199 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان متفق عليه وفي رواية وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم الآية يعني العلامة كما قال تعالى أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يعني أو لم يكن لهم علامة على صدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وصحة شريعته وأن هذا القرآن حق { أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ } ويعلمون أنه هو الذي بشر به عيسى عليه الصلاة والسلام وكذلك قوله تعالى { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } آية يعني علامة فعلامة المنافق ثلاث والمنافق هو الذي يسر الشر ويظهر الخير ومن ذلك أن يسر الكفر ويظهر الإسلام وأصله مأخوذ من نافقاء اليربوع اليربوع أو الذي نسميه الجربوع يحفر له جحرا في الأرض ويفتح له بابا ثم يحفر في أقصى الحجر خرقا للخروج لكنه خرق خفي لا يعلم به بحيث إذا حجره أحد من عند الباب ضرب هذا الخرق الذي في الأسفل برأسه هرب منه فالمنافق يظهر الخير ويبطن الشر يظهر الإسلام ويبطن الكفر وقد برز النفاق في عهد النبي بعد غزوة بدر لما قتل صناديد قريش في بدر وصارت الغلبة وللمسلمين ظهر النفاق فأظهر هؤلاء المنافقون أنهم مسلمون وهم كفار كما قال تعالى { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } قال الله تعالى { اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } وقال عنهم أيضا { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ } يوكدون كلامهم بالشهادة و بإن و اللام فقال الله تعالى { وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } فشهد شهادة أقوى منها بأنهم لكاذبون في قولهم نشهد إنك لرسول الله لا في أن محمدا رسول الله ولهذا استدرك فقال { وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } المنافق له علامات يعرفها الذي أعطاه الله فراسة ونورا في قلبه يعرف المنافق من تتبع أحواله وهناك علامات ظاهرة ما تحتاج إلى فراسة منها هذه الثلاث التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدث كذب يقول مثلا فلان فعل كذا وكذا فإذا بحثت وجدته كذب وهذا الشخص لم يفعل شيئا فإذا رأيت الإنسان يكذب فاعلم أن في قلبه شعبة من النفاق الثاني إذا وعد أخلف يعك ولكن يخلف يقول لك مثلا سآتي إليك في الساعة السابعة صباحا ولكن لا يأتي أو يقول سآتي إليك غدا بعد صلاة الظهر ولكن ما يأتي يقول أعطيك كذا وكذا وما يعطيك فهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا وعد أخلف والمؤمن إذا وعد وفي كما قال الله تعالى { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا } لكن المنافق يعدك ويغرك فإذا وجدت الرجل يغدر كثيرا بما يعد ولا يفي فاعلم أن في قلبه شعبة من النفاق والعياذ بالله الثالث إذا ائتمن خان وهذا الشاهد من هذا الحديث بالباب فالمنافق إذا ائتمنته على مال خانك وإذا ائتمنته على سر بينك وبينه خانك وإذا ائتمنته على أهلك خانك وإذا ائتمنته بيع أو شراء خانك كلما ائتمنته على شيء يخونك والعياذ بالله يدل ذلك على أن في قلبه شعبة من النفاق وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر لأمرين الأمر الأول أن نحذر من هذه الصفات الذميمة لأنها من علامات النفاق ويخشى أن يكون هذا النفاق العملي مؤديا إلى نفاق في الاعتقاد والعياذ بالله فيكون الإنسان منافقا نفقا اعتقاديا فيخرج من الإسلام وهو لا يشعر فأخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام لنحذر من ذلك الأمر الثاني لنحذر من يتصف بهذه الصفات ونعلم أنه منافق يخدعنا ويلعب بنا ويغرنا بحلاوة لفظه وحسن قوله إذن عكس ذلك يكون من علامات الإيمان فالمؤمن إذا وعد أوفى المؤمن إذا ائتمن أدى الأمانة على وجهها هذا هو المؤمن وكذلك إذا حدث كان صادقا في حديثه مخبرا بما هو الواقع فعلا ومن الأسف فإن قوما من السفهاء عندنا إذا وعدته بوعد يقول وعد إنجليزي أم وعد عربي يعني أن الإنجليز هم الذين يوفون بالوعد هذا بلا شك أنه سفه وغرور بهؤلاء الكفرة الإنجليز فيهم مسلمون ومؤمنون ولكن جملتهم كفار ووفاؤهم بالوعد لا يبتغون به وجه الله لكن يبتغون به أن يحسنوا صورتهم عند الناس ليغتر الناس بهم المؤمن في الحقيقة هو الذي يفي تماما ولهذا إذا أردت أن تتأكد فقل لصاحبك تعدني وعد مؤمن أم وعد منافق ؟ هذا هو الصواب فمن أوفى بالوعد فهو مؤمن ومن أخلف الوعد كان فيه من خصال النفاق
200 -