73 - الخامس: عن أبي أمامة صدى بن عجلان الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أمواكم وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم رواه الترمذي في آخر كتاب الصلاة وقال حديث حسن صحيح
الشَّرْحُ
كانت خطب الرسول عليه الصلاة والسلام على قسمين: خطب راتبة وخطب عارضة فأما الراتبة فهي خطبة في الجمع والأعياد فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس في كل جمعة وفي كل عيد واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في خطبة صلاة الكسوف هل هي راتبة أو عارضة وسبب اختلافهم أن الكسوف لم يقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة ولما صلى قام فخطب الناس عليه الصلاة والسلام فذهب بعض العلماء إلى أنها من الخطب الراتبة وقال: إن الأصل أن ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم فهو ثابت مستقر ولم يقع الكسوف مرة آخرى فيترك النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة حتى نقول: إنها من الخطب العارضة وقال بعض العلماء: بل هي من الخطب العارضة التي إن كان لها ما يدعو إليها خطب وإلا فلا ولكن الأقرب أنها من الخطب الراتبة وأنه يسن للإنسان إذا صلى صلاة الكسوف أن يقوم فيخطب الناس ويذكرهم ويخوفهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم أما الخطب العارضة فهي التي يخطبها عند الحاجة إليها مثل خطبته صلى الله عليه وسلم حينما اشترط أهل بريرة وهي جارية اشترتها عائشة رضي الله عنها فاشترط أهلها أن يكون الولاء لهم ولكن عائشة رضي الله عنها لم تقبل بذلك فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال خذيها واشترطي لهم الولاء ثم قام فخطب الناس وأخبرهم أن الولاء لمن أعتق وكذلك خطبته حينما شفع أسامة بن زيد رضي الله عنه في المرأة المخزومية التي كانت تستعير المتاع فتجحده فأر النبي عليه الصلاة والسلام أن تقطع يدها فأهم قريشا شأنها فطلبوا من يشفع لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبوا من أسامة بن زيد رضي الله عنه أن يشفع فشفع ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب الناس وأخبرهم بأن الذي أهلك من كان قبلنا انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع أقاموا عليه الحد في حجة الوداع خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة وخطب يوم النحر ووعظ الناس وذكرهم وهذه خطبة من الخطب الرواتب التي يسن لقائد الحجيج أن يخطب الناس كما خطبهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان من جملة ما ذكر في خطبته في حجة الوداع أنه قال يا أيها الناس اتقوا ربكم وهذه كقوله تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس جميعا أن يتقوا ربهم الذي خلقهم وأمدهم بنعمه وأعدهم لقبول رسالاته فأمرهم أن يتقوا الله وقوله وصلوا خمسكم أي: صلوا الصلوات الخمس التي فرضها الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم وقوله وصوموا شهركم أي: شهر رمضان وقوله: وأدوا زكاة أموالكم أي: أعطوها مستحقيها ولا تبخلوا بها وقوله: وأطيعوا أمراءكم أي: من جعلهم الله أمراء عليكم وهذا يشمل أمراء المناطق والبلدان ويشمل الأمير العام أي: أمير الدولة كلها فإن الواجب على الرعية طاعتهم في غير معصية الله أما في معصية الله فلا تجوز طاعتهم ولو أمروا بذلك لأن طاعة المخلوق لا تقدم على طاعة الخالق جل وعلا ولهذا قال الله { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } فعطف طاعة ولاة الأمور على طاعة الله ورسوله وهذا يدل على أنها تابعة لأن المعطوف تابع للمعطوف عليه لا مستقل ولهذا تجد أن الله جل وعلا قال { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } فأتى بالفعل ليتبين بذلك أن طاعة النبي طاعة مستقلة أي: تجب طاعته استقلالا كما تجب طاعة الله ومع هذا فإن طاعته من طاعة الله واجبة إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بما يرضى الله أما غيره من ولاة الأمور فإنهم قد يأمرون بغير ما يرضي الله ولهذا جعل طاعتهم تابعة لطاعة الله ورسوله ولا يجوز للإنسان أن يعصى ولاة الأمور في غير معصية الله ويقول: إن هذا ليس بدين لأن بعض الجهال إذا نظمت ولاة الأمور أنظمة لا تخالف الشرع قال: لا يلزمني أن أقوم بهذه الأنظمة أنها ليست بشرع لأنها لا توجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله وهذا من جهله بل نقول: إن امتثال هذه الأنظمة موجود في كتاب الله وموجود في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام قال الله { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } وورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة أنه أمر بطاعة ولاة الأمور ومنها هذا الحديث لو كنا لا نطيع ولاة الأمور إلا بما أمر الله به ورسوله لم يكن للأمر بطاعتهم فائدة لأن طاعة الله ورسوله واجبة سواء أمر بها ولاة الأمور أم لم يأمروا بها فهذه الأمور التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من الأمور الهامة التي يجب على الإنسان أن يعتني بها وأن يتمثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها والله أعلم