112 - فالأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة رواه البخاري .
قال العلماء معناه: لم يترك له عذراً إذ أمهله هذه المدة .
يقال: أعذر الرجل إذا بلغ الغاية في العذر .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعذر الله تعالى إلى امرئ آخر أجله حتى بلغ ستين سنة والمعنى أن الله عز وجل إذا عمر الإنسان حتى بلغ ستين سنة فقد أقام عليه الحجة ونفى عنه العذر، لأن ستين سنة يبقى الله الإنسان إليها، يعرف من آيات الله ما يعرف، ولاسيما إذا كان ناشئاً في بلد إسلامي، لا شك أن هذا يؤدي إلى قطع حجته إذا لاقي الله عز وجل، لأنه لا عذر له .
فلو أنه مثلاً قصر في عمره إلى خمس عشرة أو إلى عشرين سنة، لكان قد يكون له عذر في أنه لم يتمهل ولم يتدبر الآيات، ولكنه إذا أبقاه إلى ستين سنة، فإنه لا عذر له، قد قامت عليه الحجة، مع أن الحجة تقوم على الإنسان من حين أن يبلغ، فإنه يدخل في التكليف ولا يعذر بالجهل .
فإن الواجب على المرء أن يتعلم من شريعة الله ما يحتاج إليه، مثلاً: إذا أراد أن يتوضأ لابد أن يعرف كيف يتوضأ، إذا أراد أن يصلي لابد أن يعرف كيف يصلي، إذا صار عنده مال لابد أن يعرف ما مقدار النصاب، وما مقدار الواجب، وما أشبه ذلك، إذا أراد أن يصوم لابد أن يعرف كيف يصوم وما هي المفطرات، وإذا أراد أن يحج أو يعتمر يجب أن يعرف كيف يحج، وكيف يعتمر، وما هي محظورات الإحرام، إذا كان من الباعة الذين يبيعون ويشترون بالذهب مثلاً، لابد أن يعرف الربا، وأقسام الربا وما الواجب في بيع الذهب بالذهب، أو بيع الذهب بالفضة وهكذا، إذا كان ممن يبيع الطعام لابد أن يعرف كيف يبيع الطعام، ولابد أن يعرف ما هو الغش الذي يمكن أن يكون، وهكذا والمهم أن الإنسان إذا بلغ الستين سنة فقد قامت عليه الحجة التامة، وليس له عذر، وكل إنسان بحسبه، كل إنسان يجب عليه أن يتعلم من الشريعة ما يحتاج إليه، في الصلاة، والزكاة والصيام، والحج، والبيوع، والأوقاف وغيرها، حسب ما يحتاج إليه .
وفي هذا الحديث: دليل على أن الله سبحانه وتعالى له الحجة على عباده، وذلك أن الله أعطاهم عقولاً، وأعطاهم أفهاماً، وأرسل إليهم رسلاً، وجعل من الرسالات ما هو خالد إلى يوم القيامة وهي رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الرسالات السابقة محدودة، حيث إن كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، ومحدودة في الزمن، حيث إن كل رسول يأتي بنسخ ما قبله، إذا كانت الأمة التي أرسل إليها الرسولان واحدة .
أما هذه الأمة فقد أرسل الله إليها محمداً صلى الله عليه وسلم، وجعله خاتم الأنبياء، وجعل آيته العظيمة الباقية هذا القرآن العظيم، فإن آيات الأنبياء تموت بموتهم، ولا تبقى بعد موتهم إلا ذكرى .
أما محمد صلى الله عليه وسلم فإن آيته هذا القرآن العظيم باقية إلى يوم القيامة، كما قال تعالى: وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم فالكتاب كاف عن كل آية لمن تدبره، وتعقله، وعرف معانيه، وانتفع بأخباره، واتعظ بقصصه، فإنه يغني عن كل شيء من الآيات .
لكن الذي يجعلنا لا نحس بهذه الآيات العظيمة، أننا لا نقرأ القرآن على وجه نتدبره، ونتعظ بما فيه، كثير من المسلمين إن لم يكن أكثر المسلمين يتلون الكتاب للتبرك والأجر فقط .
ولكن الذي يجب أن يكون هو أن نقرأ القرآن لنتدبره ونتعظ بما فيه { كتاب أنزلناه إليك مبارك } هذا الأجر { ليدبروا آياته } هذه هي الثمرة { وليتذكر أولوا الألباب } .