4 - وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم المرض وفي رواية إلا شركوكم في الأجر رواه مسلم .
ورواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا، حبسهم العذر .
الشَّرْحُ
قوله: في غزاة أي في غزوة .
فمعنى الحديث أن الإنسان إذا نوى العمل الصالح ولكنه حبسه عنه حابس فإنه يكتب له الأجر، أجر ما نوى .
أما إذا كان يعمله في حال عدم العذر، أي لما كان قادراً كان يعمله ثم عجز عنه فيما بعد فإنه يكتب له أجر العمل كاملاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً .
فالمتمني للخير، الحريص عليه إن كان من عادته أنه كان يعمله ولكنه حبسه عنه حابس، كتب له أجره كاملاً .
فمثلاً: إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي مع الجماعة في المسجد ولكنه حبسه حابس كنوم أو مرض أو ما أشبه فإنه يكتب له أجر المصلي مع الجماعة تماماً من غير نقص .
وكذلك إذا كان من عادته أن يصلي تطوعاً ولكنه منعه منه مانع ولم يتمكن منه فإنه يكتب له أجره كاملاً، وغيره من الأمثلة الكثيرة .
أما إذا كان ليس من عادته أن يفعله فإنه يكتب له أجر النية فقط دون أجر العمل .
ودليله: أن فقراء الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله سبقنا أهل الدثور بالأجور والنعيم المقيم - يعني أن أهل الأموال سبقوهم بالصدقة والعتق - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد إلا من عمل مثل ما عملتم فقال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ففعلوا فعلم الأغنياء بذلك ففعلوا مثلما فعلوا .
فجاء الفقراء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولم يقل لهم إنكم قد أدركتم أجر عملهم لكن لاشك أن لهم أجر نية العمل .
ولهذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فيمن آتاه الله مالاً فجعل ينفقه في سبل الخير وكان رجل فقير يقول لو أن لي مال فلان لعملت فيه عمل فلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فهو بنيته فهما في الأجر سواء .
أي: سواء في أجر النية أما العمل فإنه لا يكتب له أجره إلا إن كان من عادته أن يعمله .
وفي هذا الحديث: إشارة إلى أن من خرج في سبيل الله في الغزو والجهاد، فإنه له أجر ممشاه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً ولا شعباً إلا وهم معكم .
ويدل لهذا قوله تعالى: ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين، ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ونظير هذا: أن الرجل إذا توضأ في بيته فأسبغ الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة فإنه لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة .
وهذا من فضل الله عز وجل أن تكون وسائل العمل فيها هذا الأجر الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم والله الموفق .
اه