655 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به رواه مسلم
656 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون قالوا يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال: أوفوا ببيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم واسألوا الله الذي لكم فإن الله سائلهم عما استرعاهم متفق عليه ذكر المؤلف رحمه الله في باب أمر ولاة الأمور بالرفق واللين ورعاية مصالح من استرعاهم الله عليهم في سياق الأحاديث ما نقله عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي هذا يقول: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه وهذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على من تولى أمور المسلمين الخاصة والعامة فيقع على الإنسان أن يتولى أمر بيته وعلى مدير المدرسة يتولى أمر مدرسته وعلى المدرس يتولى أمر الفصل وعلى الإمام يتولى أمر المسجد . ولهذا قال: من ولي من أمر أمتي شيئا وشيئا نكرة في سياق الشرط وقد ذكر علماء الأصول أن النكرة في سياق الشرط تفيد العموم أي شيء يكون فرفق بهم فارفق به ولكن ما معنى الرفق ؟ قد يظن بعض الناس أن معنى الرفق أن تأتي للناس على ما يشتهون ويريدون وليس الأمر كذلك بل الرفق أن تسير بالناس حسب أوامر الله ورسوله ولكن تسلك أقرب الطرق وأرفق الطرق بالناس ولا تشق عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله فإن شققت عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله فإنك تدخل في الطرف الثاني من الحديث وهو الدعاء عليك بأن يشق الله عليك والعياذ بالله . يشق عليك إما بآفات في بدنك أو في قلبك أو في صدرك أو في أهلك أو في غير ذلك لأن الحديث مطلق فاشقق عليه بأي شيء يكون وربما لا يظهر للناس المشقة قد يكون في قلبه نار تلظى والناس لا يعلمون لكن نحن نؤمن بأنه إذا شق على الأمة بما لم ينزل الله به سلطانا فإنه مستحق لهذه العقوبة من الله تعالى أما الحديث الثاني فإن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء أي تبعث فيهم الأنبياء فيصلحون من أحوالهم: وإنه لا نبي بعدي فإن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين بالنص والإجماع كما قال الله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ولهذا من ادعى النبوة بعده فهو كافر مرتد يجب قتله ومن صدق من ادعى النبوة بعده فهو كاذب مرتد يجب قتله إلا أن يتوب فالنبي عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء ولكن جعل الله له الخلفاء خلفاء في العلم وخلفاء في السلطة والمراد بالخلفاء في هذا الحديث خلفاء السلطة . ولهذا قال سيكون خلفاء ويكثرون قالوا يا رسول الله فما تأمرنا ؟ يعني من نفى ببيعته ؟ قال الأول فالأول فإذا بايعوا الخليفة وجب عليهم أن يبقوا على بيعتهم وأن ينبذوا كل من أراد الخلافة وهو حي وأن يعينوا الخليفة الأول على من أراد الخلافة في حياته لأن كل من نازع السلطان في سلطانه فإنه يجب أن يقاتل حتى تكون الأمة واحدة فإن الناس لو تركوا فوضي وصار كل من لا يريد هذا السلطان يذهب ويتخذ له حزبا يقاتل به السلطان فسدت الأمور . وفي آخر الحديث حمل النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الخلفاء ما عليهم وأمرنا نحن أن نوفى لهم بحقهم وأن نسأل الله الذي لنا لا نقل هؤلاء ظلموا هؤلاء ظلموا هؤلاء جاروا هؤلاء لم يقوموا بالعدل ثم ننابذهم ولا نطيعهم فيما أمرنا الله به لا هذا لا يجوز فيجب أن نوفى لهم بالحق وأن نسأل الله الحق الذي لنا كالإنسان الذي له قريب إذا قطعك فصله واسأل الله الذي لك أما أن تقول لا أصل إلا من وصلني أو لا أطيع من السلطان إلا من لا يظلم ولا يستأثر بالمال ولا غيره فهذا خطأ قم أنت بما وجب عليك واسأل الله الذي لك وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: تسوسهم الأنبياء: دليل على أن دين الله وهو دين الإسلام فيكل مكان وفي كل زمان هو السياسة الحقيقية النافعة وليس السياسة التي يفرضها أعداء الإسلام من الكفار . السياسة حقيقية ما جاء في شرع الله ولهذا نقول إن الإسلام شريعة وسياسة ومن فرق بين السياسة والشريعة فقد ضل ففي الإسلام سياسة الخلق مع الله وبيان العبادات وسياسة الإنسان مع أهله ومع جيرانه ومع أقاربه ومع أصحابه ومع تلاميذه ومع معلميه ومع كل أحد كل له سياسة تخصه سياسة مع الأعداء الكفار ما بين حربيين ومعاهدين ومستأمنين وذميين . وكل طائفة قد بين الإسلام حقوقهم وأمر أن نسلك بهم كما يجب فمثلا الحربيون نحاربهم ودماؤهم حلال لنا وأموالهم حلال لنا وأراضيهم حلال لنا المستأمنون يجب أن نؤمنهم كما قال تعالى: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه } والمعاهدون يجب أن نوفى لهم بعهودهم ثم أن نطمئن إليهم وأن نخاف منهم أو ينقضوا العهد وثلاث حالات كلها مبينة في القرآن فإن اطمأننا إليهم وجب أن نفي لهم بعهدهم وإن خفناهم فقد قال الله تعالى { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } قل لهم ما بيننا عهد إذا خفت منهم ولا تنقض العهد بدون أن تخبرهم والثالث هم الذين نقضوا العهد { فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون } إذا نقضوا العهد فلا أيمان لهم ولا عهد لهم فالمهم أن الدين دين الله وأن الدين سياسة شرعية سياسة اجتماعية سياسة مع الأجانب ومع المسالمين ومع كل أحد ومن فصل الدين عن السياسة فقد ضل فهو بين أمرين إما جاهل بالدين ولا يعرف ويظن أن الدين عبادات بين العبد وربه وحقوق شخصية وما أشبه ذلك يظن أن هذا هو الدين فقط أو أنه قد بهره الكفرة وما هم عليه من القوة المادية فظن أنهم هم المصيبون وأما من عرف الإسلام حق المعرفة عرف أنه شريعة وسياسة
الشَّرْحُ
657 -