باب فيمن سن سنة حسنة أو سيئة
قال الله تعالى { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } وقال تعالى { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا }
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى هذا الباب للتحذير من البدع وليبين أن من الأشياء ما يكون أصله ثابتا فإذا فعله الإنسان وكان أول من يفعله كان كمن سنه وصار له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة وقد سبق لنا أن الدين الإسلامي ولله الحمد كامل لا يحتاج إلى تكميل ولا إلى بدع لأن الله تعالى قال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ثم استشهد المؤلف بآيتين من كتاب الله أولاهما قوله تعالى { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } هذا من جملة ما يدعو به عباد الرحمن الذين ذكر الله أوصافهم في آخر سورة الفرقان { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا } إلى أن قال { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } { هب لنا } يعني أعطنا والأزواج جمع زوج وهو صالح للذكر والأنثى فالزوجة تسمى زوجا والزوج الذكر يسمى زوجا ولهذا تجدون في الأحاديث ويمر بكم وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهذه هي اللغة الفصحى أن المرأة تسمى زوجا لكن أهل الفرائض رحمهم الله جعلوا للرجل زوج وللمرأة زوجة من أجل التفريق عند قسمة المواريث أما في اللغة العربية فالزوج صالح للذكر والأنثى .
فهذا الدعاء { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } كما هو صالح للرجال صالح للنساء أيضا و { قرة أعين } في المرأة أنك إذا نظرت إليها سرتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك وفي ولدك وإذا بحثت عنها وجدتها قانتة لله { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ } فهذه تسر زوجها وكذلك أيضا الذرية إذا جعلهم الله تعالى قرة عين للإنسان يطيعونه إذا أمر وينتهون عما نهاهم عنه ويسرونه في كل مناسبة ويصلحون فهذا من قرة الأعين للمتقين والجملة الأخيرة { واجعلنا للمتقين إماما } هي الشاهد لهذا الباب يعني اجعلنا للمتقين أئمة يقتدي بنا المتقون في أفعالنا وأقوالنا فيما نفعل وفيما نترك فإن المؤمن ولا سيما أهل العلم يقتدى بهم بأقوالهم وأفعالهم ولهذا تجد العامة إذا أمرتهم بشيء أو نهيتهم عن شيء قالوا هذا فلان يفعل كذا وكذا ممن جعلوه إماما لهم والأئمة تشمل الأئمة في الدين الذي هو العبادة الخاصة بالإنسان والأئمة في الدعوة وفي التعليم وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من شعائر الدين وشرائعه اجعلنا للمتقين إماما في كل شيء أما الآية الثانية فقال تعالى { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } أي صيرناهم أئمة علما يهدون الناس أي يدلونهم على دين الله بأمر الله عز وجل ولكن ليت المؤلف ذكر آخر الآية لأن الله بين أنه جعلهم أئمة بسبب { يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } لما صبروا على طاعة الله وصبروا عن معصية الله وصبروا على أقدار الله صبروا على طاعة الله ففعلوا ما أمر وصبروا عن معصية الله فتركوا ما نهى عنه وصبروا على أقدار الله التي تأتيهم من أجل دعوتهم إلى الحق وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر لأن الإنسان إذا نصب نفسه داعية للحق آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر فلابد أن يصيبه من الأذى ما يصيبه لأن أكثر الذين يكرهون الحق سوف يكونون أعداء له فليصبر وكذلك أقدار الله التي تأتي بدون هذا أيضا يصبرون عليها { لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } يوقنون بما أخبر الله به ويوقنون بالجزاء الذي يحصل لهم في فعل الأوامر وترك النواهي وفي الدعوة إلى الله وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي أنهم يعملون وهم يوقنون بالجزاء وهذه نقطة ينبغي لنا أن ننتبه لها أن نعمل ونحن نوقن بالجزاء كثير من الناس يعملون يصلون ويصومون ويتصدقون بناء على أن هذا أمر الله وهذا طيب ولا شك أنه خير لكن ينبغي أن تدرك وأن تستحضر بأنك إنما تفعل هذا رجاء الثواب وخوف العقاب حتى تكون موقنا بالآخرة وقد أخذ شيخ الإسلام رحمه الله من هذه الآية عبارة طيبة فقال بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين أخذها من قوله تعالى { لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين أسأل الله أن يجعلني وإياكم أئمة في دين الله هداة لعباد الله مهتدين إنه جواد كريم
171 -