524 - وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال: يا حكيم أن هذا المال حضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى . قال حكيم فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا . فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله فقال: يا معشر المسلمين أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفى متفق عليه .
525- وعن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي، وسقطت أظافري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق قال أبو بردة: فحدث أبوموسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره! قال: كأنه كره أن يكون شئياً من عمله أفشاه. ((متفق عليه))
526- وعن عمرو بن تغلب - بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام - رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمال أو سبي فقسمه، فأعطى رجالا، وترك رجالا، فبلغه أن الذين ترك عتبوا ؛فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال، أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني إنما أعطي أقواماً لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب” قال عمرو بن تغلب: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم ((رواه البخاري)).
"الهلع": هو أشد الجزع، وقيل: الضجر.
527-
527 - وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله متفق عليه .
528 - وعن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلحفوا في المسألة فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته رواه مسلم .
529- وعن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: "ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم" وكنا حديثي عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: "على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس وتطيعوا" وأسر كلمة خفية: "ولا تسألوا الناس شيئاً" فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل احداً يناوله اياه. ((رواه مسلم)).
530-
530 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم متفق عليه . المزعة بضم الميم وإسكان الزاي وبالعين المهملة: القطعة . قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه أي: سأله مالا فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه . وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه وحسن خلقه أنه لا يرد سائلا سأله شيئا فما سئل شيئا على الإسلام إلا أعطاه عليه الصلاة والسلام، ثم قال حكيم: إن هذا المال خضر حلو خضر يسر الناظرين حلو يسر الذائقين، فتطلبه وتحرص عليه . فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه فكيف بمن أخذه بسؤال ؟ يكون أبعد وأبعد ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك يعني ما جاءك بإشراف نفس وتطلع وتشوف فلا تأخذه وما جاءك بسؤال فلا تأخذه . ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام لحكيم بن حزام: اليد العليا خير من اليد السفلى اليد العليا هي يد المعطي، واليد السفلى هي يد الآخذ، فالمعطي يده خير من يد الآخذ، لأن المعطي فوق الآخذ، فيده هي العليا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . فأقسم حكيم بن حزام رضي الله عنه بالذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحق ألا يسأل أحدا شيئا، فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا . فتوفي الرسول عليه الصلاة والسلام وتولى الخلافة أبو بكر رضي الله عنه فكان يعطيه العطاء فلا يقبله، ثم توفي أبو بكر، فتولى عمر فدعاه ليعطيه فأبى فاستشهد عمر عليه، فقال: اشهدوا أني أعطيه من بيت مال المسلمين فلا يقبله قال ذلك رضي الله عنه لئلا يكون له حجة على عمر يوم القيامة بين يدي الله وليتبرأ من عهدته أمام الناس ولكن مع ذلك أصر حكيم رضي الله عنه ألا يأخذ منه شيئا حتى توفي . وفي اللفظ الآخر الذي ساقه المؤلف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول فالإنسان يبدأ بمن يعول، يعني بمن يلزمه نفقته، فالإنفاق على الأهل أفضل من الصدقة على الفقراء لأن الإنفاق على الأهل صدقة وصلة وكفاف وعفاف فكان ذلك أولى، والإنفاق على نفسك أولى من الإنفاق على غيرك كما جاء في الحديث: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك . وذكر المؤلف - رحمه الله - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهة مزعة لحم يأتي وليس عليه إلا عظام تلوح أمام الناس يوم القيامة، نسأل الله العافية . وهذا وعيد شديد يدل على تحريم كثرة السؤال ولهذا قال العلماء: لا يحل لأحد أن يسأل شيئا إلا عند الضرورة إذا اضطر الإنسان فلا بأس أن يسأل، أما أن يسأل للأمور الكمالية لأجل أن يسابق الناس فيما يجعله في بيته، فإن هذا لا شك في تحريمه، ولا يحل له أن يأخذ شيئا حتى الزكاة ولو أعطيها فلا يأخذها لإنفاقها في الأمور الكمالية التي لا يريد منها إلا أن يساوق الناس ويماريهم أما الشيء الضروري فلا بأس به، والله أعلم .
الشَّرْحُ
531 -