246 - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب متفق عليه وفي رواية ما شاء
247 - وعن ابن عباس رضي الله عنه في قصة بريرة وزوجها قال قال لها النبي صلى الله عليه وسلم لو راجعته قالت يا رسول الله تأمرني قال إنما أشفع قالت لا حاجة لي فيه رواه البخاري
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى باب الشفاعة والشفاعة هي التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة .
مثال الأول: أن تتوسط لشخص عند آخر في أن يساعده في أمر من الأمور ومثال الثاني: أن تشفع لشخص عند آخر في أن يسامحه ويعفو عن مظلمته حتى يندفع عنه الضرر ومثال ذلك في الآخرة أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الموقف ليقضى بينهم حين يصيبهم من الكرب والغم ما لا يطيقون فهذه شفاعة في دفع مضرة ومثالها في جلب منفعة أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة والمراد بالشفاعة في كلام المؤلف الشفاعة في الدنيا وهي أن يشفع الإنسان لشخص عند آخر يتوسط له لجلب المنفعة له أو دفع المضرة عنه .
والشفاعة أقسام: القسم الأول: شفاعة محرمة لا تجوز وهي أن يشفع لشخص وجب عليه الحد بعد أن يصل إلى الإمام فإن هذه شفاعة محرمة لا تجوز مثال ذلك رجل وجب عليه الحد في قطع يده للسرقة فلما وصلت إلى الإمام أو نائب الإمام أراد إنسان أن يشفع لهذا السارق أن لا تقطع يده فهذا حرام أنكره النبي عليه الصلاة والسلام إنكارا عظيما وذلك حينما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تقطع يد المرأة المخزومية امرأة من بني مخزوم من أشرف قبائل العرب كانت تستعير الشيء ثم تجحده أي تستعيره لتنتفع به ثم تنكر بعد ذلك أنها استعارت شيئا فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها فاهتمت لذلك قريش قالوا امرأة من بني مخزوم تقطع يدها هذا عار كبير من يشفع لنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأوا أن أقرب الناس لذلك أسامة بن زيد بن حارثة وأسامة بن زيد ابن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن زيد بن حارثة عبد أهدته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ثم أعتقه وكان يحبه عليه الصلاة والسلام ويحب ابنه أسامة فذهب أسامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لهذه المرأة ألا تقطع يدها فقال النبي عليه الصلاة والسلام أتشفع في حد من حدود الله قال ذلك إنكارا عليه ثم قام فخطب الناس وقال أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله يعني أقسم بالله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وهذه المرأة المخزومية دون فاطمة شرفا ونسبا ومع ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قال لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ليسد باب الشفاعة والوساطة في الحدود إذا بلغت الإمام وقال عليه الصلاة والسلام من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره وقال صلى الله عليه وسلم إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع ولما سرق رداء صفوان بن أمية وكان قد توسده في المسجد فجاء رجل فسرقه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يد السارق انظر ماذا سرق سرق رداء فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده فقال يا رسول الله أنا لا أريد ردائي يعني أنه رحم هذا السارق وشفع فيه أن لا تقطع يده قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به يعني لو عفوت عنه قبل أن تأتيني به لكان ذلك لك لكن إذا بلغت الحدود السلطان فلابد من تنفيذها وتحرم فيها الشفاعة القسم الثاني أن يشفع في شيء محرم مثل أن يشفع لإنسان معتد على أخيه أعرف مثلا أن هذا الرجل يريد أن يخطب امرأة مخطوبة من قبل والمرأة المخطوبة لا يحل لأحد خطبتها فذهب رجل ثان إلى شخص وقال يا فلان أحب أن تشفع لي عند والد هذه المرأة يزوجنيها وهو يعلم أنها مخطوبة فهنا لا يحل له أن يشفع لأن هذه شفاعة في محرم .
والشفاعة في المحرم تعاون على الإثم والعدوان وقد قال الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ومن ذلك أيضا أن يأتي رجل لشخص فيقول يا فلان أنا أريد أن أشتري دخانا من فلان وقد سمته بكذا وكذا وأبى علي إلا بكذا وكذا أكثر مما سمته به فأرجوك أن تشفع لي عنده ليبيعه علي بهذا السعر الرخيص فهنا لا تجوز الشفاعة لأن هذه إعانة على الإثم والعدوان القسم الثالث: الشفاعة في شيء مباح وهذه لا بأس بها ويكون للإنسان فيها أجر مثل أن يأتي شخص لآخر فيسوم منه بيتا ويقول له هذا الثمن قليل فيذهب السائم إلى شخص ثالث ويقول يا فلان اشفع لي عند صاحب البيت لعله يبيعه علي فيذهب ويشفع له فهذا جائز بل هو مأجور على ذلك ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه صاحب حاجة التفت إلى أصحابه وقال اشفعوا تؤجروا ويقضى الله على لسان نبيه ما شاء أو ما أحب فهنا يأمر عليه الصلاة والسلام أصحابه بأن يشفعوا لصاحب الحاجة ومثل ذلك أيضا لو وجب لك حق على شخص ورأيت أنك إذا تنازلت عنه هكذا ربما استخف بك في المستقبل وانتهك حرمتك فهنا لا حرج أن تقول مثلا لبعض الناس اشفعوا له عندي حتى تظهر أنت بمظهر القوى ولا تجبن أمامه ويحصل المقصود .
المهم أن الشفاعة في غير أمر محرم من الإحسان إلى الغير كما قال تعالى { من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها }
باب الإصلاح بين الناس