كتاب العلم
الرسالة الثالثة: حث طلبة العلم على الالتحاق بجماعات تحفيظ القرآن الكريم
...
الر سالة الثالثة: حث طلبة العلم على الالتحاق بجماعات تحفيظ القرآن الكريم.
الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
نعم إن خير الحديث كتاب الله تعالى؛ لأنه كلام الله -عز وجل- تنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين.
وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة في فضل تلاوة القرآن والعمل به، فقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29] {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:30] وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" 1. متفق عليه ،
وعن عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الماهر بالقرآن مع السفرة
ـــــــ
1 صحيح: رواه البخاري 5027, 5028, وأبو داود 1452. والترمذي 2907. 2908. والنسائي 61, 62, 63. وابن ماجة 211, 212. وأحمد 1/57, 58, 69.
(1/203)
الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" 1. متفق عليه.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب، وريحها طيب، ومثل الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، طعمها طيب، ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب، ولا طعم لها ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها" 2.
وعن أبي أمامة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرءوا القرآن، فإنه يأتي شافعًا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما" 3.
ولما كانت تلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه بهذه المثابة هبَّ كثير من الشباب في بلادنا وغيرها إلى تلاوة الكتاب العزيز تعليمًا فأنشئت في بلادنا جماعات تحفيظ القرآن الكريم في مدن وقرى كثيرة تحت إشراف ورعاية وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والتحق بها -ولله الحمد- جمّ غفير من الشباب ولم يقتصر نشاطها على الذكور، بل شمل النساء أيضًا وحصل بذلك خير كثير، حتى حفظ القرآن عن ظهر قلب كثير من هؤلاء الشباب، فالحمد لله رب العالمين.
وإنني لأحث إخواني الذين منَّ الله تعالى عليهم بالأولاد، أن يشجعوا أولادهم على الالتحاق بهذه الجماعات، وأن يتعاهدوهم حال التحاقهم، ويستعينوا على ذلك بالاتصال بالمسؤولين في هذه الجماعات للمتابعة. فإن تلاوة كتاب الله من أسباب الصلاح ، وصلاح الولد خير للوالد في دنياه وبعد مماته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا
ـــــــ
1 صحيح: رواه البخاري 4937. ومسلم 798. وأبو داود 1454. والترمذي 2904.
2 متفق عليه رواه البخاري 5427. ومسلم 797.
3 صحيح: رواه مسلم 804. وأحمد 5/251, 255, 257. صحيح: رواه مسلم 1631. والبخاري في الأدب المفرد 38. وأبو داود 2882. والنسائي 6/251. والترمذي 1376. وأحمد 2/372.
(1/204)
مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" 1.
ولا شك أن الالتحاق بهذه الجماعات -أعني جماعات تحفيظ القرآن- يحصل به مصالح وتندرئ به مفاسد.
ويحصل به حفظ القرآن الكريم ومحبته والميل إليه.
ويحصل به ربط الدارس ببيوت الله عز وجل المساجد.
ويحصل به استغلال الوقت بهذا الهدف النبيل.
ويحصل به من حسن رعاية الطالب ما يثاب عليه أبوه أو غيره من ولاة أمره.
ويحصل به ثواب المجتمعين على تلاوة كتاب الله تعالى في بيت من بيوته فـ "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".
وكما تحصل به هذه المصالح فإنه تندرئ به مفاسد.
يندرئ به ضياع الوقت الذي هو أشد ضررًا من ضياع المال، فإن المال له ما يخلفه والوقت لا يخلفه شيء فإن كل وقت مضى لا يرجع كما قيل: أمس الدابر لا يعود.
تندرس به مفسدة الفراغ مفسدة بل مفاسد كما قيل:
إن الشباب والفراغ والجده
مفسدة للمرء أي مفسده
فمن مفاسد الفراغ أن الشباب ينشأ على حياة ضياع لا جدية فيها.
ومن مفاسد الفراغ أنه قد يكون سببًا للتخريب.
ومن مفاسد الفراغ أنه يفضي إلى التسكع في الأسواق والتجول، الذي ربما
ـــــــ
1 صحيح: رواه مسلم 2699. والترمذي 2945. وابن ماجة 225. وأحمد 2/252, 407.
(1/205)
يفضي إلى فاسد الأخلاق.
ومن مفاسد الفراغ البدني أنه يفضي إلى الفراغ الذهني فيتبلد الذهن ويكون الشاب سطحيًّا ليس عنده تفكير عميق ولا ذهن حاد.
وإني لأحث إخواني الذين منَّ الله عليهم بالمال أن يجودوا بشيء مما منَّ الله به عليهم، فإن بذل المال في هذه الجماعات من أفضل الأعمال لمشاركة الباذل العامل فيها في الأجر كما جاء نحو ذلك فيمن جهَّز غازيًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا" 1.
كما أحث سائر إخواني المسلمين على تشجيع هذه الجماعات بكافة أنواع التشجيع المعنوي والمادي، عملا بقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
وأسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعًا ممن حقق ذلك بمقاله وفعاله، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والذين اتبعوهم بإحسان مدى الأوقات.
ـــــــ
1 متفق عليه: رواه البخاري 2843. ومسلم 1895. وأحمد 4/116.
(1/206)
http://madrasato-mohammed.com/outaymin/pg_055_0013.htm