم ذكر حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بكى حين رأى طفلين في النزع أما الأول فهو ابن ابنته رفع إليه وهو في سياق الموت فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة بهذا الصبي لأنه يراه ينازعه الموت فرق له وبكى صلى الله عليه وسلم وهو أرحم الخلق بالخلق فقال له سعد بن عبادة ما هذا يا رسول الله يعني كيف تبكي فقال صلى الله عليه وسلم هذه رحمة يعني أني رحمت هذا الصبي الذي ينازع نفسه فرققت له وإنما يرحم الله من عبادة الرحماء كلما كان الإنسان بعباد الله أرحم كان أقرب من رحمة الله ولهذا ينبغي لك أن تعود نفسك على الرحمة والرقة للأطفال والحيوان وغير ذلك ممن هو أهل للرحمة حتى تكون أهلا لرحمة الله عز وجل إنما يرحم الله من عباده الرحماء وفي هذا دليل على جواز البكاء على الميت لأن النبي صلى الله عليه وسلم بكى وقال هذه رحمة وفيها دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يتعرض لرحمة الله عز وجل بكل وسيلة إن رحمت الله قريب من المحسنين وفي قوله صلى الله عليه وسلم إنما يرحم الله من عباده الرحماء إشارة إلى أن جزاء الله من جنس العمل فلما كان هذا الإنسان راحما لعباد الله كان الله تعالى راحما له لأن الله تعالى في حاجة العبد إذا كان العبد في حاجة أخيه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته أما الحديث الثاني حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهذا الولد ليس من زوجته خديجة بل من مارية التي أهداها & له ملك القبط فسراها النبي صلى الله عليه وسلم أي وطئها بملك اليمين فأتت له بهذا الولد وبقى ستة عشر شهرا ومات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه وهو يجود بنفسه أي ينازعه الموت وأشرف مال عند الإنسان نفسه وهذا المحتضر كأنما يسلمها للملائكة يجود بها فذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم فقيل له ما هذا يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ثم قالها مرة أخرى العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ثم توفي الولد وله ستة عشر شهرا فدل ذلك على الإنسان لا حرج عليه إذا بكى رحمة بالميت وحزنا على فراقه فإن الرسول هنا قال إنه محزون على فراق ابنه .
وفيه أيضا دليل على جواز إخبار الإنسان عن نفسه بأنه محزون من هذه المصيبة لأنه قال القلب يحزن وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يموت له الولد ويتألم لذلك وأنه يلحقه ما يلحق البشر فكان له من الأولاد سبعة ثلاثة ذكور وأربع بنات وأشهر الذكور هو إبراهيم رضي الله عنه أما الإناث فأفضلهن فاطمة وهي مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزينب امرأة أبي العاص بن الربيع وأم كلثوم ورقية كانتا مع عثمان بن عفان لما ماتت إحداهما زوجه النبي صلى الله عليه وسلم الثانية ولم يزوج الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا من صحابته ابنتين إلا عثمان فتميز عثمان رضي الله عنه بأن الرسول زوجه ابنتيه لكن بعد أن ماتت الأولى زوج الثانية .
أما أولاده فهم القاسم وعبد الله وإبراهيم لكن الذي اشتهر وبقي مدة هو إبراهيم وكل هؤلاء من خديجة رضي الله عنها إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية ولم يبق أحد من أولاده لا ذكورهم ولا إناثهم بعد موته إلا فاطمة فقد ماتوا جميعا في حياته وهذا من حكمة الله عز وجل فإنه لا أحد يستطيع أن يدفع الموت ولو كان أعظم الناس جاها عند الله حتى النبي صلى الله عليه وسلم
باب الكف عما يرى من الميت من مكروه
928 -