35 - وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما ألا أريك امرأة من أهل الجنة فقلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله تعالى لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك فقالت أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها متفق عليه .
الشَّرْحُ
قوله ألا أريك امرأة من أهل الجنة يعرض عليه وذلك لأن أهل الجنة ينقسمون إلى قسمين قسم نشهد لهم بالجنة بأوصافهم وقسم نشهد لهم بالجنة بأعيانهم .
1 - أما الذين نشهد لهم بالجنة بأوصافهم فكل مؤمن لك متق فإننا نشهد له أنه من أهل الجنة .
كما قال الله سبحانه وتعالى في الجنة أعدت للمتقين وقال { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً } فكل مؤمن متق يعمل الصالحات فإننا نشهد أنه من أهل الجنة .
ولكن لا نقول هو فلان وفلان لأننا لا ندري ما يختم له ولا ندري هل باطنه كظاهره فلذلك لا نشهد له بعينه .
نقول مثلا إذا مات رجل مشهود له بالخير قلنا نرجوا أن يكون من أهل الجنة لكن ما نشهد أنه من أهل الجنة .
2 - قسم آخر نشهد له بعينه وهم الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم في الجنة مثل العشرة المبشرين بالجنة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وأبو عبيدة عامر بن الجراح والزبير بن العوام ومثل ثابت بن قيس بن شماس ومثل سعد بن معاذ رضي الله عنه ومثل عبد الله بن سلام ومثل بلال بن رباح وغيرهم ممن عينهم الرسول عليه الصلاة والسلام .
هؤلاء نشهد لهم بأعيانهم نقول نشهد بأن أبا بكر في الجنة ونشهد بأن عمر في الجنة وهكذا .
من ذلك هذه المرأة التي قال ابن عباس لتلميذه عطاء بن أبي رباح ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت بلى قال هذه المرأة السوداء امرأة سوداء لا قيمة لها في المجتمع كانت تصرع وتنكشف فأخبرت الرسول عليه الصلاة والسلام وسألته أن يدعو الله لها فقال لها إن شئت دعوت الله وإن شئت صبرت ولك الجنة قالت أصبر وإن كانت تتألم وتتأذى من الصرع لكنها صبرت من أجل أن تكون من أهل الجنة ولكنها قالت يا رسول الله إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا الله أن لا تتكشف فصارت تصرع ولا تتكشف .
والصرع نعوذ بالله منه نوعان 1 - صرع بسبب تشنج الأعصاب وهذا مرض عضوي يمكن أن يعالج من قبل الأطباء بإعطاء العقاقير التي تسكنه أو تزيله بالمرة 2 - وقسم آخر بسبب الشياطين والجن يتسلط الجني على الإنسي فيصرعه ويدخل فيه ويضرب به على الأرض ويغمى عليه من شدة الصرع ولا يحس ويتلبس الشيطان أو الجني بنفس الإنسان ويبدأ يتكلم على لسانه الذي يسمع الكلام يقول إن الذي يتكلم الإنسي ولكنه الجني ولهذا تجد في بعض كلامه الاختلاف لا يكون ككلامه وهو مستيقظ لأنه يتغير نطق الجني .
هذا النوع من الصرع نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه ومن غيره من الآفات هذا النوع علاجه بالقراءة من أهل العلم والخير أحياناً يخاطبهم الجني ويتكلم معهم ويبين السبب الذي جعله يصرع هذا الإنسي وأحياناً لا يتكلم وقد ثبت هذا أعني صرع الجني للإنسي بالقرآن والسنة والواقع .
ففي القرآن قال الله سبحانه { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } وهذا دليل على أن الشيطان يتخبط الإنسان من المس وهو الصرع .
وفي السنة روى الإمام أحمد في مسنده أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في سفر من أسفاره فمر بامرأة معها صبي يصرع فأتت به إلى النبي عليه الصلاة والسلام وخاطب الجني وتكلم معه وخرج الجني فأعطت أم الصبي الرسول صلى الله عليه وسلم هدية على ذلك وكان أهل العلم أيضا يخاطبون الجني في المصروع ويتكلمون معه ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ذكر ابن القيم وهو تلميذه أنه جيء إليه برجل مصروع فجعل يقرأ عليه ويخاطبه ويقول لها اتقي الله اخرجي - لأنها امرأة - فتقول له إني أريد هذا الرجل وأحبه فقال لها شيخ الإسلام لكنه لا يحبك اخرجي قالت إني أريد أن أحج به قال هو لا يريد أن تحجي به اخرجي فأبت فجعل يقرأ عليها ويضرب الرجل ضرباً عظيما حتى أن يد شيخ الإسلام أوجعته من شدة الضرب .
فقالت الجنية أنا أخرج كرامة للشيخ قال لا تخرجي كرامة لي اخرجي طاعة لله ورسوله فما زال بها حتى خرجت .
لما خرجت استيقظ الرجل فقال ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ قالوا سبحان الله أما أحسست بالضرب الذي كان يضربك أشد ما يكون قال ما أحسست بالضرب ولا أحسست بشيء والأمثل على هذا كثيرة .
هذا النوع من الصرع له علاج يدفعه وله علاج يرفعه .
فهو نوعان 1 - أما دفعه فبأن يحرص الإنسان على الأوراد الشرعية الصباحية والمسائية وهي معروفة في كتب أهل العلم منها آية الكرسي فإن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح .
ومنها سورة الإخلاص والفلق والناس ومنها أحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام فليحرص الإنسان عليها صباحاً ومساء فإن ذلك من أسباب دفع آذية الجن .
2 - وأما الرفع فهو إذا وقع بالإنسان فإنه يقرأ عليه آيات من القرآن فيها تخويف وتذكير واستعاذة بالله عز وجل حتى يخرج .
الشاهد من هذا الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه المرأة إن شئت صبرت ولك الجنة فقالت أصبر ففيه دليل على فضيلة الصبر وأنه سبب لدخول الجنة والله الموفق