276 - وعن عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح قوله صلى الله عليه وسلم عوان أي أسيرات جمع عانية بالعين المهملة وهي الأسيرة والعانى الأسير شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسير والضرب المبرح هو الشاق الشديد وقوله صلى الله عليه وسلم فلا تبغوا عليهن سبيلا أي لا تطلبوا طريقا تحتجون به عليهن وتؤذونهن به والله أعلم
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله فيما نقله عن عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع يخطب وكان ذلك في عرفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قدم مكة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة وبقي فيها إلى يوم الخميس الثامن من ذي الحجة وخرج ضحى يوم الخميس إلى منى فصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر فلما طلعت الشمس صار إلى عرفة فنزل بنمرة وهي مكان معروف قبل عرفة وليست من عرفة ثم زالت الشمس وحلت صلاة الظهر فأمر أن ترحل له ناقته فرحلت له وركب حتى بطن الوادي بطن عرنة وهو شعب عظيم يحد عرفة من الناحية الغربية إلى الناحية الشمالية فنزل ثم خطب الناس صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة بليغة ثم قال فيها من جملة ما قال موصيا أمته بالنساء استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم العواني جمع عانية وهي الأسيرة يعني أن الزوجة عند زوجها بمنزلة الأسير عند من أسره لأنه يملكها وإذا كان يملكها فهي كالأسير عنده ثم بين أنه لا حق لنا أن نضربهن إلا إذا أتين بفاحشة مبينة والفاحشة هنا عصيان الزوج بدليل قوله فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا يعني إن أهملت الزوجة في حق زوجها عليها فإنه يعظها أولا ثم يهجرها في المضجع فلا ينام معها ثم يضربها ضربا غير مبرح إن هي استمرت على العصيان هذه مراتب تأديب المرأة إذا أتت بفاحشة مبينة وهي عصيان الزوج فيما يجب له { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } يعني لا تضربوهن ولا تقصروا في حقهن لأنهن قمن بالواجب ثم بين صلى الله عليه وسلم الحق الذي لهن والذي عليهن فقال لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه يعني لا يجعلن أحدا يدخل عليهن على فراش النوم أو غيره وأنت تكره أن يجلس على فراش بيتك وكأن هذا والعلم عند الله ضرب مثل والمعنى أن لا يكرمن أحدا تكرهونه هذا من المضادة لكم أن يكرمن من تكرهونه بإجلاسه على الفرش أو تقديم الطعام له أو ما أشبه ذلك وأن لا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون يعني لا يدخلن أحدا البيت وأنت تكره أن يدخل حتى لو كانت أمها أو أباها فلا يحل لها أن تدخل أمها أو أباها أو أختها أو أخاها أو عمها أو خالها أو عمتها أو خالتها إلى بيت زوجها إذا كان يكره ذلك وإنما نبهت على هذا لأن بعض النساء والعياذ بالله شر شر حتى على ابنتها إذا رأت حياة ابنتها مستقرة وسعيدة مع زوجها أصابتها الغيرة والعياذ بالله وهي الأم ثم حاولت أن تفسد ما بين ابنتها وزوجها فللزوج أن يمنع هذه الأم من دخول بيته وله أن يقول لزوجته لا تدخل بيتي له أن يمنعها شرعا وله أن يمنع زوجته من الذهاب إليها لأنها نمامة تفسد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة قتات أي نمام ثم قال صلى الله عليه وسلم ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف فالزوج هو الذي ينفق على زوجته حتى لو كانت غنية ولو كانت موظفة فليس له حق في وظيفتها ولا في راتبها ليس له قرش واحد كله لها وتلزمه بأن ينفق عليها إذا قال كيف أنفق عليك وأنت غنية ولك راتب كراتبي نقول يلزمك الإنفاق عليها وإن كانت كذلك فإن أبيت فللحاكم القاضي أن يفسخ النكاح غصبا من الزوج وذلك لأنه ملتزم بنفقتها الحاصل أن خطبة حجة الوداع خطبة عظيمة قرر فيها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا كثيرا من أصول الدين ومن الحقوق حتى قال صلى الله عليه وسلم من جملة ما قال ألا وإن ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي كانوا في الجاهلية & نسأل الله العافية إذا حل الدين على الفقير قالوا له إما أن تربي وإما أن تقضي تقضي يعني توفينا تربي يعني نزيد عليك الدين حتى يصبح أضعافا مضاعفة .
فقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حاكما ومشرعا إن ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين يعني تحت رجلي ليس له قائمة ثم قال وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب الله أكبر قوة عظيمة في تنفيذ أحكام الله وعدل قائم أول ربا أضع ربا العباس العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم فلا محاباة لأحد لقرابته ولا لنسبه ولا لسلطانه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أهل الدنيا لحابى عمه ولأبقي رباه على ما هو عليه لكن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو غاية الخلق في العدل يقول أول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله فليس لأحد ممن عليه الربا أن يوفيه فهو ساقط كأن لم يكن ليس للعباس إلا رأس ماله فقط وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم حينما جاء الناس يشفعون في امرأة من بني مخزوم كانت تستعير المتاع وتجحده تستعير المتاع كالقدر والفرش وغيره ثم إنها بعد أن تأخذ هذا المتاع كانت تنكر أنها أخذت شيئا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها لأنها سارقة فأهم قريشا شأنها لأنها امرأة من بني مخزوم إحدى قبائل قريش الكبرى وقدموا أسامة بن زيد يشفع عند النبي صلى الله عليه وسلم وأسامة هو ابن عتيق الرسول زيد بن حارثة عبد أهدته خديجة للرسول صلى الله عليه وسلم فأعتقه ثم جاء بأسامة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبهما أسامة وأباه زيدا فقالوا لأسامة اشفع عند الرسول صلى الله عليه وسلم فلما جاء يشفع أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال أتشفع في حد من حدود الله أنكر عليه إنكار توبيخ .
ثم قام فخطب الناس وقال لهم كلاما خالدا عظيما أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والضعيف أحق بالعفو إن كان هناك تفريق ومحاباة ولكن ولله الحمد ليس هناك تفريق ولا محاباة في إقامة حدود الله ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وهي أشرف من المخزومية نسبا وقدرا ودينا وهي بلا شك أفضل من المخزومية لأنها سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها .
وقوله صلى الله عليه وسلم وايم الله حلف وإن لم يستحلف لتأكيد هذا الحكم وبيان أهميته لو أن فاطمة وهي أشرف من هذه المخزومية بنت محمد أشرف البشر سرقت لقطعت يدها ليقطع كل الحجج والوساطات والشفاعات وهذا يدل على كمال عدله صلى الله عليه وسلم المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع خطبة عظيمة بين فيها كثيرا من أحكام الإسلام وآدابه وقد قام بشرح هذه الخطبة الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن حميد رحمة الله عليه رئيس القضاة في هذه المملكة في زمنه شرحها شرحا موجزا لكنه مفيد فمن أحب فليرجع إليه
277 -