434 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله ؟ قال: لجميع أمتي كلهم متفق عليه .
435 - وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أصبت حدا، فأقمه علي وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى الصلاة قال: يا رسول الله إني أصبت حدا، فأقم في كتاب الله، قال: هل حضرت معنا الصلاة ؟ قال: نعم قال: قد غفر لك متفق عليه . وقوله: أصبت حدا معناه: معصية توجب التعزير، وليس المراد الحد الشرعي الحقيقي كحد الزنا والخمر وغيرهما، فإن هذه الحدود لا تسقط بالصلاة ولا يجوز للإمام تركها .
436 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشربة، فيحمده عليها رواه مسلم . الأكلة بفتح الهمزة وهي المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة، والله أعلم .
437 - وعن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها رواه مسلم .
438 - وعن أبي نجيح عمرو بن عبسة - بفتح العين والباء - السلمي رضي الله عنه قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا جرآء عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: ما أنت ؟ قال: أنا نبي قلت وما نبي ؟ قال: أرسلني الله . قلت: وبأي شيء أرسلك ؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء . قلت: فمن معك على هذا ؟ . قال: حر وعبد ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رضي الله عنهما . قلت: إني متبعك قال: إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا . ألا ترى حالي وحال الناس ؟ ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني . قال فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم نفر من أهلي المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة ؟ فقالوا الناس إليه سراع وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة فدخلت عليه . فقلت: يا رسول الله أتعرفني ؟ قال: نعم أنت الذي لقيتني بمكة قال: فقلت: يا رسول الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة ؟ . قال: صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم اقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار . قال فقلت: يا نبي الله فالوضوء حدثني عنه ؟ فقال: ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء فإن هو قام فصلى فحمد الله تعالى وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه . فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو أمامة يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول في مقام واحد يعطى هذا الرجل ؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة فقد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلي وما بي حاجة أن أكذب على الله تعالى ولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا حتى عد سبع مرات ما حدثت أبدا به، ولكني سمعته أكثر من ذلك رواه مسلم . هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف - رحمه الله - كلها أيضا فيها من الرجاء ما فيها فمن ذلك أن الصلوات الخمس تكفر السيئات التي قبلها كما في قصة الرجل الذي أصاب من امرأة قبلة، والذي أصاب حدا وطلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقيمه عليه، فإن الصلاة هي أفضل أعمال البدن وهي تذهب السيئات، قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ . ولكن لابد أن تكون الصلاة على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل كما جاء في حديث عمرو بن عبسة أن لها أوقات محددة وهناك أوقات ينهى الإنسان أن يصلي فيها . ثم أرشد النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن عبسة على صفة الوضوء الصحيحة لأن الإنسان إذا توضأ على هذه الصفة خرجت خطاياه وإذا صلى وقد فرغ قلبه لله كفر الله عنه . فلابد من ملاحظة هذا القيد، لأن من الناس من يصلي ولكنه ينصرف من صلاته ما كتب له إلا عشرها أو أقل لأن قلبه غافل وكأنه ليس في صلاة بل كأنه يبيع ويشترى أو يعمل أعمالا أخرى تنتهي الصلاة . ومن وساوس الشيطان أن الإنسان يصلي فإذا كبر للصلاة انفتحت عليه الهواجس من كل مكان فإذا سلم زالت عنه مما يدل على أن هذا من الشيطان، يريد أن يخرب عليه صلاته حتى يحرم من هذا الأجر العظيم . ومن حديث عمرو بن عبسة فوائد كثيرة منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ غريبا خائفا متخفيا عليه الصلاة والسلام جاءه عمرو بن عبسة وقد رأى ما عليه أهل الجاهلية وأنهم ليسوا على شيء فصار يتطلب الدين الصحيح الموافق للفطرة حتى سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة فجاء إليه فوجده مستخفيا في بيته لم يتبعه إلا حر وعبد - أبو بكر وبلال - لم يتبعه أحد . وفي هذا دليل على أن أبا بكر رضي الله عنه أول من آمن بالرسول عليه الصلاة والسلام، ثم آمن بعده من الأحرار علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ومن حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمرو: إنك لا تستطيع أن تعلن إسلامك في هذا اليوم ولكن اذهب فإذا سمعت أني خرجت فأتني فذهب وأتى إليه بعد نحو ثلاث عشرة سنة في المدينة بعد أن هاجر وقال له: أتعرفني ؟ قال: نعم وأخبره أنه يعرفه، لم ينس طوال هذه المدة . ثم أخبره مما يجب عليه لله عز وجل من حقوق وبين له أن الإنسان إذا توضأ وأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جميع أعضائه وأنه إذا صلى فإن هذه الصلاة تكفر عنه، فدل ذلك على أن فضل الله عز وجل أوسع من غضبه وأن رحمته سبقت غضبه نسأل الله أن يرحمنا وإياكم برحمته إنه جواد كريم
الشَّرْحُ
باب فضل الرجاء