75 - الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت اللهم أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي الذي لا تموت والجن والإنس يموتون متفق عليه وهذا لفظ مسلم واختصره البخاري
76 - الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل رواه البخاري وفي رواية له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل
الشَّرْحُ
إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام هما خليلان لله عز وجل قال الله واتخذ الله إبراهيم خليلا وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا والخليل معناه الحبيب الذي بلغت محبته الغاية ولا نعلم أن أحدا وصف بهذا الوصف إلا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم فهما الخليلان وإنك تسمع أحيانا يقول بعض الناس: إبراهيم خليل الله ومحمد حبيب الله وموسى كليم الله والذي يقول: إن محمدا حبيب الله في كلامه نظر لأن الخلة أبلغ من المحبة فإذا قال محمد حبيب الله فهذا فيه نوع نقص من حق الرسول عليه الصلاة والسلام لأن أحباب الله كثيرون فالمؤمنون يحبهم الله والمحسنون والمقسطون يحبهم الله والأحباب كثيرون لكن الخلة لا نعلم أنها ثبتت إلا لمحمد وإبراهيم وعلى هذا فنقول: الصواب أن يقال: إبراهيم خليل الله ومحمد خليل الله وموسى كليم الله على أن محمدا قد كلمه الله سبحانه وتعالى بدون واسطة حيث عرج به إلى السماوات السبع هذه الكلمة: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حينما ألقي في النار وذلك أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأبوا وأصروا على الكفر والشرك فقام ذات يوم على أصنامهم فكسرها وجعلهم جذاذا إلا كبير لهم فلما رجعوا وجدوا آلهتهم قد كسرت فانتقموا والعياذ بالله لأنفسهم فقالوا: ماذا نصنع بإبراهيم ؟ { قالوا حرقوه } انتصارا لآلهتهم { وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين } فأوقدوا نارا عظيمة جدا ثم رموا إبراهيم في هذه النار ويقال: إنهم لعظم النار لم يتمكنوا من القرب منها وأنهم رموا إبراهيم فيها بالمنجنيق من بعد فلما رموه قال { حسبنا الله ونعم الوكيل } فما الذي حدث ؟ قال الله تعالى { قلنا يا نار كوني بردا وسلام على إبراهيم } بردا ضد حر وسلاما ضد هلاكا لأن النار حارة ومحرقة مهلكة فأمر الله هذه النار أن تكون بردا وسلاما عليه فكانت بردا وسلاما والمفسرون بعضهم ينقل عن بني إسرائيل في هذه القصة أن الله لما قال { يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم } صارت جميع نيران الدنيا بردا وهذا ليس بصحيح لأن الله وجه الخطاب إلى نار معينة { يا نار كوني بردا } وعلماء النحو يقولون: إنه إذا جاء التركيب على هذا الوجه صار نكرة مقصودة أي: لا يشمل كل نار هو للنار التي ألقي فيها إبراهيم فقط وهذا هو الصحيح وبقية نيران الدنيا بقيت على ما هي عليه وقال العلماء أيضا ولما قال: كوني بردا قرن ذلك بقوله: كوني سلاما لأنه لو اكتفى بقوله { بردا } لكانت بردا حتى تهلكه لأن كل شيء يمتثل لأمر الله عز وجل انظر إلى قوله تعالى { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها } فماذا قالتا ؟ { قالتا أتينا طائعين } منقادين لأمر الله أما الخليل الثاني الذي قال حسبنا الله ونعم الوكيل فهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين رجعوا من أحد قيل لهم: إن الناس قد جمعوا لكم يريدون أن يأتوا إلى المدينة ويقضوا عليكم فقالوا { حسبنا الله ونعم الوكيل } قال الله { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } فينبغي لكل إنسان رأى من الناس جمعا أو عدوانا عليه أن يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل فإذا قال هكذا كفاه الله شرهم كما كفى إبراهيم ومحمدا عليهما الصلاة والسلام فاجعل هذه الكلمة دائما على بالك إذا رأيت من الناس عدوانا عليك والله الموفق