وحين تتأمل حال هذه الأمة تجد كأن الله تعالى يُعدها لحمل رسالة الإسلام،فهي أمة فصاحة وبيان وتجيد الكرّ والفر، وهي أمة بدوية بيوتهم على ظهور الدواب
فهي أمة حرب وقتال ،
تعلم فنون الحرب والقتال
وتجيد الكرّ والفر،
وهي أمة بدوية لا تستقر في مكان،
بل بيوتهم على ظهور الدواب،
وهي أمة بدوية لا تستقر في مكان
سورة محمد الايات 31 - 38
تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي
يقول الله لهم { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ... } [محمد: 31]
الكلام هنا للمؤمنين
الذين آمنوا بالله وصدَّقوا برسول الله،
يقول الله لهم { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ... } [محمد: 31] نختبركم ونمتحنكم بالشدائد والمشاق.
{ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ
وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } [محمد: 31]
لنعرف مَنْ يثبت مع البلاء
ممنْ هو في شكٍّ وتردد،
يريد الله أنْ يمحص المؤمنين،
وأنْ يختبر قوة إيمانهم
وصبرهم وتحملهم للمشاق،
فعلى أكتاف هؤلاء ستقوم الدعوة
وهي دعوة عالمية
لا يصمد لها إلا راسخُ الإيمان ثابت العقيدة
لا يتزعزع على حد قول القائل:
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقتَلُ مُسْلِماً
عَلَى أيِّ جَنْبٍ كَانَ في اللهِ مَصْرَعِي
هؤلاء الذين حرصوا على الموت
حرْصَ غيرهم على الحياة،
فأعطاهم الله منزلة الشهادة
وبرّأهم من الموت بعد أنْ ضحوا بأرواحهم
في سبيله،
ووصل حياتهم في الدنيا بحياتهم في الآخرة.
وقوله: { وَٱلصَّابِرِينَ... } [محمد: 31]
أي: على المشاق
مشاق الدعوة ومشاق التكليف،
وحين تتأمل حال هذه الأمة قبل الإسلام
تجد كأن الله تعالى يُعدها لحمل رسالة الإسلام،
أمة يُعدها الله تعالى لحمل رسالة الإسلام،
أمة فصاحة وبيان
فهي أمة حرب وقتال ،
تعلم فنون الحرب والقتال
وتجيد الكرّ والفر،
وهي أمة بدوية لا تستقر في مكان،
بل بيوتهم على ظهور الدواب،
بيوتهم على ظهور الدواب،
وهي أمة أمية
ليس لها نظام ولا قانون ولا منهج حياة.
كل هذا أهَّلها لأن تحمل دعوة الحق
أهَّلها لأن تحمل دعوة الحق إلى الدنيا كلها،
، تحارب الباطل وتفقه الناس في دين الله،
قال سبحانه وتعالى:
{ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ
فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ... }
[التوبة: 122].
إذن: الإسلام في صراعه مع أعدائه
يحتاج إلى قوتين للجهاد:
قوة تجاهد لحفظ الكلمة،
وقوة تجاهد لإثبات صدق الكلمة،
لذلك كان الاختبار والابتلاء ضرورة،
والاختبار { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ... } [محمد: 31]
لا يُمدح ولا يُذم لذاته
إنما بحسب نتيجته،
فالذي يدخل الاختبار وينجح نمدحه
والذي يفشل نذمه.
وقوله: { حَتَّىٰ نَعْلَمَ... } [محمد: 31]
الله يقول ذلك وهو يعلم،
إذن: المراد نعلم علم الواقع بالفعل
ليكون الواقع حجة على صاحبه،
حتى لا يقول لو دخلت الاختبار لنجحت.
وكلمة { وَٱلصَّابِرِينَ... } [محمد: 31]
دلتْ على أن في التكاليف مشقة
وتضييقاً على النفس،
لذلك بعض الناس يتحملها ويصبر،
وبعضهم يضيق بها ويجزع.
قال تعالى:
{ وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ... }
[النحل: 127]
فالله هو الذي يعينك على الصبر
بأن يبين لك عقبته الحميدة.
وقال سبحانه:
{ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ }
[العصر: 3
] تواصوا يعني يُوصي كلٌّ منكم الآخر به،
لأن الإنسان مرة يصبر ويتحمل،
ومرة يضعف ويجزع،
فمرة توصيني ومرة أوصيك،
وكلمة الوصية بلفظها
لا تكون إلا في الشيء الغالي الثمين
الذي يستحق الاهتمام،
ويستحق أنْ نحرص عليه.
في ظلال القرآن الكريم
===
عودة للآيات
البقرة
من الاية 155 الى الاية 157
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ
قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156)
أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
القوم منهم " ] [ أخرجه أبو داود ] .
فقد كره له [ ص ]
أن يفخر بصفة غير صفة النصر للنبي [ ص ]
, وأن يحارب تحت شارة
إلا شارة النصر لهذا الدين . .
وهذا هو الجهاد .
وفيه وحده تكون الشهادة ,
وتكون الحياة للشهداء .
الدرس الثالث:155 – 157
الصبر على أنواع البلاء
ثم يمضي السياق في التعبئة
لمواجهة الأحداث ,
وفي تقويم التصور لحقيقة الأحداث:
(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع
ونقص من الأموال والأنفس والثمرات .
وبشر الصابرين
الذين إذا أصابتهم مصي
بة قالوا:إنا لله وإنا إليه راجعون). .
ولا بد من تربية النفوس بالبلاء , ومن امتحان التصميم على معركة الحق
بالمخاوف والشدائد ,
وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات
لا بد من هذا البلاء
ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة ,
كي تعز على نفوسهم
بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف .
والعقائد الرخيصة
التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها
لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى .
فالتكاليف هنا
هي الثمن النفسي
الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها
قبل أن تعز في نفوس الآخرين .
وكلما تألموا في سبيلها ,
وكلما بذلوا من أجلها . .
كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها .
كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها
إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها
وصبرهم على بلائها . .
إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم
:لو لم يكن ما عند هؤلاء
من العقيدة خيرا مما يبتلون به وأكبر
ما قبلوا هذا البلاء , ولا صبروا عليه .
. وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة
باحثين عنها ,
مقدرين لها ,
مندفعين إليها . .
وعندئذ يجيء نصر الله والفتح
ويدخل الناس في دين الله أفواجا . .
ولا بد من البلاء
كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى .
فالشدائد تستجيش مكنون القوى
ومذخور الطاقة ;
وتفتح في القلب منافذ ومسارب
ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه
إلا تحت مطارق الشدائد .
والقيم والموازين والتصورات
ما كانت لتصح وتدق وتستقيم
إلا في جو المحنة
التي تزيل الغبش عن العيون ,
والران عن القلوب .
وأهم من هذا كله ,
أو القاعدة لهذا كله . .
الالتجاء إلى الله وحده
حين تهتز الأسناد كلها ,
وتتوارى الأوهام وهي شتى ,
ويخلو القلب إلى الله وحده .
لا يجد سندا إلا سنده .
وفي هذه اللحظة فقط
تنجلي الغشاوات , وتتفتح البصيرة ,
وينجلي الأفق على مد البصر . .
لا شيء إلا الله . .
لا قوة إلا قوته . .
لا حول إلا حوله . .
لا إرادة إلا إرادته . .
لا ملجأ إلا إليه . .
وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة
التي يقوم عليها تصور صحيح . .
والنص القرآني هنا
يصل بالنفس إلى هذه النقطة على الأفق:
(وبشر الصابرين .
الذين إذا أصابتهم مصيبة
قالوا:إنا لله وإنا إليه راجعون). .
إنا لله . . كلنا . .
كل ما فينا . .
كل كياننا وذاتيتنا . . لله . .
وإليه المرجع والمآب
في كل أمر وفي كل مصير . .
التسليم . . التسليم المطلق . .
تسليم الالتجاء الأخير المنبثق
من الالتقاء وجها لوجه بالحقيقة الوحيدة ,
وبالتصور الصحيح .
هؤلاء هم الصابرون . .
الذين يبلغهم الرسول الكريم
بالبشرى من المنعم الجليل . .
وهؤلاء هم الذين يعلن المنعم الجليل
مكانهم عنده جزاء الصبر الجميل:
(أولئك عليهم صلوات من ربهم
ورحمة , وأولئك هم المهتدون). .
حكمة الابتلاء
السؤال :
أسمع كثيرا عن أن هناك حِكَماً عظيمة
لوقوع الابتلاء على الناس ،
فما هي هذه الحكم ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم للابتلاء حكم عظيمة منها :
1- تحقيق العبودية لله رب العالمين
فإن كثيراً من الناس عبدٌ لهواه
وليس عبداً لله ،
يعلن أنه عبد لله ،
ولكن إذا ابتلي نكص على عقبيه
خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ,
قال تعالى :
( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ
فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ
وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ
خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ
ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) الحج/11
.
2- الابتلاء إعداد للمؤمنين للتمكين في الأرض
قيل للإمام الشافعي رحمه الله :
أَيّهما أَفضل :
الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين ؟
فقال :
التَّمكين درجة الأنبياء ،
ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة ،
فإذا امتحن صبر ، وإذا صبر مكن .
3- كفارة للذنوب
روى الترمذي (2399)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ،
وولده ، وماله ، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة
) رواه الترمذي (2399)
وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"
(2280) .
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ
فِي الدُّنْيَا ،
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ
حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه الترمذي
(2396) وصححه الألباني
في السلسلة الصحيحة (1220) .
4- حصول الأجر ورفعة الدرجات
روى مسلم (2572)
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا
إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ،
أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً ) .
5- الابتلاء فرصة للتفكير في العيوب ،
عيوب النفس وأخطاء المرحلة الماضية
لأنه إن كان عقوبة فأين الخطأ ؟
6- البلاء درسٌ من دروس التوحيد
والإيمان والتوكل
يطلعك عمليّاً على حقيقة نفسك
لتعلم أنك عبد ضعيف ،
لا حول لك ولا قوة إلا بربك ،
فتتوكل عليه حق التوكل ،
وتلجأ إليه حق اللجوء ،
حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء ،
والعجب والغرور والغفلة ،
وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه ،
وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه .
قال ابن القيم :
" فلولا أنه سبحانه يداوي عباده
بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا ،
والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً
سقاه دواء من الابتلاء
والامتحان على قدر حاله ،
يستفرغ به من الأدواء المهلكة ،
حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه :
أهَّله لأشرف مراتب الدنيا ،
وهي عبوديته ،
وأرفع ثواب الآخرة
وهو رؤيته وقربه " انتهى .
" زاد المعاد " ( 4 / 195 ) .
7- الابتلاء يخرج العجب من النفوس
ويجعلها أقرب إلى الله .
قال ابن حجر : " قَوْله :
( وَيَوْم حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ )
رَوَى يُونُس بْن بُكَيْر فِي " زِيَادَات الْمَغَازِي "
عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ :
قَالَ رَجُل يَوْم حُنَيْنٍ :
لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة ,
فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَكَانَتْ الْهَزِيمَة .."
قال ابن القيم زاد المعاد (3/477) :
" واقتضت حكمته سبحانه
أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة
والكسرة مع كثرة عَدَدِهم وعُدَدِهم
وقوة شوكتهم
ليضع رؤوسا رفعت بالفتح
ولم تدخل بلده وحرمه
كما دخله رسول الله واضعا رأسه
منحنيا على فرسه حتى إن ذقنه
تكاد تمس سرجه تواضعا لربه
وخضوعا لعظمته
واستكانة لعزته " انتهى
.
وقال الله تعالى :
( وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ )
آل عمران/141 .
قال القاسمي (4/239) :
" أي لينقّيهم ويخلّصهم من الذنوب ،
ومن آفات النفوس .
وأيضاً فإنه خلصهم ومحصهم من المنافقين ،
فتميزوا منهم. ........
.ثم ذكر حكمة أخرى وهي
( ويمحق الكافرين )
أي يهلكهم ،
فإنهم إذا ظفروا بَغَوا وبطروا ،
فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ،
إذ جرت سنّة الله تعالى
إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم
قيّض لهم الأسباب
التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم ،
ومن أعظمها بعد كفرهم
بغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه
ومحاربتهم وقتالهم والتسليط عليهم ...
وقد محق الله
الذي حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم أحد وأصروا على الكفر جميعاً " انتهى .
8- إظهار حقائق الناس ومعادنهم .
فهناك ناس لا يعرف فضلهم إلا في المحن .
قال الفضيل بن عياض : " الناس ما داموا في عافية مستورون ، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم ؛ فصار المؤمن إلى إيمانه ، وصار المنافق إلى نفاقه " .
ورَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّلائِل" عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ : اُفْتُتِنَ نَاس كَثِير - يَعْنِي عَقِب الإِسْرَاء - فَجَاءَ نَاس إِلَى أَبِي بَكْر فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ : أَشْهَد أَنَّهُ صَادِق . فَقَالُوا : وَتُصَدِّقهُ بِأَنَّهُ أَتَى الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة ؟ قَالَ نَعَمْ , إِنِّي أُصَدِّقهُ بِأَبْعَد مِنْ ذَلِكَ , أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء , قَالَ : فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصِّدِّيق .
9- الابتلاء يربي الرجال ويعدهم
لقد اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم العيش الشديد الذي تتخلله الشدائد ، منذ صغره ليعده للمهمة العظمى التي تنتظره والتي لا يمكن أن يصبر عليها إلا أشداء الرجال ، الذين عركتهم الشدائد فصمدوا لها ، وابتلوا بالمصائب فصبروا عليها .
نشأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتيماً ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى ماتت أمه أيضاً .
والله سبحانه وتعالى يُذكّر النبي صلّى اللّه عليه وآله بهذا فيقول : ( ألم يجدك يتيماً فآوى ) .
فكأن الله تعالى أرد إعداد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تحمل المسئولية ومعاناة الشدائد من صغره .
10- ومن حكم هذه الابتلاءات والشدائد : أن الإنسان يميز بين الأصدقاء الحقيقيين وأصدقاء المصلحة
كما قال الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقـي
وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي
11- الابتلاء يذكرك بذنوبك لتتوب منها
والله عز وجل يقول : ( وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نفسِكَ ) النساء/79 ، ويقول سبحانه : ( وَمَا أَصابَكُم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن كَثِيرٍ ) الشورى/30 .
فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر يوم القيامة ؛ فإنَّ الله تعالى يقول : ( وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ ) السجدة/21 ، والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها وما يصيب الإنسان من سوء وشر .
وإذا استمرت الحياة هانئة ، فسوف يصل الإنسان إلى مرحلة الغرور والكبر ويظن نفسه مستغنياً عن الله ، فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه .
12- الابتلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور
وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا ، في حياة لا مرض فيها ولا تعب ( وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ ) العنكبوت/64 ، أما هذه الدنيا فنكد وتعب وهمٌّ : ( لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ ) البلد/4 .
13- الابتلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالصحة والعافية
فإنَّ هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان معنى الصحة والعافية التي كنت تمتعت بهما سنين طويلة ، ولم تتذوق حلاوتهما ، ولم تقدِّرهما حق قدرهما .
المصائب تذكرك بالمنعِم والنعم ، فتكون سبباً في شكر الله سبحانه على نعمته وحمده .
14- الشوق إلى الجنة
لن تشتاق إلى الجنة إلا إذا ذقت مرارة الدنيا , فكيف تشتاق للجنة وأنت هانئ في الدنيا ؟
فهذه بعض الحكم والمصالح المترتبة على حصول الابتلاء وحكمة الله تعالى أعظم وأجل .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=====================
هل تعلم ان الابتلاءات كفارات من الذنوب وطهور
وهذه امارة مهمة توقظ الغافل وتنبه العاقل , وهي الأمراض والابتلاءات التي جعل الله تعالى للمؤمن تمحيص وكفارات , قال تعالى : \" وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) سورة الشورى .
وعَنْ أَبي هُرَيْرَة ، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:مَا يُصِيبُ الْمسلِمَ مِنْ نَصَب ، وَلاَ وَصَب ، وَلاَ هَمِّ ، وَلاَ حَزن ، وَلاَ أَذىً ، وَلاَ غَمّ ، حَتى الشوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلا كَفَّرَ اللهِ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ. أخرجه أحمد 2/303(8014) و\"البُخَارِي\" 7/148و\"مسلم\" 8/16(6660).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَة.أخرجه أحمد 2/287(7846) و\"البُخاري\" في الأدب المفرد (494) و\"التِّرمِذي\" 2399 .
وعَنْ عَبْداللهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ ، وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا ، وَقُلْتُ : إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا ، قُلْتُ : إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ ؟ قَالَ : أَجَلْ ، مَامِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى ، إِلاَّ حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ ، كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ. أخرجه أحمد 1/381 (3618) والبُخاري 7/149(5647) و\"مسلم\" 8/14(6651).
أخرج الدينوري في المجالسة عن وهيب بن الورد يقول الله تعالى إني لا أخرج أحدا من الدنيا وأنا أريد أن أرحمه حتى أوفيه بكل خطيئة كان عملها سقما في جسده ومصيبة في أهله وضيقا في معاشه وإقتارا في رزقه حتى أبلغ منه مثاقيل الذر فإن بقي عليه شيء شددت عليه الموت حتى يفضي إلي كيوم ولدته أمه وعزتي لا أخرج عبدا من الدنيا وأنا أريد أن أعذبه حتى أوفيه بكل حسنة عملها صحة في جسده وسعة في رزقه ورغدا في عيشه وأمنا في سربه حتى أبلغ منه مثاقيل الذر فإن بقي له شيء هونت عليه الموت حتى يفضي إلي وليس له حسنة يتقي بها النار. السيوطي: شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور 36.
وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْزِلَةُ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ ، فَمَا يَزَالُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبْلِغَُهُ إِيَّاهَا.أخرجه أبو يعلى في \" مسنده \" ( 4 / 1447 ) و عنه أخرجه ابن حبان ( 693 )و الحاكم ( 1 / 344 )الألباني( حسن ) انظر حديث رقم : 1625 في صحيح الجامع .
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاَءِ الثَّوَابَ ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بالْمَقَارِيضِ.أخرجه التِّرْمِذِي (2402) الألباني في \" السلسلة الصحيحة \" 5 / 240 .
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ ، أًنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ ، قال الله ، لِمَلاَئِكَتِهِ : قَبَضْتُم وَلَدَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ . فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولَونَ : نعَمْ . فَيَقُولُ : مَاذَا قال عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاستَرْجَعَ . فَيَقُولُ الله : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ . وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ.أخرجه أحمد 4/415 الألباني في \" السلسلة الصحيحة \" 3 / 398 .
فاصبـر لكـل مصيبـة وتجـلـدِ* * واعلـم بـأن المرء غير مخلد
واصبر كما صبــر الكرام فإنهـا* * نوبُ اليـوم تُكشَف فـي غدِ
مـن لم يصب ممـن ترى بمصيبة؟* * هذا سبيل لستَ عنه بأوحـد
فإذا ذكـرت مصيبـة ومصـابهـا* * فاذكـر مصابـك بالنبي محمـد قال مُطرِّف بن عبدالله الشخير: أتيت عمران بن حصين يوماً، فقلت له: إني لأدع إتيانك لما أراك فيه، ولما أراك تلقى. قال: فلا تفعل، فو الله إن أحبه إليّ أحبه إلى الله .وكان عمران بن الحصين قد استسقى بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة، لا يقوم ولا يقعد، قد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته.فدخل عليه مطرف وأخوه العلاء، فجعل يبكي لما يراه من حاله فقال: لم تبكي؟ قال: لأني أراك على هذه الحالة العظيمة. قال: لا تبك فإن أحبه إلى الله تعالى، أحبه إلي. ثم قال: أحدثك حديثاً لعل الله أن ينفع به، واكتم علي حتى أموت، إن الملائكة تزورني فآنس بها، وتسلم علي فأسمع تسليمها، فأعلم بذلك أن هذا البلاء ليس بعقوبة، إذ هو سبب هذه النعمة الجسيمة، فمن يشاهد هذا في بلائه، كيف لا يكون راضياً به؟!( إحياء علوم الدين 4/349).
فليحذر كل عاقل ولينتبه كل غافل ويعلم أن الدنيا زائلة وأن ساعة الحساب آتية لا ريب فيها , وأن طريق الجنة محفوف بالمكاره , وأن عليه أن ينتبه لما يأتيه من إشارات على طريق الجنة حتى لا يستيقظ إلا على الموت أو النار .
عن أبي هريرة ( رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة - لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه.