لأننا حين نرى أن بركة الله لا تحوم حول كثير من البيوت لا بد أن ندرك لها أسبابا،
أسباب البعد عن استقبال البركة من الله. .
فالإرسال الإلهي مستمر،
ونحن نريد أجهزة استقبال حساسة تحسن الاستقبال،
فإذا كانت أجهزة الاستقبال خربة،
والإرسال مستمراً فلن يستفيد أحد من الإرسال،
وهب أن محطة الإذاعة تذيع، لكن المذياع خرب،
فكيف يصل الإرسال للناس؟
إذن فمدد الله وبركات الله المتنزلة موجودة دائما.
. ويوجد أناس لا يأخذون هذه البركات؛
لأن أجهزة استقبالها ليست سليمة،
وأول جهاز لاستقبال البركة
أن البيت يبنى على حل في كل شيء. .
يعني: لقاء الزوج والزوجة على حل، وكثير من
(4/2098)
الناس يدخلون في الحرمة وإن لم يكن بقصد، وهذا ناشئ من الهوس والاختلاط والفوضى في شأن الرضاعة، والناس يرضعون أبناءهم هكذا دون ضابط وليس الحكم في بالهم. وبعد ذلك نقول لهم: يا قوم أنتم احتطتم لأولادكم فيما يؤدي إلى سلامة بنيتهم، فكان لكل ولد ملف فيه: شهادة الميلاد، وفيه ميعاد تلقي التطعيمات ضد الدفتريا، وشلل الأطفال وغير ذلك.
فلماذا يا أسرة الإسلام لا تضعون ورقة في هذا الملف لتضمنوا سلامة أسركم، ويكتب في تلك الورقة من الذي أرضع الطفل غير أمه، وساعة يأتي للزواج نقول: يا موثق هذا ملفه إنه رضع من فلانة، في هذا الملف تُدْرج أسماء النساء اللاتي رضع منهن. . فنبني بذلك أسرة جديدة على أسس إيمانية سليمة، بدلا من أن نفاجئ رجلا تزوج امرأة، وعاشا معا وأنجبا وبعد ذلك يتبين أنهما رضعا معا، وبذلك تصير المسألة إلى إشكال شرعي وإشكال مدني وإشكال اجتماعي ناشيء من أن الناس لم تُعد لمنهجها الإيماني ما أعدته لمنهجها المادي.
إذن فلا بد من التزام كل أسرة أن تأتي في ملف ابنها أو بنتها وتضع ورقة فيها أسماء من رضع منهن المولود.
وعلى كل حال لم تعد هناك الآن ضرورة أن نأتي بمرضعة للأولاد، فاللبن الجاف من الحيوانات يكفي ويؤدي المهمة، وصرنا لا ندخل في المتاهة التي قد تؤدي بنا في المستقبل إلى أن الإنسان يتزوج أخته من الرضاعة أو أمه من الرضاعة، أو أي شيء من ذلك، وبعد ذلك تمتنع بركة الله من أن تمتد إلى هذه الأسرة. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخ وَبَنَاتُ الأخت وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرضاعة} . ويقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» .
وجاء القرآن بالأمور البارزة فيها فقط، {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} فإذا تزوج رجل من امرأة ولها أم، بالله أيتزوج أمها أيضا؟ إنها عملية غير مقبولة، {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} . الربيبة هي بنت المرأة من غير زوجها، فقد يتزوج رجل من امرأة كانت متزوجة من قبل وترملت أو طلقت بعد أن ولدت
(4/2099)
بنتا. هذه البنت يسمونها «ربيبة» وزوج الأم الجديد سيُدخلها في حمايته وفي تربيته، وبذلك تأخذ مرتبة البنوة. والأمر هنا مشروط: {مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فما دام الرجل قد عقد على المرأة ولم يدخل بها تكون بنتها غير محرمة. أما العقد على البنت حتى دون دخول فإنه يحرم الأمهات.
{وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} أي زوجة الابن، وكلمة {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} تدل على أنه كان يطلق لفظ «الأبناء» على أناس ليسوا من الأصلاب، وإلا لو أن كلمة «الأبناء» اقتصرت في الاستعمال على أولاد الإنسان من صلبه، لما قال: {أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} .
إذن كان يوجد في البيئة الجاهلية أبناء ليسوا من الأصلاب هم أبناء التبني، وكانت هذه المسألة شائعة عند العرب، فكان الرجل يتبنى طفلا ويلحقه بنسبه ويطلق عليه اسمه ويرثه. وجاء الإسلام ليقول: لا، لا يصح أن تنسب لنفسك من لم تنجبه، لأنه سيدخل في مسألة أخوة لابنتك مثلا، وسيدخل على محارمك، ولذلك أنهى الله هذه المسألة، وجاء هذا الإنهاء على يد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فقد كانت المسألة متأصلة عند العرب.
ونعلم أن زيد بن حارثة خُطف من أهله، وبعد ذلك بيع على أنه رقيق، واشتراه حكيم بن حزام. وأخذته سيدتنا خديجة وبعد ذلك وهبته لسيدنا رسول الله. وصار زيد بن حارثة مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وعندما علم أهل زيد أن ولدهم الذي خُطف قديما موجود في مكة جاءوا إليها، فرأوا زيد بن حارثة، ولما سألوه أن يعود معهم قال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أنا أخيره بين أن يذهب معكم أو أن يبقى معي، انظروا إلى زيد بن حارثة كيف صنع به إيمانه وحبه لسيدنا رسول الله: قال: ما كنت لأختار على رسول الله أحداً.