91 - الخامس: عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفا يوم أحد فقال من يأخذ مني هذا ؟ فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا، أنا قال فمن يأخذه بحقه ؟ فأحجم القوم فقال أبو دجانة رضي الله عنه: أنا آخذه بحقه فأخذه ففلق به هام المشركين رواه مسلم اسم أبي دجانة: سماك بن خرشة ـ قوله: أحجم القوم أي: توقفوا و فلق به أي: شق هام المشركين أي رؤوسهم
الشَّرْحُ
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ تعالى فيما نقله عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ سيفا يوم أحد فقال من يأخذ هذا السيف ؟ فبسط القوم أيديهم كلهم يقول: أنا أنا أنا آخذه ثم قال صلى الله عليه وسلم: من يأخذه بحقه ؟ فأحجم القوم ولم يشر أحد منهم ليقول أنا آخذه حتى بادر أبو دجانة رضي الله عنه فقال: أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق به هام المشركين في هذا الحديث: يقول أنس إن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وغزوة أحد إحدى الغزوات الكبار التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وأحد جبل قرب المدينة وكان سبب الغزوة أن قريشا لما أصيبوا ببدر بقتل زعمائهم وكبرائهم أرادوا أن يأخذوا بالثأر من النبي صلى الله عليه وسلم فجاءوا إلى المدينة يريدون غزو الرسول صلى الله عليه وسلم فاستشار النبي أصحابه حين علم بقدومهم فأشار عليه بعضهم بالبقاء في المدينة وأنهم إذا دخلوا المدينة أمكن أن يرموهم بالنبل وهم متحصنون في البيوت وأشار بعضهم ولاسيما الشباب منهم والذين لم يحضروا غزوة بدر أشاروا أن يخرج إليهم فدخل النبي بيته ولبس لامته يعني لامة الحرب ثم خرج وأمر بالخروج إليهم في أحد فالتقوا في أحد وصف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه صفا مرتبا من أحسن ما يكون وجعل على الجبل الرماة الذين يحسنون الرمي بالنبل وهم خمسون رجلا وأمر عليهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه وقال لهم لا تبرحوا مكانكم ابقوا في مكانكم ابقوا في مكانكم سواء كانت لنا أو علينا فلما التقى الصفان انهزم المشركون وولوا الأدبار وصار المسلمون يجمعون الغنائم فقال الرماة الذين في الجبل: انزلوا نأخذ الغنائم ونجمعها فذكرهم أميرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم أن يبقوا في مكانهم سواء كانت للمسلمين أو عليهم ولكنهم رضي الله عنهم ظنوا أن الأمر قد انتهى لأنهم رأوا المشركين ولوا ولم يبق إلا نفر قليل فلما رأى فرسان قريش أن الجبل قد خلى من الرماة كروا على المسلمين من خلفهم ثم اختلطوا بالمسلمين فصار ما كان بقدر العزيز الحكيم جل وعلا واستشهد من المسلمين سبعون رجلا ومنهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسد الله وأسد رسوله فلما أصيب المسلمون بهذه المصيبة العظيمة قالوا: أنى هذا كيف نهزم ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جند الله وأولئك معهم الشياطين وهم جنود الشياطين ؟ فقال الله عز وجل أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم أنت السبب لأنكم عصيتم كما قال الله تعالى { حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون } يعني حصل ما تكرهون فحصل ما حصل لحكم عظيمة ذكرها الله عز وجل في سورة آل عمران وتكلم عليها الحافظ ابن القيم ـ رحمه الله ـ كلاما جيدا لم أر مثله في كتاب زاد المعاد في بيان الحكم العظيمة من هذه الغزوة المهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ سيفا فقال لأصحابه: من يأخذ مني هذا السيف ؟ كلهم قال: نأخذه، رفعوا أيديهم وبسطوها يقولون: أنا أنا فقال فمن يأخذه بحقه ؟ فأحجم القوم ما يعلمون ما حقه يخشون أن حقه يكون كبيرا جدا لا يستطيعون القيام به ويخشون أيضا أن يعجزوا عن القيام به فيكونون قد أخذوا هذا السيف على العهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يوفون به ولكن الله وفق أبا دجانة رضي الله عنه فقال: أنا آخذه بحقه فأخذه بحقه، وهو أن يضرب به حتى ينكسر أخذه بحقه رضي الله عنه وقاتل به وفلق به هام المشركين رضي الله عنه في هذا: دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يبادر بالخير وألا يتأخر، وأن يستعين الله عز وجل وهو إذا استعان الله وأحسن به الظن أعانه الله كثير من الناس ربما يستكثر العبادة أو يرى أنها عظيمة يستعظمها فينكص على عقبيه ولكن يقال للإنسان استعن بالله توكل على الله وإذا استعنت بالله وتوكلت عليه ودخلت فيما يرضيه عز وجل فأبشر بالخير وأن الله تعالى سيعينك كما قال الله تعالى { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } وفي هذا: دليل أيضا على حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته لأنه لم يخص بالسيف أحدا من الناس ولكنه جعل الأمر لعموم الناس وهكذا ينبغي للإنسان الذي استرعاه الله رعية ألا يحابي أحدا وألا يتصرف تصرفا يظن أنه محاب فيه لأنه إذا حابى أحدا أو تصرف تصرفا يظن أنه حابى فيه حصل من القوم فرقة وهذا يؤثر على الجماعة نعم لو امتاز أحد من الناس بميزة لا توجد في غيره ثم خصه الإنسان بشيء ولكنه يبين للجماعة أنه خصه لامتيازه بشيء لا يوجد فيهم فهذا لا بأس به