95 - فالأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه رواه البخاري آدنته أعلمته بأني محارب له استعاذني روى بالنون وبالياء
الشَّرْحُ
نقل المؤلف ـ رحمه الله ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قال الله تعالى: من عادى لي وليا آذنته بالحرب المعاداة: هي المباعدة وهي ضد الموالاة والولي بينه الله عز وجل في قوله ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون هؤلاء هم أولياء الله { الذين آمنوا } أي: حققوا الإيمان في قلوبهم بكل ما يجب الإيمان به { وكانوا يتقون } أي حققوا العمل الصالح بجوارحهم فاتقوا جميع المحارم من ترك الواجبات أو فعل المحرمات فهم جمعوا بين صلاح الباطن بالإيمان وصلاح الظاهر بالتقوى هؤلاء هم أولياء الله وليست ولاية الله سبحانه وتعالى تأتي بالدعوى كما يفعله بعض الدجالين الذين يموهون على العامة بأنهم أولياء لله وهم أعداء والعياذ بالله فتجد في بعض البلاد الإسلامية أناسا يموهون للعامة يقولون نحن أولياء ثم يفعل من العبادات الظاهرة ما يموه به على العامة وهو من أعداء الله لكنه يتخذ من هذه الدعوة وسيله إلى جمع المال وإلى إكرام الناس له وإلى تقربهم إليه وما أشبه ذلك وعندنا ولله الحمد ضابط بينه الله عز وجل وتعريف جيد للأولياء { وكانوا يتقون } هؤلاء هم أولياء الله فالذي يعادي أولياء الله يقول الله عز وجل فقد آذنته بالحرب يعني أعلنت عله الحرب فالذي يعادي أولياء الله محارب لله عز وجل نسأل الله العافية ومن حارب الله فهو مهزوم مخذول لا تقوم له قائمة ثم قال سبحانه وتعالى ومن تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه يعني أن الله يقول ما تقرب إلي الإنسان بشيء أحب إلي مما افترضته عليه يعني أن الفرائض أحب إلى الله من النوافل فالصلوات الخمس مثلا أحب إلى الله من قيام الليل وأحب إلى الله من النوافل وصيام رمضان أحب إلى الله من صيام الإثنين والخميس والأيام الست من شوال وما أشبهها كل الفرائض أحب إلى الله من النوافل ووجه ذلك أن الفرائض وكدها الله عز وجل فألزم بها العباد وهذا دليل على شدة محبته لها عز وجل فلما كان يحبها شديدا ألزم بها العباد أما النوافل فالإنسان حر إن شاء تنفل وزاد خيرا وإن شاء لم يتنفل لكن الفرائض أحب إلى الله وأوكد والغريب أن الشيطان يأتي الناس فتجدهم في النوافل يحسنونها تماما تجده مثلا في صلاة الليل يخشع ولا يتحرك ولا يذهب قلبه يمينا ولا شمالا لكن إذا جاءت الفرائض فالحركة كثيرة والوساوس كثيرة والهواجس بعيدة وهذا من تزيين الشيطان فإذا كنت تزين النافلة فالفريضة أحق بالتزين فأحسن الفريضة لأنها أحب إلى الله عز وجل من النوافل وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه النوافل تقرب إلى الله وهي تكمل الفرائض فإذا أكثر الإنسان من النوافل مع قيامه بالفرائض نال محبة الله فيحبه الله وإذا أحبه فكما يقول الله عز وجل كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها يعني أنه يكون مسددا له في هذه الأعضاء الأربعة في السمع: يسدده في سمعه فلا يسمع إلا ما يرضي الله وما فيه الخير والصلاة ويعرض عما يغضب الله فلا يستمع إليه ويكون ممن إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم كذلك أيضا بصره: فلا ينظر إلا ما يحب الله النظر إليه ولا ينظر إلى المحرم ولا ينظر نظرا محرما ويده فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله لأن الله يسدده وكذلك رجله فلا يمشي إلا إلى ما يرضي الله فلا يسعى إلا ما فيه الخير وهذا معنى قوله كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها أي أنه تعالى يسدد عبده هذا في سمعه وبصره وبطشه ومشيه فإذا كان الله سبحانه وتعالى مسددا له في هذه الأشياء كان موفقا مغتنما لأوقاته منتهزا لفرصه وليس المعنى أن الله يكون نفس السمع ونفس البصر ونفس اليد ونفس الرجل ـ حاش لله ـ فهذا محال فإن هذه أعضاء وأبعاد لشخص مخلوق لا يمكن أن تكون هي الخالق ولأن الله تعالى أثبت في هذا الحديث في قوله ولئن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه فأثبت سائلا ومسئولا وعائذا ومعوذا به وهذا غير هذا وفي قوله سبحانه وتعالى في هذا الحديث القدسي ولئن سألني أعطيته دليل على أن هذا الوالي الذي تقرب إلى الله تعالى بالفرائض ثم بالنوافل إذا سأل الله أعطاه فكان مجاب الدعوة وهذا الإطلاق يقيد بالأحاديث الأخرى الدالة على أنه يعطي السائل سؤاله ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم فإن سأل إثما فإنه لا يجاب لكن الغالب أن الولي لا يسأل الإثم لأن الولي هو المؤمن التقي والمؤمن التقي لا يسأل إثما ولا قطيعة رحم ولئن استعاذني لأعيذنه يعني لئن اعتصم بي ولجأ إلى من شر كل ذي شر لأعيذنه فيحصل له بإعطائه مسؤوله وإعاذته مما يتعوذ منه المطلوب ويزول عنه المرغوب وفي هذا الحديث عدة فوائد: أولا: إثبات الولاية لله عز وجل وولاية الله تعالى تنقسم على قسمين: ولاية عامة وهي السلطة على جميع العباد والتصرف فيهم بما أراد كل إنسان فإن الذي يتولى أموره وتدبيره وتصريفه هو الله عز وجل ومن ذلك قوله تبارك وتعالى { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } فهذه ولاية عامة تشمل جميع الخلق أما الولاية الخاصة: مثل قوله تعالى { والله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات } والولاية العامة تكون بغير سبب من الإنسان يتولى الله الإنسان شاء أم أبى وبغير سبب منه أما الولاية الخاصة فإنها تكون بسبب من الإنسان فهو الذي يتعرض لولاية الله حتى يكون الله وليا له { الذين آمنوا وكانوا يتقون } ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة أولياء الله وأن الله سبحانه وتعالى يعادي من عاداهم بل يكون حربا عليهم عز وجل ومن فوائد هذا الحديث: أن الأعمال الواجبة من صلاة وصدقة وصوم وحج وجهاد وعلم وغير ذلك أفضل من الأعمال المستحبة لأن الله تعالى قال ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضه عليه ومن فوائده: إثبات المحنة لله عز وجل وأن الله تعالى يحب الأعمال بعضها أكثر من بعض كما أنه يحب الأشخاص بعضهم أكثر من بعض فالله عز وجل يحب العاملين بطاعته ويحب الطاعة وتتفاوت محبته سبحانه وتعالى على حسب ما تقتضيه حكمته ومن فوائد هذا الحديث: أيضا أن الإنسان إذا تقرب إلى الله بالنوافل مع القيام بالواجبات فإنه يكون بذلك معافا في جميع أموره لقوله تعالى في هذا الحديث القدسي: وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ..
..
.
إلخ وفيه دليل أيضا على أن من أراد أن يحبه الله فالأمر سهل عليه إذا أسهله الله عليه يقوم بالواجبات ويكثر من التطوع بالعبادات فبذلك ينال محبة الله وينال ولاية الله ومن فوائد هذا الحديث: إثبات عطاء الله عز وجل وإجابة دعوته لوليه لقوله إن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه وأتى به المؤلف في باب المجاهدة لأن النفس تحتاج إلى جهاد في القيام بالواجبات ثم بفعل المستحبات نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته