باب فضل الرجاء
قال الله تعالى إخباراً عن العبد الصالح: { وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا }
440 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول متفق عليه، وهذا لفظ إحدى روايات مسلم . وتقدم شرحه في الباب قبله .
441 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل رواه مسلم .
442 - وعن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة رواه الترمذي . وقال حديث حسن . قال المؤلف - رحمه الله تعالى -: ( باب فضل الرجاء ) لما ذكر - رحمه الله - النصوص الدالة على الرجاء وعلى سعة فضل الله وكرمه ذكر فضل الرجاء وأن الإنسان ينبغي له أن يكون طامعا في فضل الله عز وجل راجيا ما عنده . ثم ذكر قول العبد الصالح وهو الرجل المؤمن من آل فرعون الذي يكتم إيمانه وكان ناصحا لقومه يناصحهم ويبين لهم بالبراهين ما هم عليه من الباطل وما عليه موسى من الحق وفي النهاية قال لهم: فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . { وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ } يعني أجعله مفوضا إليه لا أعتمد على غيره، ولا أرجو إلا إياه { إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } قال الله تعالى: { فَوقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا } أي سيئات مكرهم { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ } ثم ذكر حديث أبي هريرة أن الله تعالى قال في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني . أنا عند ظن عبدي بي . يعني أن الله عند ظن عبده به، إن ظن به خيرا فله، وإن ظن به سوى ذلك فله ولكن متى يكون العبد محسنا الظن بالله عز وجل ؟ يكون كذلك إذا فعل ما يوجب فضل الله ورحمته، فيعمل الصالحات ويحسن الظن بأن الله تعالى يقبله، أما أن يحسن الظن وهو لا يعمل فهذا من باب التمني على الله، ومن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني فهو عاجز . حسن الظن بأن يوجد من الإنسان عمل يقتضي حسن الظن بالله عز وجل، فمثلا أحسن الظن بالله بأن الله يقبلها منك، إذا صمت فكذلك إذا تصدقت فكذلك، إذا عملت عملا صالحا أحسن الظن بأن الله تعالى يقبل منك أما أن تحسن الظن بالله مع مبارزتك له بالعصيان فهذا دأب العاجزين الذين ليس عندهم رأس مال يرجعون إليه . ثم ذكر أن الله سبحانه وتعالى أكرم من عبده فإذا تقرب الإنسان إلى الله شبرا تقرب الله منه ذراعا، وإن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا وأن أتاه يمشي أتاه يهرول عز وجل فهو أكثر كرما وأسرع إجابة من عبده . وهذه الأحاديث وأمثالها مما يؤمن به أهل السنة والجماعة على أنه حق حقيقة لله عز وجل لكننا لا ندري كيف تكون هذه الهرولة وكيف يكون هذا التقرب، فهو أمر ترجع كيفيته إلى الله وليس لنا أن نتكلم فيه لكن نؤمن بمعناه ونفوض كيفيته إلى الله عز وجل . ثم ذكر المؤلف أحاديث في هذا المعنى كلها تدل على أنه يجب على الإنسان أن يحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، ولكن مع فعل الأسباب التي توجب لك . نسأل الله أن يوفقنا والمسلمين لما فيه من الخير والصلاح في الدنيا والآخرة
الشَّرْحُ
باب الجمع بين الخوف والرجاء