أصول وضوابط الخروج للدعوة إلى الله
مقصد الخلق :
الله سبحانه وتعالى خلق جميع ما في الكون وجعله متاعاً للثقلين (الجن والإنس) و خلق الثقلين فقط لعبادته فقال الله تعالى : (وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون , ماأريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون , إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات آية 56. والله سبحانه وتعالى خلقنا في هذه الدنيا لوقت يسير, خلقنا لنعيش ستين أو سبعين سنه أو أقل أو أكثر ثم ننتقل من هذه الدار إلى دار القرار, من هذه الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية. والله سبحانه وتعالى لم يخلقنا من قلة حتى يستكثر بنا ولا من فقر حتى يستغني بنا ولا من وحشة حتى يستأنس بنا ولا من ضعف حتى يتقوى بنا ولا من ذله حتى يعتز بنا ولا من حاجة فنحن المحتاجون إلى الله والله هو الغني الحميد, ولكن الله سبحانه وتعالى خلقنا لمقصد عظيم وهو من أجل أن يعبد سبحانه في الأرض وحده لا شريك له.
مقصد إرسال كل الرسل:
من أجل سعادة البشرية فالله سبحانه وتعالى بعث الرسل بالدين الكامل من آدم عليه السلام وإلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ليبينوا للناس أن فلاحهم ونجاحهم وفوزهم وسعادتهم هو في الدين الكامل. فسنة الله أن الذي يستجيب للرسل يكون في السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة حتى لو نقصت الأشياء والأسباب ألمادية الظاهرة في حياته ( المال والجاه ), والذي لا يستجيب لهم يكون في الشقاء الأبدي في الدنيا والآخرة حتى ولو كملت الأشياء والأسباب ألمادية الظاهرة في حياته.
جهد الرسل عليهم الصلاة والسلام وجهد خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم:
الله سبحانه وتعالى جعل جهد الرسل هو السبب الوحيد لتكميل ونشر الدين في حياة الناس إلى أن يشاء الله. فالله بعث الرسل للأمم السابقة بجهد الدين فأقاموا أقوامهم على الدين الكامل ولم يؤمروا بإقامتهم على جهد الدين, فإذا مات الرسول منهم ظلت أمته من بعده عن الدين. فإذا نقص الدين في حياتهم وظهرت المعاصي بعث الله نبياً آخر ليدعوهم إلى الله ويقيمهم على الدين. ولكن بسبب ختم النبوة والرسالة بخاتم الأنبياء والمرسلين وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى: ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً) سورة الأحزاب آية 40. فالله سبحانه وتعالى بعثه بجهد الدين فأقام أمته على الدين وعلى جهد الدين. قال الله تعالى: ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) يوسف آية 108. فهذه الأمة مكلفة ومشرفة, قال الله تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ... ) آل عمران آية 110, مكلفة بجهد الدين ومشرفة بالخيرية إذا قامت بما كلفت به. فالله سبحانه وتعالى أقسم في سورة العصر بالزمان إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات (هذا هو الدين) وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر( هذا هو جهد الدين) فالفرد من هذه الأمة لن ينجوا من الخسارة إلا أن يكون عنده الدين ( العبادات و المعاملات والأخلاق ) وجهد الدين (الدعوة إلى الله) قال الله تعالى: ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) هود آية 117 , وقال صلىالله عليه وسلم رداً على زوجته زينب بنت جحش لما سألته : (أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال : نعم إذا كثر الخبث) متفق عليه. وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم#167: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم قالوا: كلنا يرحم, قال: ليس برحمة أحدكم صاحبه, يرحم الناس كافة).
جهد الصحابة الكرام وجهد أتباعهم من هذه الأمة :
فهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم من الرسول صلى الله عليه وسلم عموماً, و في حجة الوداع خصوصاً أن الدين حاجتهم وجهد الدين مسئوليتهم. فبسبب كمال بيئة الدين التي كان الصحابة الكرام يعيشونها في المدينة النبوية فهم خرجوا في سبيل الله للدعوة إلى الله ليقولوا للناس كونوا مثلنا أي في كمال دينهم (إيمانهم وأعمالهم).
وفي وقتنا هذا وبسبب ضعف بيئة الدين من حولنا فنحن نخرج في سبيل الله للدعوة إلى الله لا لنقول للناس كونوا مثلنا لأن صفاتنا لا تؤهلنا لدعوتهم ولا تشجعهم لقبول الدعوة, فخروجنا أولاً هو لتكوين البيئة الصالحة لإقامة أعمال الدين وإحياء جهد الرسول صلى الله عليه وسلم لإصلاح أنفسنا فيها, وبقدر إصلاح أنفسنا بتحصيل صفات الدين نكون مؤثرين بإذن الله تعالى في الآخرين. ثم نجتهد على المسلمين ليرجعوا إلى دينهم ومن ثم يتأثر الكفار بصفات وأخلاق المسلمين فيدخلوا في دين الله تعالى أفواجاً وهذا هو المقصود بالنصر الذي هو دخول الناس في الدين. قال الله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً). و قال الله تعالى: ( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ) سورة الفتح آية 1. فالفتح المقصود في هذه الآية هو فتح باب الدعوة إلى الله أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته, فلقد أسلم في مدة سنتين بعد صلح الحديبية أكثر ممن أسلم من أول البعثة.
مقصد خروجنا للدعوة إلى الله :
فمقصد خروجنا في سبيل الله في هذا الزمان هو رضاء الله تعالى بتكوين البيئة الصالحة لإقامة أعمال الدين للأمور التالية:
•لإصلاح أنفسنا بتربيتها وتزكيتها.
•للتجارة مع الله بتحصيل الأجور.
•للتأثير في من حولنا من الناس والمشاركة في هدايتهم بقدر الاستطاعة.
•لنشر الدين في مشارق الأرض ومغاربها حتى يدخل الأغيار في دين الله أفواجاً.
أصول وضوابط خروجنا للدعوة إلى الله :
خروجنا في سبيل الله للدعوة إلى الله بالمال الحلال و بالنفس و بالوقت الحلال و بالافتقار إلى الله. ونتحلى في الخروج بالصبر و التصبر و بالحلم و التحلم و بالعلم والتعلم وبالفكر والتفكر. ونلتزم في الخروج بطاعة المسئول و بحرمة المساجد و بتقديم الأعمال الاجتماعية على الأعمال الانفرادية وبالصبر والتحمل.و نتجنب في الخروج الكلام في السياسة و الخلافات الفقهية و أمراض الأمة والجدل. ونترك في الخروج الإسراف و الإشراف ( وهو السؤال بالقلب) و السؤال باللسان واستعمال حاجات الغير إلا بالإذن. و نقلل في الخروج من الطعام و المنام و الكلام إلا في ذكر الله ووقت قضاء الحاجات. و نشتغل في الخروج بالدعوة إلى الله ( دعوة عمومية و دعوة خصوصية و دعوة انفرادية و دعوة اجتماعية ) و بالتعليم والتعلم ( تصحيح القرآن و فضائل الأعمال و صفات الصحابة الكرام و الآداب والأصول ) و بالعبادات مع الذكر ( الفرائض و النوافل مع قيام الليل و قراءة القرآن و الأذكار المسنونة الزمنية والمكانية ) وبالأخلاق والخدمة ( خدمة النفس و خدمة المسئول و خدمة الجماعة الخارجة و خدمة أهل الحي ).
فهذه الأعمال الأربعة ( التي هي: الدعوة إلى الله و التعليم والتعلم و العبادات مع الذكر و الأخلاق والخدمة ) هي الأعمال التي كانت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي بيوته وبيوت الصحابة الكرام وترتيبها هو ترتيب نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم وترتيب مجيء الدين في حياة الصحابة الكرام رضوانالله عليهم أجمعين. فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدثر ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) سورة المدثر آية 1. انشغل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم بالدعوة إلى الله تعالى فأتى عليهم التعب والتعذيب و المشقة والإهانة, فجمع الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة في دار الأرقم بن أبي الأرقم ليتلو عليهم ما أنزل عليه من الآيات والسور المكية عن الأقوام السابقة لتصبيرهم وتثبيتهم, فأتى عندهم الاستعداد للصبر والتحمل والامتثال لأوامر الله مهما كلفهم الأمر, فأنزلت عليهم الأحكام والعبادات وأهمها وأولها الصلاة فاتصلوا عن طريق الصلاة بالله اتصالاً مباشراً فقضوا حوائجهم بها من خزائن الله فنفعوا الخلق.
وبإقامة أعمال الدين نتحصل على جميع الموعودات من الله تعالى سواء في الدنيا أو في الآخرة. قال الله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) النور آية 55. وقال الله تعالى: ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل آية 97.