222 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه .
متفق عليه .
الشَّرْحُ
سبق ذكر عدة آيات في بيان تعظيم حرمات المسلمين، والرفق بهم والإحسان إليهم ومن جملة الآيات التي فيها بيان تعظيم حرمة المسلم قوله تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، بين الله في هذه الآية أن من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ؛ لأن حرمة المسلمين واحدة، ومن انتهك حرمة شخص من المسلمين، فكأنما انتهك حرمة جميع المسلمين، كما أن من كذب رسولاً واحداً من الرسل، فكأنما كذب جميع الرسل، ولهذا اقرأ قوله تعالى: { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ }، مع أنهم لم يكذبوا إلا واحداً، فإنه، لم يبعث رسول قبل نوح، وما بعد نوح لم يدركه قومه، لكن من كذب رسولاً واحداً فكأنما كذب جميع الرسل، ومن قتل نفساً محرمة، فكأنما قتل الناس جميعاً ؛ لأن حرمة المسلمين واحدة، ومن أحياها - أي سعى في إحيائها وإنقاذها من هلكة - فكأنما أحيا الناس جميعاً .
وإحياؤها وإنقاذها من الهلكة تارة يكون من هلكة لا قبل للإنسان بها فتكون من الله، مثل أن يشب حريق في بيت رجل، فتحاول إنقاذه، فهذا إحياء للنفس، وأما القسم الثاني: فهو ما للإنسان فيه قبل، مثل أن يحاول رجل العدوان على شخص ليقتله، فتحول بينه وبينه وتحميه من القتل، فأنت الآن أحييت نفساً، ومن فعل ذلك فكأنما أحيا الناس جميعاً ؛ لأن إحياء شخص مسلم كإحياء جميع الناس .
وقوله عز وجل: { بِغَيْرِ نَفْسٍ } يستفاد منه أن من قتل نفساً بنفس فهو معذور ولا حرج عليه، قال الله تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ }، فإذا قتل شخصاً بحق أي بنفس أخرى فلا لوم عليه ولا إثم، ويرث القاتل من المقتول إذا قتله بحق، ولا يرث القاتل من المقتول إذا قتله بغير حق .
ولنضرب لهذا مثلاً بثلاثة إخوة قتل الكبير منهم الصغير عمداً فالذي يرث الصغير أخوه الأوسط، وأخوه الكبير لا يرثه لأنه قتله بغير حق، ثم طالب الأوسط بدم أخيه الصغير فقتل أخاه الكبير قصاصا فهل يرث الأوسط من أخيه الكبير وهو قاتله ؟ نعم يرث لأنه قتله بحق والكبير الذي قتل الصغير لا يرث لأنه قتله بغير حق .
فالقتل بحق لا لوم فيه وليس له أثر لأنه قصاص والله تعالى يقول { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .
وقوله عز وجل { أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ } والفساد في الأرض ليس معناه أن يسلط الإنسان الحفار فيهدم بيتا ولو كان ذلك بغير حق فهذا وإن كان فسادا لكن لا يحل به دم مسلم الفساد في الأرض إنما يكون بنشر الأفكار السيئة أو العقائد الخبيثة أو قطع الطريق أو ترويج المخدرات أو ما أشبه ذلك هذا هو الفساد في الأرض فمن أفسد في الأرض على هذا الوجه فدمه هدر حلال يقتل لأنه ساع في الأرض بالفساد .
بل إن الله قال في نفس السورة { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } .
على حسب جريمتهم إن كانت كبيرة فبالقتل وإن كانت دونها فبالصلب وإن كانت دونها فتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وإن كان دون ذلك فينفوا من الأرض إما بالحبس مدى الحياة كما قال بذلك بعض أهل العلم وإما بالطرد عن المدن كما قاله آخرون لكن إذا كان لا يندفع شرهم بطردهم من المدن حبسوا إلى الموت .
فالحاصل أن من قتل نفسا لإفسادها في الأرض فلا لوم عليه بل إن قتل النفس التي تسعى للإفساد واجب وقتل النفس بالنفس مباح إلا على رأي الإمام مالك - رحمه الله - وشيخ الإسلام ابن تيمية فإن قتل الغيلة واجب فيه القصاص يعني من غافل شخصا فقتله فإنه يقتل حتى ولو عفا أولياء المقتول لأن الغيلة شر وفساد ولا يمكن التخلص منها .
مثلا يجئ إنسان لشخص أثناء نومه فيقتله فهذا يقتل على كل حال حتى ولو قال أولياء المقتول عفونا عنه ولا نبغي شيئا هذا رأى الإمام مالك وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهو القول الحق أنه إذا قتل إنسان غيلة فلابد من قتل القاتل ولا خيار لأولياء المقتول في ذلك فالحاصل أن الله بين في هذه الآية أن قتل نفس واحدة بغير نفس أو فساد في الأرض كقتل جميع الناس وإحياء نفس واحدة كإحياء جميع الناس وهذا يدل على عظم القتل ولو أن إنسانا أحصى كم قتل من بني آدم بغير حق لم يقدر ومع ذلك فكل نفس تقتل فعلى ابن آدم الأول الذي قتل أخاه كفل منها وعليه من إثمه نصيب وابن آدم الذي قتل أخاه قتله حسدا حيث كان أول ما جاء آدم من الأبناء اثنين من بني آدم أول ما جاء آدم من الأبناء في أول بطن وقد قربا قربانا قربة إلى الله فتقبل الله من واحد ولم يتقبل من الآخر فقال الثاني الذي لم يتقبل الله منه لأخيه لأقتلنك لماذا يتقبل اله منك ولا يتقبل مني حسده على فضل الله تعالى عليه فقال له ربه { إنما يتقبل الله من المتقين } يعني اتق الله ويقبل الله منك لكن من توعد أخاه بالقتل فليس بمتق لله في النهاية قتله والعياذ بالله { فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين } خسر والعياذ بالله بهذه الفعلة الشنيعة التي أقدم عليها ويقال إنه بقي يحمل أخاه الذي قتله أربعين يوما على ظهره ما يدري ماذا يفعل به لأن القبور ما عرفت في ذلك الوقت فبعث الله غرابا يبحث في الأرض يعني بأظافره ليريه كيف يواري سوءة أخيه وقيل إن غرابين اقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر أحدهما للثاني فدفنه فاقتدى به هذا القاتل ودفن أخاه وهذا من العجائب أن تكون الغربان هي التي علمت بني آدم الدفن فالحاصل أن كل نفس تقتل بغير حق فعلى القاتل الأول من إثمها نصيب والعياذ بالله وهكذا أيضا من سن القتل بعد أمن الناس وصار يغتال الناس وما أشبه ذلك وتجرأ الناس على هذا من أجل فعله فإن عليه من الإثم نصيبا لأنه هو الذي كان سببا في هذا ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من دعاة الخير وفاعليه إنه جواد كريم
223 -