باب الإيثار والمواساة
قال الله تعالى: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . وقال تعالى: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } إلى آخر الآيات . ( باب الإيثار والمواساة ) ذكر المؤلف هذا الباب عقب النهي عن البخل والشح لأنهما متضادان، فالإيثار: أن يقدم الإنسان غيره على نفسه والمواساة: أن يواسي غيره بنفسه، والإيثار أفضل ولكن ليعلم أن الإيثار ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: ممنوع والثاني: مكروه أو مباح، والثالث: مباح . القسم الأول: وهو الممنوع: وهو أن تؤثر غيرك بما يجب عليك شرعا فإنه لا يجوز أن تقدم غيرك فيما يجب عليك شرعا . ومثاله: إذا كان معك ماء يكفي لوضوء رجل واحد وأنت لست على وضوء وهناك صاحب لك ليس على وضوء والماء لك لكن إما أن يتوضأ به صاحبك وتتيمم أنت، أو تتوضأ أنت ويتيمم صاحبك ففي هذه الحالة لا يجوز أن تعطيه الماء وتتيمم أنت، لأنك واجد الماء والماء في ملكك ولا يجوز العدول عن الماء إلى التيمم إلا لعادم . فالإيثار في الواجبات الشرعية حرام، ولا يحل لأنه يستلزم إسقاط الواجب عليك . القسم الثاني: وهو المكروه أو المباح: فهو الإيثار في الأمور المستحبة وقد كرهه بعض أهل العلم وأباحه بعضهم لكن تركه أولى لا شك إلا لمصلحة . ومثاله: أن تؤثر غيرك في الصف الأول الذي أنت فيه، مثل أن تكون أنت في الصف الأول في الصلاة فيدخل إنسان فتقوم عن مكانك وتؤثر به، فقد كره أهل العلم هذا وقالوا: إن هذا دليل على أن الإنسان يرغب عن الخير، والرغبة عن الخير مكروهة، إذ كيف تقدم غيرك إلى مكان فاضل أنت أحق به منه ؟ وقال بعض العلماء: تركه أولى إلا إذا كان فيه مصلحة كما لو كان أبوك وتخشى أن يقع في قلبه شيء عليك فتؤثره بمكانك الفاضل، فهذا لا بأس به . القسم الثالث وهو المباح: وهذا المباح قد يكون مستحبا وذلك أن تؤثر غيرك في أمر غير تعبدي أي تؤثر غيرك وتقدمه على نفسك في أمر غير تعبدي . ومثاله: أن يكون معك طعام وأنت جائع وصاحب لك جائع مثلك، ففي هذه الحال إذا آثرت فإنك محمود على هذا الإيثار، لقول الله تبارك وتعالى في وصف الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ووجه إيثارهم على أنفسهم أن المهاجرين لما قدموا المدينة تلقاهم الأنصار بالإكرام والاحترام والإيثار بالمال، حتى أن بعضهم يقول لأخيه المهاجري: إن شئت أن أتنازل عن إحدى زوجتي لك فعلت يعني يطلقها فيتزوجها المهاجري بعد مضي عدتها وهذا من شدة إيثارهم رضي الله عنهم لإخوانهم المهاجرين . وقال تعالى: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } يعني يطعمون الطعام وهو يحبونه مسكينا ويتيما وأسيرا ويتركون أنفسهم هذا أيضا من باب الإيثار
الشَّرْحُ
564 -