32- باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
قال اللَّه تعالى: { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم } .
252- عن حَارِثَة بْنِ وهْب رضي اللَّه عنه قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : « أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجنَّةِ ؟ كُلُّ ضَعيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَم عَلَى اللَّه لأبرَّه ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بَأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ » . متفقٌ عليه .
« الْعُتُلُّ » : الْغَلِيظُ الجافِي . « والجوَّاظُ » بفتح الجيم وتشدِيدِ الواو وبِالظاءِ المعجمة وَهُو الجمُوعُ المنُوعُ ، وَقِيلَ : الضَّخْمُ المُخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ ، وقيلَ : الْقَصِيرُ الْبَطِينُ .
253- وعن أَبي العباسِ سهلِ بنِ سعدٍ الساعِدِيِّ رضي اللَّه عنه قال : مرَّ رجُلٌ على النَبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالَ لرجُلٍ عِنْدهُ جالسٍ : « ما رَأَيُكَ فِي هَذَا ؟ » فقال : رَجُلٌ مِنْ أَشْرافِ النَّاسِ هذا وَاللَّهِ حَريٌّ إِنْ خَطَب أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَع أَنْ يُشَفَّعَ . فَسَكَتَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخرُ ، فقال له رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَا رأُيُكَ فِي هَذَا ؟ » فقال : يا رسولَ اللَّه هذا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، هذَا حريٌّ إِنْ خطَب أَنْ لا يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَع أَنْ لا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْمع لِقَوْلِهِ . فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « هَذَا خَيْرٌ منْ مِلءِ الأَرْضِ مِثْلَ هذَا» متفقٌ عليه .
قوله : « حَرِيُّ » هو بفتحِ الحاءِ وكسر الراءِ وتشديد الياءِ : أَيْ حقِيقٌ . وقوله: «شَفَعَ» بفتح الفاءِ .
254- وعن أَبي سعيدٍ الخدري رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «احْتجَّتِ الجنَّةُ والنَّارُ فقالت النَّارُ : فيَّ الجبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ ، وقَالتِ الجَنَّةُ : فيَّ ضُعفَاءُ النَّاسِ ومسَاكِينُهُم فَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُما : إِنَّك الجنَّةُ رحْمتِي أَرْحَمُ بِكِ مَـنْ أَشَاءُ ، وَإِنَّكِ النَّارُ عَذابِي أُعذِّب بِكِ مَــنْ أَشَاءُ ، ولِكِلَيكُمَا عَلَيَّ مِلؤُها » رواه مسلم .
255- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّهُ لَيأتِي الرَّجُلُ السَّمِينُ العْظِيمُ يَوْمَ الْقِيامةِ لا يزنُ عِنْد اللَّه جنَاحَ بعُوضَةٍ » متفقٌ عَلَيه .
256- وعنه أَنَّ امْرأَةً سوْداءَ كَانَتَ تَقُمُّ المسْجِد ، أَوْ شَابّاً ، فَفقَدَهَا ، أو فقده رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عنْهُ ، فقالوا : مات . قال : « أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي » فَكَأَنَّهُمْ صغَّرُوا أَمْرَهَا ، أَوْ أَمْرهُ ، فقال : دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ » فدلُّوهُ فَصلَّى عَلَيه ، ثُمَّ قال : « إِنَّ هَذِهِ الْقُبُور مملُوءَةٌ ظُلْمةً عَلَى أَهْلِهَا ، وإِنَّ اللَّه تعالى يُنَوِّرهَا لَهُمْ بصَلاتِي عَلَيْهِمْ » متفقٌ عليه .
قوله : « تَقُمُّ هو بفتحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ : أَيْ تَكنُسُ . « وَالْقُمَامةُ » : الْكُنَاسَةُ . «وَآذَنْتُمونِي » بِمدِّ الهَمْزَةِ : أَيْ : أَعْلَمتُمُونِي .
257- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « رُبَّ أَشْعثَ أغبرَ مدْفُوعٍ بالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسمَ عَلَى اللَّهِ لأَبرَّهُ » رواه مسلم .
258- وعن أُسامَة رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « قُمْتُ عَلَى بابِ الْجنَّةِ ، فَإِذَا عامَّةُ مَنْ دخَلَهَا الْمَسَاكِينُ ، وأَصْحابُ الجَدِّ محْبُوسُونَ غيْر أَنَّ أَصْحاب النَّارِ قَدْ أُمِر بِهِمْ إِلَى النَّارِ . وقُمْتُ عَلَى بابِ النَّارِ فَإِذَا عامَّةُ منْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ » متفقٌ عليه .
« وَالجَدُّ » بفتحِ الجيم : الحظُّ والْغِني . وقوله : « محْبُوسُونَ » أَيْ : لَمْ يُؤذَنْ لهُمْ بَعْدُ فِي دُخُول الجَنَّةِ .
259- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المَهْدِ إِلاَّ ثَلاثَةٌ : عِيسى ابْنُ مرْيَمَ ، وصَاحِب جُرَيْجٍ ، وكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِداً ، فَاتَّخَذَ صَوْمَعةً فكانَ فِيهَا ، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهَو يُصلي فَقَالَتْ : يا جُرَيْجُ ، فقال : يَارَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي فَأَقْبلَ عَلَى صلاتِهِ فَانْصرفَتْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وهُو يُصَلِّي ، فقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ ، فقال : أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي . فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَد أَتَتْهُ وَهُو يُصَلِّي فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ فقال : أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي ، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ ، فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ لا تُمِتْه حَتَّى ينْظُرَ إِلَى وُجُوه المومِسَاتِ . فَتَذَاكَّرَ بَنُو إِسْرائِيلَ جُريْجاً وَعِبَادَتهُ ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا ، فَقَالَتْ : إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ ، فتعرَّضَتْ لَهُ ، فَلَمْ يلْتَفِتْ إِلَيْهَا ، فَأَتتْ رَاعِياً كَانَ يَأَوي إِلَى صوْمعَتِهِ ، فَأَمْكنَتْهُ مِنْ نفسها فَوقَع علَيْهَا . فَحملَتْ ، فَلَمَّا وَلدتْ قَالَتْ : هُوَ جُرَيْجٌ ، فَأَتَوْهُ فاسْتنزلُوه وهدَمُوا صوْمعَتَهُ ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونهُ ، فقال : ما شَأْنُكُمْ ؟ قالوا: زَنَيْتَ بِهذِهِ الْبغِيِّ فَولَدتْ مِنْك . قال : أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ فَجاءَوا بِهِ فقال : دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّي فَصلىَّ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعنَ فِي بطْنِهِ وقالَ : يا غُلامُ مَنْ أَبُوكَ ؟ قال : فُلانٌ الرَّاعِي ، فَأَقْبلُوا علَى جُرَيْجُ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وقَالُوا : نَبْنِي لَكَ صوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قال : لا، أَعيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ ، فَفَعَلُوا . وَبيْنَا صَبِيٌّ يرْضعُ مِنْ أُمِّهِ ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارةٍ حَسَنَةٍ فَقالت أُمُّهُ : اللَّهُمَّ اجْعَل ابْنِي مثْلَ هَذَا ، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فقال : اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلهُ ، ثُمَّ أَقَبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعْلَ يَرْتَضِعُ» فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُوَ يحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِأُصْبُعِه السَّبَّابةِ فِي فِيهِ ، فَجَعلَ يَمُصُّهَا، قال : « وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا، وَيَقُولُونَ : زَنَيْتِ سَرَقْتِ ، وَهِي تَقُولُ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوكِيلُ . فقالت أُمُّهُ : اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا ، فَتَركَ الرِّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا فقال : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا ، فَهُنالِكَ تَرَاجَعَا الحَدِيثِ فقالَت : مَرَّ رَجُلٌ حَسنُ الهَيْئَةِ فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ فَقُلْتَ : اللَّهُمَّ لا تَجْعَلنِي مِثْلَهُ ، وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ وَهُم يَضْربُونَهُا وَيَقُولُونَ : زَنَيْتِ سَرَقْتِ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا فَقُلْتَ : اللَّهُمَّ اجعَلْنِي مِثْلَهَا ؟، قَالَ : إِنَّ ذلِكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّاراً فَقُلت : اللَّهُمَّ لا تجْعَلْنِي مِثْلَهُ ، وإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لها زَنَيْتِ ، وَلَمْ تَزْنِ ، وَسَرقْت ، وَلَمْ تَسْرِقْ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا » متفق عليه.
« والمُومِسَاتُ » : بضَمِّ الميم الأُولَى ، وإِسكان الواو وكسر الميم الثانيةِ وبالسين المهملَةِ وهُنَّ الزَّوانِي . والمُومِسةُ : الزانية . وقوله : « دابَّةً فَارِهَة » بِالْفَاءِ : أَي حاذِقَةٌ نَفِيسةٌ . «الشَّارَةُ » بِالشِّينِ المعْجمةِ وتَخْفيفِ الرَّاءِ : وَهِي الجمالُ الظَّاهِرُ فِي الهيْئَةِ والملْبسِ . ومعْنى وصل « ترَاجعا الحدِيث » أَيْ : حدَّثَتِ الصَّبِي وحدَّثَهَا ، واللَّه أعلم .