608 - وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث قال: وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان وأمر أن تسلت القصعة قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة رواه مسلم .
609- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم” قال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة” ((رواه البخاري)).
610-
610 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى كراع أو ذراع لقبلت . ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت رواه البخاري .
611 - وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق، أو لا تكاد تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه رواه البخاري . هذه الأحاديث ذكرها الحافظ النووي - رحمه الله تعالى - في باب التواضع فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الأكل لعق أصابعه الثلاث، لعقها: أي لحسها حتى يكون ما بقى من الطعام فيها داخلا في طعامه الذي أكله من قبل وفيه فائدة ذكرها بعض الأطباء أن الأنامل تفرز عند الأكل شيئا يعين على هضم الطعام . فيكون في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتان: فائدة شرعية: وهي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . وفائدة صحية طبية: وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم . والمؤمن لا يجعل همه فيما يتعلق بالصحة البدنية، أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، لأن فيه صحة القلب وكلما كان الإنسان للرسول صلى الله عليه وسلم أتبع كان إيمانه أقوى . وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: إذا سقطت لقمة أحدكم يعني على الأرض أو على السفرة فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان فإذا سقطت اللقمة، أو التمرة، أو ما أشبه ذلك على السفرة، فخذها وأزل ما فيها من الأذى إن كان فيها أذى من تراب، أو عيدان وكلها، تواضعا لله عز وجل، وامتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وحرمانا للشيطان من الأكل معك، لأنك إذا تركتها أكلها الشيطان، والشيطان ربما يشارك الإنسان في أكله في مثل هذه المسألة، وفيما إذا أكل ولم يسم، فإن الشيطان يشاركه في أكله . والثالث: أمره بإسلات الصحن أو القصعة، وهو الإناء الذي فيه الطعام، فإذا انتهيت فأسلته، بمعنى أن تتبع ما علق فيه من طعام بأصابعك وتلعقها . فهذا أيضا من السنة التي غفل عنها كثير مع الأسف حتى من طلبة العلم أيضا، إذا فرغوا من الأكل وجدت الجهة التي تليهم ما زال الأكل باقيا فيها، لا يلعقون الصحفة، وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ثم بين الرسول عليه الصلاة والسلام الحكمة من ذلك فقال: فإنكم لا تدرون في أي طعام البركة قد تكون البركة من هذا الطعام في هذا الذي سلته من القصعة . وفي هذا الحديث: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه إذا ذكر الحكم ذكر الحكمة منه، لأن ذكر الحكمة مقرونا بالحكم يفيد فائدتين عظيمتين . الفائدة الأولى: بيان سمو الشريعة، وأنها شريعة مبنية على المصالح، فما من شيء أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في وجوده، وما من شيء نهى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في عدمه . الفائدة الثانية: زيادة اطمئنان النفس، لأن الإنسان بشر قد يكون عنده إيمان وتسليم بما حكم الله به ورسوله لكن إذا ذكرت الحكمة ازداد إيمانا وازداد يقينا، ونشط على فعل المأمور، أو ترك المحظور . ثم ذكر المؤلف حديث أنس بن مالك رضي الله عنهم في قصة الأعرابي الذي جاء بقعود له، ناقة ليست كبيرة، أو جمل ليس بكبير، وكانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء وهي غير القصواء التي حج عليها هذه ناقة أخرى، وكان من هدى الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يسمي دوابه، وسلاحه، وما أشبه ذلك . فالعضباء هذه كان الصحابة رضي الله عنهم يرون أنها لا تسبق أو لا تكاد تسبق، فجاء هذا الأعرابي بعقوده فسبق العضباء، فكأن ذلك شق على الصحابة رضي الله عنهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف ما في نفوسهم: حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه فكل ارتفاع يكون في الدنيا فإنه لابد أن يؤول إلى انخفاض، فإن صحب هذا الارتفاع ارتفاع في النفوس وعلم في النفوس فإن الوضع إليه أسرع، لأن الوضع يكون عقوبة، أما إذا لم يصحبه شيء فإنه لابد أن يرجع ويوضع، كما قال الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ أي ظهر فيه من كل نوع . { حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ } ذهبت كلها، كل هذه الزينة، وكل هذا النبات الذي اختلط من كل صنف كله يزول كأن لم يكن وهكذا الدنيا كلها تزول كأن لم تكن، حتى الإنسان نفسه يبدو صغيرا ضعيفا ثم يقوى فإذا انتهت قوته عاد إلى الضعف والهرم، ثم إلى الفناء والعدم فما من شيء ارتفع من الدنيا إلا وضعه الله عز وجل . وفي قوله عليه الصلاة والسلام: من الدنيا دليل على أن ما ارتفع من أمور الآخرة فإنه لا يضعه الله، فقوله: { يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } فهؤلاء لا يعضهم الله عز وجل ما داموا على وصف العلم والإيمان، فإنه لا يمكن أن يضعهم الله . بل يرفع لهم الذكر، ويرفع درجاتهم في الآخرة .
الشَّرْحُ
باب تحريم الكبر والإعجاب