143 - وعن أنس رضي الله عنه قال جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فأصلي الليل أبدا وقال الآخر وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر وقال الآخر وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ ! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني متفق عليه .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن عائشة رضي الله عنها في باب الاقتصاد في العبادة أن ثلاثة نفر جاءوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون زوجاته عن عمله الذي يعمله في بيته وذلك لأن عمل النبي صلى الله عليه وسلم إما ظاهر يعرفه الناس كلهم كالذي يفعله في المسجد أو في السوق أو مجتمعاته مع أصحابه فهذا ظاهر يعرفه غالب الصحابة الذين في المدينة وإما أن يكون سرا لا يعرفه إلا من في بيته أو من كانوا من خدمه مثل عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وغيرهما .
فجاء هؤلاء النفر الثلاثة إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألونهم كيف كانت عبادته في السر يعني في بيته فأخبروا بذلك فكأنهم تقالوها لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم ويفطر وكان يقوم ويرقد وكان يتزوج النساء عليه الصلاة والسلام ويستمتع بهن فكأنهم تقالوا هذا العمل لأن معهم نشاط رضي الله عنهم على حب الخير ولكن النشاط ليس مقياسا المقياس ما جاء به الشرع .
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنتم قلتم كذا وكذا قالوا نعم لأن أحدهم قال أصلي الليل ولا أرقد والثاني قال أصوم النهار أبدا ولا أفطر والثالث قال أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فأقروا على أنفسهم بأنهم قالوا ذلك .
ولا شك أن هذا الذي قالوا خلاف الشرع لأن هذا فيه إشقاقا على النفس وإتعابا لها يبقى الإنسان لا يرقد أبدا كل الدهر يصلي هذا لا شك أنه مشق على النفس ومتعب لها وأنه داع إلى الملل وبالتالي إلى كراهة العبادة لأن الإنسان إذا مل الشيء كرهه .
كذلك الذي قال أصوم أبدا يبقى صيفا وشتاء صائما هذا لا شك أنه مشقة .
والثالث قال أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا هذا أيضا يشق على الإنسان لا سيما الشباب يشق عليه أن يدع النكاح ثم إن التبتل وعدم النكاح منهي عنه قال عثمان بن مظعون كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا عن التبتل شديدا ولو أذن لنا لاختصينا .
والمهم أن هذه العبادة التي أرادها هؤلاء رضي الله عنهم كانت شاقة وهي خلاف السنة ولكن النبي عليه الصلاة والسلام سألهم واستقرهم هل قالوا ذلك ؟ قالوا نعم قال أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني يعني من رغب عن طريقتي واتخذ عبادة أشد فإنه ليس مني .
ففي هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يقتصد في العبادة بل ينبغي له أن يقتصد في جميع أموره لأنه إن قصر فاته خير كثير وإن شدد فإنه سوف يكل ويعجز ويرجع ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون في أعماله كلها مقتصدا .
ولهذا جاء في الحديث إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى والمنبت الذي يمشي ليلا ونهارا هذا لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى بل يتعب ظهره وبالتالي يتعب ويحسر ويقعد .
فالاقتصاد في العبادة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي لك أيها العبد أن تشق على نفسك وامش في أمورك رويدا رويدا وكما سبق في الحديث الذي قبل أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل فعليك بالراحة لا تقصر ولا تزد فإن خير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم جعلني الله وإياكم من متبعي هديه الذين يمشون على طريقته وسنته .