588 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع الشبهات، وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله: ألا وهي القلب متفق عليه . وروياه من طرق بألفاظ متقاربة . قال المؤلف - رحمه الله - فيما نقله عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس قسم النبي صلى الله عليه وسلم الأمور إلى ثلاثة أقسام: حلال بين، وحرام بين، ومشتبه . الحلال البين كحل بهيمة الأنعام والحرام البين كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، وكل ما في القرآن من كلمة أحل فهو حلال ومن كلمة حرم فهو حرام، فقوله تعالى: وأحل الله البيع هذا حلال بين وقوله تعالى: { وحرم الربا } هذا حرام بين . هناك أمور مشتبهات تخفى على الناس، وأسباب الخفاء كثيرة، منها ألا يكون النص ثابتا عن الإنسان فيتردد: هل يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام أو لا يصح ثم إذا صح قد تشتبه دلالته: هل يدل على كذا أو لا يدل ؟ ثم إذا دل على شيء معين فقد يشتبه: هل له مخصص إن كان عاما ؟ هل له مقيد إن كان مطلقا، ثم إذا تبين قد يشتبه هل هو باق أو منسوخ . المهم أن أسباب الاشتباه كثيرة، فما هو الطريق إلى حل هذا الاشتباه ؟ الطريق بينه النبي عليه الصلاة والسلام فقال: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه من اتقاها يعني تجنبها إلى الشيء الواضح البين فقد استبرأ لدينه وعرضه . استبرأ لدينه حيث سلم من الوقوع في المحرم . ولعرضه حيث سلم من كلام الناس فيه، لأنه إذا أخذ الأمور المشتبهة صار عرضة للكلام فيه، كما إذا أتى الأمور البينة الواضح تحريمها . ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لذلك بالراعي الذي يرعى الغنم، أو الإبل أو البقر يرعى حول الحمى يعني حول الحمى الذي حماه أحد من الناس لا يرعى فيه أحد، ومعلوم أنه إذا حمى ازدهر وكثر عشبه أو كثر زرعه لأن الناس لا ينتهكونه بالرعي فالراعي الذي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، لأن البهائم إذا رأت الخضرة في هذا المحمى ورأت العشب فإنها تنطلق إليه وتحتاج إلى ملاحظة ومراقبة كثيرة . ولو لاحظ الإنسان وراقب فإنه قد يغفل وقد تغلبه هذه البهائم فترتع في هذا الحمى كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ثم قال عليه الصلاة والسلام ألا وإن لكل ملك حمى وهذا يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك إقرارا له وأن الملك له أن يحمي مكانا معينا يكثر فيه العشب لبهائم المسلمين، وهي البهائم التي تكون في بيت المال كإبل الصدقة وخيل الجهاد وما أشبه ذلك . وأما الذي يحمي لنفسه فإن ذلك حرام عليه، لا يحل لأحد أن يحمي شيئا من أرض الله يختص بها دون عباد الله فإن ذلك حرام عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلاء والنار . فالكلأ لا يجوز لأحد أن يحميه فيضع عليه الشبك أو يضع عنده جنودا يمنعون الناس من أن يرعوا فيه، فهو غصب لهذا المكان وإن لم يكن غصبا خاصا لأنه ليس ملكا لأحد لكنه منع لشيء يشترك فيه الناس جميعا فهذا لا يجوز ولهذا قال أهل العلم: يجوز للإمام أن يتخذ حمي مرعا لدواب المسلمين بشرط ألا يضرهم أيضا فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا وإن لكل ملك حمي يحتمل أنه إقرار فإن كان كذلك فالمراد به ما يحميه الملك لدواب المسلمين كخيول الجهاد وإبل الصدقة وما أشبه ذلك . ويحتمل أنه إخبار بالواقع وإن لم يكن إقرارا له، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد يخبر بالشيء الواقع أو الذي سيقع من غير إقرار له أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أننا سنركب سنن اليهود والنصارى فقال: لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟ فهذا ليس إقرارا ولكنه تحذير . على كل حال فالملك له حمي يحمى سواء بحق أو بغير حق فإذا جاء الناس يرعون حول الحمي حول الأرض المعشبة المخضرة فإنهم لا يملكون منع البهائم أن ترتع فيها . ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا وإن حمى الله محارمه الله عز وجل أحاط الشريعة بسياج محكم حمى كل شيء محرم يضر الناس في دينهم ودنياهم وإذا كان الشيء مما تدعو النفوس إليه شدد السياج حوله انظر مثلا إلى الزنى والعياذ بالله الزنى سببه قوة الشهوة وضعف الإيمان لكن النفوس تدعو إليه لأنه جبلة وطبيعة فجعل حوله سياجا يبعد الناس عنه فقال: { ولا تقربوا الزنى } لم يقل ولا تزنوا قال: { ولا تقربوا الزنى } يشمل كل ذريعة توصل إلى الزنى من النظر واللمس والمحادثة وغير ذلك . كذلك الربا حرمه الله عز وجل ولما كانت النفوس تطلبه لما فيه من الفائدة حرم كل ذريعة إليه فحرم الحيل على الربا ومنعها، وهكذا جعل الله عز وجل للمحارم حمى له تمنع الناس من الوقوع فيها . ثم قال صلى الله عليه وسلم: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب مضغة يعني قطعة لحم صغيرة بقدر ما يمضغه الإنسان لكن شأنها عظيم هي التي تدير الجسد إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ليست العين ولا الأنف ولا اللسان ولا اليد ولا الرجل ولا الكبد ولا غيرها من الأعضاء إنما هي القلب ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك فالإنسان مدار صلاحه وفساده على القلب، ولهذا عليك أيها المسلم أن تعتني بصلاح قلبك فصلاح الظواهر وأعمال الجوارح طيب، ولكن الشأن كل الشأن في صلاح القلب يقول الله عن المنافقين: { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم }، { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } من الهيئة الحسنة وحسن عمل الجوارح وإذا قالوا قالوا قولا تسمع له من حسنه وزخرفته لكن قلوبهم خربة والعياذ بالله { كأنهم خشب مسندة } ليس فيها خير . فاعتن يا عبد الله بصلاح قلبك وانظر قلبك هل فيه شيء من الشر ؟ هل فيه شيء من كراهة ما أنزل هل فيه شيء من الميل إلى الكفار ؟ هل فيه شيء من موالاة الكفار ؟ هل فيه شيء من الحسد، هل فيه شيء من الغل ؟ هل فيه شيء من الحقد ؟ أو غير ذلك من الأمراض العظيمة الكثيرة فإذا كان فيه من ذلك فطهر قلبك من هذا وأصلحه فإن المدار عليه . { أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور } هذا في يوم القيامة العمل يكون على الباطن، في الدنيا العمل على الظاهر ما لنا إلا ظواهر الناس، لكن في الآخرة العمل على الباطن أصلح الله قلوبنا وقلوبكم . قال تعالى: { يوم تبلى السرائر } يعني تختبر البواطن فمن كان من المؤمنين ظهر إيمانه ومن كان من أهل النفاق ظهر نفاقه والعياذ بالله . لذلك أصلح قلبك يا أخي لا تكره شريعة الله لا تكره عباد الله الصالحين، لا تكره أي شيء مما أنزل الله فإن كراهتك لشيء مما أنزل الله كفر بالله تعالى، ودليل على عدم إيمانك ودليل على أن الإيمان لم يتمكن من قلبك
الشَّرْحُ
589 -