234 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم رواه الترمذي وقال: حديث حسن
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلم أخو المسلم وقد تقدم الكلام على هذه الجملة وأن هذه الأخوة أخو الإيمان وأنها أقوى رابطة وأوثق من أخوة النسب وبينا وجه ذلك فيما سبق وبين هنا في هذا الحديث أنه لا يظلمه ولا يخونه ولا يكذبه لا يخونه يعني لا يغدر به في محل الائتمان إذا ائتمنه على شيء أو على مال أو على سر أو على غير ذلك فإنه لا يخونه والخيانة هي الغدر بالشخص في موضع الائتمان ولا يجوز لأحد أن يخون أخاه المسلم حتى وإن خانه يعني وإن خانك أخوك المسلم فلا تخنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك فلو فرضنا أن شخصا خانك في مال بأن أقرضته مالا أي سلفته ثم أنكر بعد ذلك وقال لم تقرضني شيئا فإنه لا يحل لك أن تخونه فتقترض منه ثم تنكره بل أد إليه أمانته واسأل الله الحق الذي لك لقوله عليه الصلاة والسلام لا تخن من خانك كذلك أيضا لا يكذبه أي لا يحدثه بكذب والكذب حرام وكلما كانت آثاره أسوأ كان أشد إثما وليس في الكذب شيء حلالا وأما ما ادعاه بعض العامة حيث يقولون إن الكذب نوعان أسود وأبيض فالحرام هو الأسود والحلال هو الأبيض فجوابه أن الكذب كله أسود ليس فيه شيء أبيض لكن يتضاعف إثمه بحسب ما يترتب عليه فإذا كان يترتب عليه أكل مال المسلم أو غرر على مسلم صار أشد إثما وإذا كان لا يترتب عليه أي شيء من الأضرار فإنه أخف ولكنه حرام لكن ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص في الكذب عند الإصلاح بين الناس وفي الحرب وفي حديث الرجل امرأته وحديثها إياه ولكن كثيرا من العلماء قال إن المراد بالكذب في هذا الحديث ليس الكذب الصريح وإنما هو التورية والتروية تسمى كذبا كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين يأتي الناس له يوم القيامة ليشفع لهم إنه كذب ثلاث كذبات وهو لم يكذب ولكنه ورى تورية يعني أظهر للمخاطب شيئا غير الذي يريده هو فبعض العلماء يقول إن هذا الحديث الذي فيه أن الكذب يجوز في هذه الأشياء الثلاثة يراد به كذب التورية لا الكذب الصريح وعلى هذا فلا يستثنى من الكذب شيء وكل الكذب حرام ثم اعلم أن الكذب يحار فيه الإنسان ويعجز عن معالجته كما قيل
لي حيلة في من ينم ...
وليس في الكذاب حيلة
من كان يخلق ما يقول ...
فحيلتي فيه قليلة
الذي ينم وهو الذي يلقي النميمة بين الناس لي فيه حيلة أي يمكن أن أحتال وأتخلص منه ومن شره لكن الذي يكذب يقول فعلت وفعلت وهو كاذب ليس لي فيه حيلة إذا كان يخلق ما يقول وما شاء قاله فهذا مشكل ليس لي فيه حيلة ولهذا قال هنا ولا يكذبه وفي لفظ ولا يحقره ولا يستصغره حتى وإن كان أكبر منه سنا وإن كان أكثر منه مالا وإن كان أغزر منه علما فلا يحقره واحتقار الناس من الكبر والعياذ بالله قال النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بطر الحق وغمط الناس بطر الحق يعني رده وغمط الناس يعني احتقارهم وازدراءهم فالمسلم يرى أخاه بعين الإكبار ويحترمه ويعظمه والعامة يقولون احترم الناس يحترموك واحتقر الناس يحتقروك يعني من رأى الناس بعين الاحتقار رأوه بعين الاحتقار ومن رآهم بعين الإكبار والإجلال رأوه بعين الإكبار والإجلال وهذا شيء مشاهد ولهذا تجد الرجل المتواضع اللين الهين محترما عند الناس كلهم لا أحد يكرهه ولا أحد يسبه والإنسان الشامخ بأنه المستكبر المحتقر لغيره تجده مكروها مذموما عند الناس ولولا حاجة الناس إليه إذا كانوا يحتاجون إليه ما كلمه أحد لأنهم يحتقرونه ثم قال عليه الصلاة والسلام التقوى هاهنا أشار إلى صدره ثلاث مرات يعني أن التقوى في القلب فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح وإذا لم يتق القلب لم تتق الجوارح وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب فإذا كان في قلب الإنسان تقوى لله عز وجل وخوف منه وخشية له استقامت أعماله الظاهرة لأن الأعمال الظاهرة تتبع القلب وقد مثل بعض العلماء ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه القلب بالملك المطاع مع جنوده فالملك المطاع مع جنوده إذا أمرهم بشيء أطاعوه ولكن بعض العلماء قال: إن هذا المثال أنقص من قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلحت صلح الجسد كله وذلك لأن الملك مع جنوده وإن كان مطاعا فإنهم لا يصلحون بصلاحه لكن القلب إذا صلح صلح الجسد وإذا اتقى اتقى الجسد واعلم أن من الناس من يجادل بالباطل بهذا الحديث فإذا أمرته بمعروف أو نهيته عن منكر قال التقوى هاهنا تقول له لا تحلق لحيتك فحلق اللحية حرام وحلق اللحية من هدي المجوس والمشركين وإعفاء اللحية من هدي النبيين والمرسلين وأولياء الله الصالحين إذا قلت له هذا قال التقوى هاهنا التقوى هاهنا نقول له كذبت وإنه ليس في قلبك تقوى لو كان في قلبك تقوى لاتقيت الله لأن القلب إذا اتقى اتقت الجوارح وإذا انهمك في معصية الله انهمكت الجوارح وفي قوله التقوى هاهنا وإشارته إلى صدره دليل على أن العقل في القلب الذي في الصدر وهذا هو المطابق للقرآن تماما قال الله تعالى أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور فقال { قلوب يعقلون بها } ثم قال: { ولكن تعمي القلوب التي في الصدور } وليس القلب هو المخ كما يظنه بعض الجهال فالعقل في القلب ولكن المخ لا شك أن له أثرا في أعمال العبد في حركاته وفي سكناته لكنهم قالوا إن المخ مثل الخادم يهيئ الأشياء ويطبخها ثم يبعث بها إلى القلب ثم يصدر القلب الأوامر على المخ من أجل أن المخ يدبر الأعصاب وبقية الجسم فيكون هذا المخ خادما للقلب عند تصدير الأشياء إليه واستصدارها منه فالأشياء تمر من القلب ذاهبة وآتية إلى المخ والمخ هو الذي يحرك البدن ولذلك إذا اختل المخ اختل كل شيء ثم قال صلى الله عليه وسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه كل المسلم على المسلم حرام دمه فلا يعتدي على المسلم بقتل أو جرح أو غير ذلك وماله فلا يؤخذ ماله لا غصبا ولا سرقة ولا خيانة ولا دعوى ما ليس له ولا غير ذلك بأي طريق فلا يحل لك أن تأخذ مال أخيك بغير حق فإنه حرام عليك وعرضه بأن لا تنتهك عرضه وتتكلم فيه بين الناس سواء كنت صادقا فيما تقول أو كاذبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الغيبة فقال: ذكرك أخاك بما يكره قالوا: يا رسول الله أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته فالواجب على المسلم أن يحترم أخاه في ماله وعرضه ودمه كما قال صلى الله عليه وسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه
235 -