167 - وعن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبل الحجر يعني الأسود ويقول إني أعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك متفق عليه
الشَّرْحُ
هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في باب الأمر باتباع السنة وآدابها فقد كان رضي الله عنه يطوف بالبيت فقبل الحجر الأسود والحجر كما نعلم حجر من الأرض جعل في هذا الركن وشرع الله سبحانه وتعالى لعباده أن يقبلوه لكمال الذل والعبودية ولهذا قال عمر حين قبله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع وصدق رضي الله عنه فإن الأحجار لا تضر ولا تنفع الضرر والنفع بيد الله عز وجل كما قال تعالى قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لله ولكن بين رضي الله عنه أن تقبيله إياه لمجرد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فقال ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك يعني فأنا أقبلك اتباعا للسنة لا رجاء للنفع أو خوف الضرر ولكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ولهذا لا يشرع أن يقبل شيء من الكعبة المشرفة إلا الحجر الأسود فقط أما الركن اليماني فيستلم يعني يمسح ولا يقبل الحجر الأسود أفضل شيء أن يستلمه الإنسان ويقبله يمسحه بيده اليمنى ويقبله فإن لم يكن استلمه وقبل يده فإن لم يمكن أشار بشيء معه أو بيده ولكن لا يقبل ما أشار به لأن هذا الذي أشار به لم يمس الحجر حتى يقبله أما الركن اليماني فليس فيه إلا استلام فقط ويكون الاستلام باليد اليمنى ونرى بعض الجهال يستلم باليد اليسرى واليد اليسرى كما قال أهل العلم لا تستعمل إلا في الأذى في القذر والنجاسات وما أشبهها أما أن تعظم بها شعائر الله فلا لكن أكثر الناس جهال لا يدرون لماذا استلموا هذا الحجر ثم إن بقية الأركان الركن الشامي والعراقي يعني الشمالي الشرقي والشمالي الغربي هذان الركنان لا يقبلان ولا يمسحان وذلك لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم وذلك أن قريشا لما أرادوا بناء الكعبة قالوا لن نبنيها إلا بمال طيب لا نبنيها بأموال الربا - وانظر كيف عظم الله بيته حتى على أيدي الكفار فجمعوا المال الطيب فلم يكف لبنائها على قواعد إبراهيم ثم فكروا من أي جانب ينقصونها قالوا ننقصها من الشمال لأن الجانب اليماني الجنوبي فيه الحجر الأسود ولا يمكن أن ننقصها من جانب الحجر الأسود فنقصوها من هناك فلم تكن على قواعد إبراهيم ولذلك لم يقبل النبي عليه الصلاة والسلام ولم يمسح الركن الشمالي الشرقي ولا الركن الشمالي الغربي ولما طاف معاوية رضي الله عنه ذات سنة وكان معه عبد الله بن عباس رضي الله عنه جعل معاوية يمسح الأركان الأربعة الحجر الأسود والركن اليماني والشمالي والغربي فقال له ابن عباس كيف تمسح الركنين الشماليين والنبي عليه الصلاة والسلام لم يمسح إلا الركن اليماني والحجر الأسود فقال معاوية إنه ليس شيء من البيت مهجورا يعني البيت كله يحترم ويعظم فقال ابن عباس رضي الله عنهما وهو أفقه من معاوية قال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح إلا الركنين اليمانيين يعني ركن الحجر والركن اليماني فقال له معاوية صدقت ورجع إلى قوله لأن الخلفاء فيما سبق وإن كانوا كالملوك في الأبهة والعظمة لكنهم كانوا يرجعون إلى الحق ولهذا رجع معاوية رضي الله عنه إلى الحق وقال له صدقت وترك مسح الركنين الشمالي الشرقي والشمالي الغربي وفي هذا الحديث الذي ذكره المؤلف عن عمر رضي الله عنه دليل على جهالة أولئك القوم الذين نشاهدهم يقف أحدهم عند الركن اليماني فيمسح بيده ويكون معه طفل قد حمله فيمسح الطفل بيده يتبرك بالركن وكذلك لو تيسر له المسح على الحجر الأسود هذا لا شك أنه بدعة وأنه نوع من الشرك لأن هؤلاء جعلوا ما ليس سببا سببا والقاعدة أن كل أحد يجعل شيئا لشيء بدون إذن من الشارع فإنه يكون مبتدعا ولهذا يجب على من رأى أحدا يفعل هذا أن ينصحه يقول له هذا غير مشروع هذا بدعة حتى لا يظن الناس أن الأحجار تنفع أو تضر ثم تتعلق قلوبهم بها في شيء أكبر وأعظم من هذا المهم أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بين أنه لا يفعل ذلك إلا اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فإنه يعلم أنه لا يضر ولا ينفع وفي هذا دليل على أن كمال التعبد أن ينقاد الإنسان لله عز وجل سواء عرف السبب والحكمة في المشروعية أم لم يعرف فعلى المؤمن إذا قيل له افعل أن يقول سمعنا وأطعنا إن عرفت الحكمة فهو نور على نور وإن لم تعرف فالحكمة أمر الله ورسوله ولهذا قال الله في كتابه { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهم } وسئلت عائشة رضي الله عنها لماذا تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة كأنها رضي الله عنها تقول إن وظيفة المؤمن أن يعمل بالشرع سواء عرف الحكمة أم لم يعرفها وهذا هو الصواب
باب وجوب الانقياد لحكم الله تعالى 6 وما يقوله من دعى إلى ذلك وأمر بمعروف أو نهى عن منكر