منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الأصدقاء
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

( أهلا وسهلا بكم في منتدى الأصدقاء Welcome to the forum Friends >> الرجاء تسجيل الدخول للتعرف على فضائل الأعمال التي يحبها الله Please log in to learn about the virtues of Business loved by God

المواضيع الأخيرة
» تعديل شاشة الكمبيوتر - الوضع الصحيح من المصنع - LG
 تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66 I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 05, 2017 2:53 pm من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
 تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
 تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود -- آية الكرسي -- تابع ----
 تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:33 am من طرف abubaker

»  وكلمة (الله) عَلَمٌ على واجب الوجود؛ مَطمورة فيه كُلُّ صفات الكمال؛ / الرعد - ؛ فشاءتْ رحمتُه سبحانه أنْ سَهَّل لنا أن نفتتح أيَّ عمل باسمه الجامع لكل صفات الجمال والكمال (بسم الله الرحمن الرحيم). ولذلك يُسَمُّونه (عَلَمٌ على واجب الوجود).
 تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:18 am من طرف abubaker

» أما أسماء الله فحسنى؛ لأنها بلغتْ القمة في الكمال، ولأن الأسماء والصفات التي تنطبق عليها موجودة في الخالق الأعلى سبحانه
 تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:06 am من طرف abubaker

» وكلمة(اللهُ) عَلَم على واجب الوجود بكل صفات الكمال له - طه
 تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:57 am من طرف abubaker

» فاعمل لوجهه يكْفك كل الأوجه وتريح نفسك أن تتنازعك قوى شتى ومختلفة، ويُغنيك عن كل غنى.
 تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:51 am من طرف abubaker

» أتدرون ما هذان الكتابان فريق في الجنة وفريق في السعير
 تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66 I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 18, 2017 3:21 pm من طرف abubaker

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
التبادل الاعلاني

 

  تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abubaker

abubaker


ذكر
عدد المساهمات : 18649
تاريخ التسجيل : 23/12/2010
العمر : 73
الدولـة : jordan

 تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66    تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66 I_icon_minitimeالسبت مارس 16, 2013 12:49 pm

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجّداً وَقُولُواْ حِطّةٌ نّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مّنَ السّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ



يقول تعالى لائما على نكولهم عن الجهاد ودخولهم الأرض المقدسة لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى عليه السلام فأمروا بدخول الأرض المقدسة التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل وقتال من فيها من العماليق الكفرة فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا فرماهم الله في التيه عقوبة لهم كما ذكره تعالى في سورة المائدة، ولهذا كان أصح القولين أن هذه البلدة هي بيت المقدس كما نص على ذلك السدي والربيع بن أنس وقتادة وأبو مسلم الأصفهاني وغير واحد وقد قال الله تعالى حاكياً عن موسى {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا} الاَيات. وقال آخرون هي أريحاء، ويحكى عن ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد وهذا بعيد لأنها ليست على طريقهم وهم قاصدون بيت المقدس لا أريحاء، وأبعد من ذلك قول من ذهب إلى أنها مصر، حكاه الرازي في تفسيره، والصحيح الأول أنها بيت المقدس، وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه السلام وفتحها الله عليهم عشية جمعة وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلاً حتى أمكن الفتح، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب باب البلد {سجداً} أي شكراً لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ورد بلدهم عليهم وإنقاذهم من التيه والضلال، قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله تعالى {وادخلوا الباب سجداً} أي ركعاً، وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله {وادخلوا الباب سجداً} قال ركعاً من باب صغير، رواه الحاكم من حديث سفيان به، ورواه ابن أبي حاتم من حديث سفيان وهو الثوري به وزاد فدخلوا من قبل أستاههم، وقال الحسن البصري: أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم واستبعده الرازي، وحكي عن بعضهم أن المراد ههنا بالسجود الخضوع لتعذر حمله على حقيقته، وقال خصيف: قال عكرمة قال ابن عباس: كان الباب قبل القبلة، وقال ابن عباس ومجاهد والسدي وقتادة والضحاك هو باب الحطة من باب إيلياء بيت المقدس، وحكى الرازي عن بعضهم أنه عني بالباب جهة من جهات القبلة، وقال خصيف قال عكرمة قال ابن عباس فدخلوا على شق، وقال السدي عن أبي سعيد الأزدي عن أبي الكنود عن عبد الله بن مسعود قيل لهم ادخلوا الباب سجّداً فدخلوا مقنعي رؤوسهم أي رافعي رؤوسهم خلاف ما أمروا، وقوله تعالى: {وقولوا حطة} قال الثوري عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس {وقولوا حطة} قال مغفرة استغفروا، وروي عن عطاء والحسن وقتادة والربيع بن أنس نحوه، وقال الضحاك عن ابن عباس {وقولوا حطة} قال: قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم، وقال عكرمة قولوا {لا إله إلا الله} وقال الأوزاعي: كتب ابن عباس إلى رجل قد سماه فسأله عن قوله تعالى {وقولوا حطة} فكتب إليه أن أقروا بالذنب، وقال الحسن وقتادة أي أحطط عنا خطايانا {نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين} وقال: هذا جواب الأمر أي إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكن الخطيئات وضاعفنا لكم الحسنات وحاصل الأمر أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها والشكر على النعمة عندها والمبادرة إلى ذلك من المحبوب عند الله تعالى كما قال تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً} فسره بعض الصحابة بكثرة الذكر والاستغفار عند الفتح والنصر، وفسره ابن عباس بأنه نعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أجله فيها وأقره على ذلك عمر رضي الله عنه، ولا منافاة بين أن يكون قد أمر بذلك عند ذلك ونعى إليه روحه الكريمة أيضاً، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يظهر عليه الخضوع جداً عند النصر كما روى أنه كان يوم الفتح فتح مكة داخلاً إليها من الثنية العليا وأنه لخاضع لربه حتى أن عثنونه ليمس مورك رحله شكراً لله على ذلك، ثم لما دخل البلد اغتسل وصلى ثماني ركعات وذلك ضحى، فقال بعضهم: هذه صلاة الضحى، وقال آخرون بل هي صلاة الفتح فاستحبوا للإمام وللأمير إذا فتح بلداً أن يصلي فيه ثماني ركعات عند أول دخوله كما فعل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما دخل إيوان كسرى صلى فيه ثماني ركعات والصحيح أنه يفصل بين كل ركعتين بتسليم، وقيل يصليها كلها بتسليم واحد، والله أعلم

وقوله تعالى: {فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم} قال البخاري حدثني محمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قيل لبني اسرائيل ادخلوا الباب سجداً قولوا حطة ـ فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا وقالوا حبة في شعرة» ورواه النسائي عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن به موقوفاً وعن محمد بن عبيد بن محمد عن ابن المبارك ببعضه مسنداً في قوله تعالى:: {حطة} قال: فبدلوا وقالوا حبة، وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال الله لبني إسرائيل: {ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم} فبدلوا ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم فقالوا حبة في شعرة» وهذا حديث صحيح رواه البخاري عن إسحاق بن نصر ومسلم عن محمد بن رافع والترمذي عن عبد بن حميد كلهم عن عبد الرازق به، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال محمد بن إسحاق: كان تبديلهم كما حدثني صالح بن كيسان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة وعمن لا أتهم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دخلوا الباب ـ الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً ـ يزحفون على أستاههم وهم يقولون حنطة في شعيرة» وقال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح وحدثنا سليمان بن سليمان بن داود حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : «قال الله لبني إسرائيل {ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم} ثم قال أبو داود حدثنا أحمد بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك عن هشام بمثله، هكذا رواه منفرداً به في كتاب الحروف مختصراً، وقال ابن مردويه حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا أحمد بن المنذر القزاز حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل أجزنا في ثنية يقال لها ذات الحنظل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما مثل هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي قال الله لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم» وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء: {سيقول السفهاء من الناس} قال اليهود: قيل لهم ادخلوا الباب سجداً قال: ركعاً، وقولوا حطة أي مغفرة، فدخلوا على أستاههم وجعلوا يقولون حنطة حمراء فيها شعيرة، فذلك قول الله تعالى: {فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم} وقال الثوري عن السدي عن أبي سعد الأزدي عن أبي الكنود عن ابن مسعود وقولوا حطة، فقالوا حنطة، حبة حمراء فيها شعيرة، فأنزل الله: {فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم} وقال أسباط عن السدي عن مرة عن ابن مسعود أنه قال: إنهم قالوا هطا سمعاتا أزبة مزبا، فهي بالعربية حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعرة سوداء فذلك قوله تعالى: {فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم} وقال الثوري عن الأعمش عن المنهال عن سعيد عن ابن عباس في قوله تعالى: {ادخلوا الباب سجداً} قال ركعاً من باب صغير، فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا حنطة، فذلك قوله تعالى: {فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم} وهكذا روي عن عطاء ومجاهد وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس ويحيى بن رافع. وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل فأمروا أن يدخلوا سجداً فدخلوا يزحفون على أستاههم من قبل أستاههم رافعي رؤوسهم وأمروا أن يقولوا حطة أي أحطط عنا ذنوبنا وخطايانا، فاستهزؤوا فقالوا حنطة في شعيرة، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وهو خروجهم عن طاعته. ولهذا قال: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون} وقال الضحاك عن ابن عباس: كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب، وهكذا روي عن مجاهد وأبي مالك والسدي والحسن وقتادة أنه العذاب وقال أبو العالية الرجز الغضب، وقال الشعبي: الرجز إما الطاعون وإما البرد، وقال سعيد بن جبير هو الطاعون، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم بن سعد يعني ابن أبي وقاص عن سعد بن مالك وأسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهم، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الطاعون رجز عذاب عذب به من كان قبلكم» وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به، وأصل الحديث في الصحيحين من حديث حبيب بن أبي ثابت «إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها» الحديث، قال ابن جرير أخبرني يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن يونس عن الزهري، قال أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا الوجع والسقم رجز عُذب به بعض الأمم قبلكم» وهذا الحديث أصله مخرج في الصحيحين من حديث مالك عن محمد بن المنكدر وسالم بن أبي النضر عن عامر بن سعد بنحوه



وَإِذِ اسْتَسْقَىَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاسٍ مّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رّزْقِ اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ



يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيكم موسى عليه السلام حين استسقاني لكم وتيسيري لكم الماء وإخراجه لكم من حجر معكم وتفجيري الماء لكم منه من إثنتي عشرة عيناً لكل سبط من أسباطكم عين قد عرفوها فكلوا من المن والسلوى واشربوا من هذا الماء الذي أنبعته لكم بلا سعي منكم ولاكد واعبدوا الذي سخر لكم ذلك: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتسلبوها. وقد بسطه المفسرون في كلامهم كما قال ابن عباس رضي الله عنه وجعل بين ظهرانيهم حجر مربع وأمر موسى عليه السلام فضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً في كل ناحية منه ثلاث عيون وأعلم كل سبط عينهم يشربون منها لا يرتحلون من منقلة إلا وجدوا ذلك معهم بالمكان الذي كان منهم بالمنزل الأول، وهذا قطعة من الحديث الذي رواه النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وهو حديث الفتون الطويل. وقال عطية العوفي: وجعل لهم حجراً مثل رأس الثور يحمل على ثور فإذا نزلوا منزلاً وضعوه فضربه موسى عليه السلام بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً فإذا ساروا حملوه على ثور فاستمسك الماء وقال عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه: كان لبني اسرائيل حجر فكان يضعه هارون ويضربه موسى بالعصا، وقال قتادة: كان حجراً طورياً من الطور يحملونه معهم حتى إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه، وقال الزمخشري وقيل كان من الرخام وكان ذراعاً في ذراع وقيل مثل رأس الإنسان وقيل كان من الجنة طوله عشرة أذرع على طول موسى وله شعبتان تتقدان في الظلمة وكان يحمل على حمار، قال: وقيل اهبطه آدم من الجنة فتوارثوه حتى وقع إلى شعيب فدفعه إليه مع العصا وقيل هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل، فقال له جبريل: ارفع هذا الحجر فإن فيه قدرة ولك فيه معجزة فحمله في مخلاته قال الزمخشري: ويحتمل أن تكون اللام للجنس لا للعهد أي اضرب الشيء الذي يقال له الحجر، وعن الحسن لم يأمره أن يضرب حجراً بعينه، قال: وهذا أظهر في المعجزة وأبين في القدرة فكان يضرب الحجر بعصاه فينفجر ثم يضربه فييبس، فقالوا إن فقد موسى هذا الحجر عطشنا، فأوحى الله إليه أن يكلم الحجارة فتنفجر ولا يمسها بالعصا لعلهم يقرون، والله أعلم، وقال يحيى بن النضر: قلت لجويبر: كيف علم كل أناس مشربهم ؟ قال: كان موسى يضع الحجر ويقوم من كل سبط رجل ويضرب موسى الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عيناً فينضح من كل عين على رجل فيدعو ذلك الرجل سبطه إلى تلك العين، وقال الضحاك: قال ابن عباس لما كان بنو اسرائيل في التيه شق لهم من الحجر أنهاراً، وقال الثوري عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس: قال ذلك في التيه ضرب لهم موسى الحجر فصار منه اثنتا عشرة عيناً من ماء لكل سبط منهم عين يشربون منها، وقال مجاهد نحو قول ابن عباس وهذه القصة شبيهة بالقصة التي في سورة الأعراف ولكن تلك مكية، فلذلك كان الإخبار عنهم بضمير الغائب لأن الله تعالى يقص على رسوله صلى الله عليه وسلم ما فعل لهم. وأما في هذه السورة ـ وهي البقرة ـ فهي مدنية، فلهذا كان الخطاب فيها متوجهاً إليهم،. وأخبر هناك بقوله: {فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً} وهو أول الانفجار، وأخبر ههنا بماآل إليه الحال آخراً وهو الانفجار فناسب ذكر الانفجار ههنا وذاك هناك، والله أعلم، وبين السياقين تباين من عشرة أوجه لفظية ومعنوية قد سأل عنها الزمخشري في تفسيره وأجاب عنها بما عنده، والأمر في ذلك قريب. والله أعلم



وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىَ لَن نّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَىَ بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنّ لَكُمْ مّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مّنَ اللّهِ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىَ لَن نّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَىَ بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنّ لَكُمْ مّا سَأَلْتُمْ



يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المن والسلوى طعاماً طيباً نافعاً هنيئاً سهلاً واذكروا دبركم وضجركم مما رزقناكم وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدنيئة من البقول ونحوها مما سألتم قال الحسن البصري: فبطروا ذلك فلم يصبروا عليه، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه، وكانوا قوماً أهل أعداس وبصل وبقول وفوم فقالوا: {ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها} وإنما قالوا على طعام واحد وهم يأكلون المن والسلوى لأنه لا يتبدل ولا يتغير كل يوم، فهو مأكل واحد: فالبقول والقثاء والعدس والبصل كلها معروفة، وأما الفوم، فقد اختلف السلف في معناه، فوقع في قراءة ابن مسعود وثومها بالثاء، وكذا فسره مجاهد في رواية ليث بن أبي سليم عنه، بالثوم. وكذا الربيع بن أنس وسعيد بن جبير، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن رافع، حدثنا أبو عمارة يعقوب بن إسحاق البصريو عن يونس، عن الحسن، في قوله: {وفومها} قال: قال ابن عباس: الثوم، قال وفي اللغة القديمة: فوموا لنا بمعنى اختبزوا، قال ابن جرير: فإن كان ذلك صحيحاً، فإنه من الحروف المبدلة كقولهم: وقعوا في عاثور شر وعافور شر، وأثافي وأثاثي، ومغافير ومغاثير وأشباه ذلك مما تقلب الفاء ثاء والثاء فاء لتقارب مخرجيهما، والله أعلم. وقال آخرون: الفوم الحنطة، وهو البر الذي يعمل منه الخبز قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، أنبانا ابن وهب قراءة حدثني نافع بن أبي نعيم أن ابن عباس: سُئل عن قول الله: {وفومها} مافومها ؟ قال الحنطة. قال ابن عباس: أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح، وهو يقول

قد كنت أغني الناس شخصاً واحداً ورد المدينة عن زراعة فوم

وقال ابن جرير: حدثنا علي بن الحسن، حدثنا مسلم الجهني، حدثنا عيسى بن يونس، عن رشيد بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله تعالى: {وفومها} قال: الفوم الحنطة بلسان بني هاشم، وكذا قال علي بن أبي طلحة والضحاك وعكرمة عن ابن عباس: أن الفوم الحنطة، وقال سفيان الثوري عن ابن جريج عن مجاهد وعطاء {وفومها} قالا: وخبزها، وقال هشيم عن يونس عن الحسين وحصين عن أبي مالك {وفومها} قال: الحنطة، وهو قول عكرمة والسدي والحسن البصري وقتادة وعبد الرحمن بن يزيد بن أسلم وغيرهم، فالله أعلم، وقال الجوهري: الفوم: الحنطة، وقال ابن دريد: الفوم: السنبلة، وحكى القرطبي عن عطاء وقتادة: أن الفوم كل حب يختبز. قال: وقال بعضهم: هو الحمص، لغة شامية، ومنه يقال لبائعه: فامي، مغير عن فومي، قال البخاري: وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها فوم وقوله تعالى: {قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} فيه تقريع لهم وتوبيخ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنيئة مع ما هم فيه من العيش الرغيد والطعام الهنيء الطيب النافع، وقوله تعالى: {اهبطوا مصراً} هكذا هو منون مصروف، مكتوب بالألف في المصاحف الأئمة العثمانية وهو قراءة الجمهور بالصرف. وقال ابن جرير: ولا أستجيز القراءة بغير ذلك لإجماع المصاحف على ذلك. وقال ابن عباس {اهبطوا مصراً} قال: مصر من الأمصار، رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد البقال سعيد بن المرزبان عن عكرمة عنه قال: وروي عن السدي وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك، وقال ابن جرير: وقع في قراءة أبي بن كعب وابن مسعود {اهبطوا مصر} من غير إجراء، يعني من غير صرف ثم روي عن أبي العالية والربيع بن أنس أنهما فسرا ذلك بمصر فرعون، وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي العالية والربيع وعن الأعمش أيضاً قال وابن جرير: ويحتمل أن يكون المراد: مصر فرعون على قراءة الإجراء أيضاً. ويكون ذلك من باب الإتباع لكتابة المصحف كما في قوله تعالى: {قواريراً قواريرا} ثم توقف في المراد ما هو أمصر فرعون أم مصر من الأمصار ؟ وهذا الذي قاله فيه نظر، والحق أن المراد: مصر من الأمصار كما روي عن ابن عباس وغيره، والمعنى على ذلك لأن موسى عليه السلام يقول لهم: هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز بل هو كثير في أي بلد دخلتموها وجدتموه، فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه. ولهذا قال: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم} أي ما طلبتم، ولما كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه لم يجابوا إليه والله أعلم



وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مّنَ اللّهِ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ



يقول تعالى: {وضربت عليهم الذلة والمسكنة} أي وضعت عليهم وألزموا بها شرعاً وقدراً أي لا يزالون مستذلين، من وجدهم استذلهم وأهانهم وضرب عليهم الصغار، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء متمسكنون. قال الضحاك، عن ابن عباس: {وضربت عليهم الذلة والمسكنة} قال: هم أصحاب النيالات يعني الجزية. وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن، وقتادة في قوله تعالى: {وضربت عليهم الذلة} قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون، وقال الضحاك: وضربت عليه الذلة ، قال: الذل. وقال الحسن: أذلهم الله فلا منعة لهم، وجعلهم تحت أقدام المسلمين ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية، وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي: المسكنة الفاقة، وقال عطية العوفي: الخراج، وقال الضحاك: الجزية، وقوله تعالى: {وباؤوا بغضب من الله} قال الضحاك: استحقوا الغضب من الله، وقال الربيع بن أنس: فحدث عليهم غضب من الله، وقال سعيد بن جبير: {وباؤوا بغضب من الله} يقول: استوجبوا سخطاً، وقال ابن جرير: يعني بقوله: {وباؤوا بغضب من الله} انصرفوا ورجعوا، ولا يقال: باء إلا موصولاً إما بخير وإما بشر يقال من: باء فلان بذنبه يبوء به بوءاً وبواء، ومنه قوله تعالى: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} يعني تنصرف متحملهما وترجع بهما قد صارا عليك دوني. فمعنى الكلام: إذا رجعوا منصرفين متحملين غضب الله قد صار عليهم من الله غضب، ووجب عليهم من الله سخط. وقوله تعالى: {ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله، ويقتلون النبيين بغير الحق} يقول تعالى: هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة، وإحلال الغضب بهم من الذلة، بسبب استكبارهم عن اتباع الحق وكفرهم بآيات الله، وإهانتهم حملة الشرع، وهم الأنبياء وأتباعهم، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم، فلا كفر أعظم من هذا، إنهم كفروا بآيات الله، وقتلوا أنبياء الله بغير الحق، ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا إسماعيل، عن ابن عون، عن عمرو بن سعيد، عن حميد بن عبد الرحمن، قال: قال ابن مسعود: كنت لا أحجب عن النجوى، ولا عن كذا ولا عن كذا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده مالك بن مرارة الرهاوي، فأدركته من آخر حديثه وهو يقول: يا رسول الله، قد قسم لي من الجمال ما ترى، فما أحب أن أحداً من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما،أليس ذلك هو البغي ؟ فقال: «لا ليس ذلك من البغي ولكن البغي من بطر، أو قال: سفه الحق وغمط الناس» يعني رد الحق، وانتقاص الناس، والازدراء بهم، والتعاظم عليهم، ولهذا لما ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله، وقتلهم أنبياءه، أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد، وكساهم ذلاً في الدنيا موصولاً بذل الاَخرة جزاء وفاقاً، قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود، قال: كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبي، ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار، وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبان، حدثنا عاصم، عن أبي وائل عن عبد الله يعني ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي أوقتل نبياً وإمام ضلالة وممثل من الممثلين} وقوله تعالى: {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به أنهم كانوا يعصون ويعتدون فالعصيان فعل المناهي، والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه والمأمور به، والله أعلم



إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالنّصَارَىَ وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ



لما بيّن تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره وتعدى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم وما أحل بهم من النكال، نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه كما قال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عمر بن أبي عمر العدني حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قال سلمان رضي الله عنه: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم، فذكرت من صلاتهم وعبادتهم، فنزلت {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاَخر} إلى آخر الاَية، وقال السدي {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاَخر وعمل صالحاً} الاَية، نزلت في أصحاب سلمان الفارسي بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم، فقال كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون لك ويشهدون أنك ستبعث نبيا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم «يا سلمان هم من أهل النار»، فاشتد ذلك على سلمان فأنزل الله هذه الاَية وفكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى فلما جاء كان من تمسك بالتوارة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكاً وإيمان النصارى أن من تمسك بالانجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمناً مقبولاً منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكاً. قال ابن أبي حاتم، وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا، قلت وهذا لا ينافي ما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاَخر} الاَية ـ قال ـ فأنزل الله بعد ذلك {ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الاَخرة من الخاسرين} فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملاً إلا ما كان موافقاً لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه بما بعثه به، فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة، فاليهود أتباع موسى عليه السلام الذين كانوا يتحاكمون إلى التوارة في زمانهم. واليهود من الهوادة وهي المودة، أو التهود وهي التوبة، كقول موسى عليه السلام {إنا هدنا إليك} أي تبنا، فكأنهم سموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض، وقيل: لنسبتهم إلى يهودا أكبر أولاد يعقوب، وقال أبو عمرو بن العلاء: لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوارة، فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له، فأصحابه وأهل دينه هم النصارى، سموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم، وقد يقال لهم أنصار أيضاً، كما قال عيسى عليه السلام {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله} وقيل: إنهم إنما سموا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضاً يقال لها ناصرة، قاله قتادة وابن جريج، وروي عن ابن عباس أيضاً، والله أعلم. والنصارى جمع نصران، كنشاوى جمع نشوان، وسكارى جمع سكران، ويقال للمرأة نصرانة وقال الشاعر

نصرانة لم تحَذّف

فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم خاتماً للنبيين، ورسولاً إلى بني آدم على الإطلاق، وجب عليهم تصديقه فيما أخبر. وطاعته فيما أمر، والانكفاف عما عنه زجر، وهؤلاء هم المؤمنون حقاً وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم، وشدة إيقانهم ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الاَتية، وأماالصابئون فقد اختلف فيهم، فقال سفيان الثوري، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، قال: الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى و ليس لهم دين، وكذا رواه ابن أبي نجيح عنه، وروي عن عطاء وسعيد بن جبير نحو ذلك وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي وأبو الشعثاء، جابر بن زيد، والضحاك وإسحاق بن راهويه: الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور، ولهذا قال أبو حنيفة وإسحاق: لا بأس بذبائحم ومناكحتهم، وقال هشيم، عن مطرف: كنا عند الحكم بن عتبة، فحدثه رجل من أهل البصرة عن الحسن أنه كان يقول في الصابئين: إنهم كالمجوس فقال الحكم، ألم أخبركم بذلك، وقال عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن عبد الكريم: سمعت الحسن ذكر الصابئين فقال: هم قوم يعبدون الملائكة، وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسن، قال: أخبر زياد أن الصابئين يصلون إلى القبلة، ويصلون الخمس قال: فأراد أن يضع عنهم الجزية، قال: فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة، وقال أبو جعفر الرازي: بلغني أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة، ويقرؤون الزبور ويصلون للقبلة، وكذا قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه قال: الصابئون قوم مما يلي العراق وهم بكوثى، وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون من كل سنة ثلاثين يوماً، ويصلون إلى اليمن كل يوم خمس صلوات وسئل وهب بن منبه عن الصابئين فقال: الذي يعرف الله وحده وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفراً، وقال عبد الله بن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد: الصابئون أهل دين من الأديان، كانوا بجزيرة الموصل، يقولون: لا إله إلا الله، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول لا إله إلا الله، قال: ولم يؤمنوا برسول فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هؤلاء الصابئون يشبهونهم بهم، يعني في قول لا إله إلا الله، وقال الخليل: هم قوم يشبه دينهم دين النصارى إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب، يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام، وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن وابن نجيح، أنهم قوم تركب دينهم بين اليهود والمجوس، ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم، قال القرطبي: والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكره بعض العلماء أنهم موحدون ويعتقدون تأثير النجوم، وأنها فاعلة، ولهذا أفتى أبو سعيد الإصطخري بكفرهم للقادر بالله حين سأله عنهم واختار الرازي أن الصابئين قوم يعبدون الكواكب بمعنى أن الله جعلها قبلة للعبادة والدعاء، أو بمعنى أن الله فوض تدبير أمر هذا العالم إليها، قال وهذا القول هو المنسوب إلى الكثرابنين الذين جاءهم إبراهيم عليه السلام راداً عليهم ومبطلاً لقولهم وأظهر الأقوال والله أعلم، قول مجاهد ومتابعيه ووهب بن منبه: أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتنونه، ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابىء، أي أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذلك. وقال بعض العلماء: الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي، والله أعلم



وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطّورَ خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ * ثُمّ تَوَلّيْتُمْ مّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مّنَ الْخَاسِرِينَ



يقول تعالى مذكراً بني إسرائيل ما أخد عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك له، واتباع رسله، وأخبر تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق، رفع الجبل فوق رؤوسهم ليقروا بما عوهدوا عليه، ويأخذوه بقوة وجزم وامتثال، كما قال تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} فالطور هو الجبل كما فسره به في الأعراف، ونص على ذلك ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن والضحاك والربيع بن أنس وغير واحد، وهذا ظاهر، في رواية عن ابن عباس الطور ما أنبت من الجبال، وما لم ينبت فليس بطور، وفي حديث الفتون عن ابن عباس أنهم لما امتنعوا عن الطاعة رفع عليهم الجبل ليسمعوا وقال السدي: فلما أبوا أن يسجدوا أمر الله الجبل أن يقع عليهم فنظروا إليه وقد غشيهم فسقطوا سجداً فسجدوا على شق ونظروا بالشق الاَخر فرحمهم الله فكشفه عنهم، فقالوا والله ما سجدة أحب إلى اللهمن سجدة كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك، وذلك قول الله تعالى {ورفعنا فوقكم الطور} وقال الحسن في قوله {خذوا ما آتيناكم بقوة} يعني التوارة وقال أبو العالية والربيع بن أنس: بقوة أي بطاعة، وقال مجاهد بقوة بعمل ما فيه، وقال قتادة {خذوا ما آتيناكم بقوة} القوة: الجد وإلا قذفته عليكم، قال: فأقروا بذلك أنهم يأخذون ما أوتوا به بقوة، ومعنى قوله وإلا قذفته عليكم أي أسقطته عليكم، يعني الجبل، وقال أبو العالية والربيع {واذكروا ما فيه} يقول: اقرؤوا ما في التوارة واعملوا به، وقوله تعالى {ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله} يقول تعالى: ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم توليتم عنه وانثنيتهم ونقضتموه {فلولا فضل الله عليكم ورحمته} أي بتوبته عليكم وإرساله النبيين والمرسلين إليكم {لكنتم من الخاسرين} بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والاَخرة



وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الّذِينَ اعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي السّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لّلْمُتّقِينَ



يقول تعالى: {ولقد علمتم} يا معشر اليهود ما أحل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره إذ كان مشروعاً لهم، فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت بما وضعوا لها من الشصوص والحبائل والبرك قبل يوم السبت فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل والحيل، فلم تخلص منها يومها ذلك، فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت، فلما فعلوا ذلك، مسخهم الله إلى صورة القردة وهي أشبه شيء بالأناسي في الشكل الظاهر وليست بإنسان حقيقة وفكذلك أعمال هؤلاء وحيلتهم لما كانت مشابهة للحق في الظاهر ومخالفة له في الباطن، كان جزاؤهم من جنس عملهم وهذه القصة مبسوطة في سورة الأعراف حيث يقول تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} القصة بكمالها، وقال السدي: أهل هذه القرية هم أهل أيله، وكذا قال قتادة، وسنورد أقوال المفسرين هناك مبسوطة إن شاء الله وبه الثقة، وقوله تعالى: {فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} قال: مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة. وإنما هو مثل ضربه الله {كمثل الحمار يحمل أسفاراً} ورواه ابن جرير عن المثنى، عن أبي حذيفة وعن محمد بن عمر الباهلي وعن أبي عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به، وهذا سند جيد عن مجاهد، وقول غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام وفي غيره، قال الله تعالى: {قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت} الاَية، وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس {فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} فجعل الله منهم القردة والخنازير فزعم أن شباب القوم صاروا قردة وأن الشيخة صاروا خنازير وقال شيبان النحوي عن قتادة {فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} فصار القوم قردة تعاوى، لها أذناب بعد ما كانوا رجالاً ونساءً وقال عطاء الخراساني: نودوا يا أهل القرية {كونوا قردة خاسئين} فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون يا فلان ألم ننهكم ؟ فيقولون برؤوسهم: أي بلى، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا عبد الله بن محمد بن ربيعة بالمصيصية، حدثنا محمد بن مسلم، يعني الطائفي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال إنما كان الذين اعتدوا في السبت فجعلوا قردة فواقاً، ثم هلكوا ما كان للمسخ نسل، وقال الضحاك، عن ابن عباس: فمسخهم الله قردة بمعصيتهم يقول إذ لا يحيون في الأرض إلا ثلاثة أيام، قال: ولم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسلوا وقد خلق اللهالقردة والخنازير وسائر الخلق في الستة الأيام التي ذكرها الله في كتابه، فمسخ هؤلاء القوم في صورة القردة، وكذلك يفعل بمن يشاء كما يشاء، ويحوله كما يشاء، وقال أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله {كونوا قردة خاسئين} قال: يعني أذلة صاغرين، وروي عن مجاهد وقتادة والربيع وأبي مالك نحوه، وقال محمد بن إسحاق عن داود بن أبي الحصين عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم يوم الجمعة فخالفوا إلى السبت فعظموه وتركوا ما أمروا به، فلما أبو إلا لزوم السبت ابتلاهم الله فيه، فحرم عليهم ما أحل لهم في غيره، وكانوا في قرية بين أيلة والطور، يقال لها: مدين، فحرم الله عليهم في السبت الحيتان صيدها وأكلها، وكانوا إذا كان يوم السبت، أقبلت إليهم شرعاً إلى ساحل بحرهم، حتى إذا ذهب السبت، ذهبن فلم يروا حوتاً صغيراً ولا كبيراً، حتى إذا كان يوم السبت أتين شرعاً، حتى إذا ذهب السبت، ذهبن فكانوا كذلك، حتى طال عليهم الأمد وقرموا إلى الحيتان، عمد رجل منهم فأخذ حوتاً سراً يوم السبت فحزمه بخيط ثم أرسله في الماء وأوتد له وتداً في الساحل فأوثقه تم تركه، حتى إذا كان الغد جاء فأخذه أي إني لم آخذه في يوم السبت، فانطلق به فأكله، حتى إذا كان يوم السبت الاَخر عاد لمثل ذلك، ووجد الناس ريح الحيتان، فقال أهل القرية: والله لقد وجدنا ريح الحيتان، ثم عثروا على صنيع ذلك الرجل، قال: ففعلوا كما فعل، وصنعوا سراً زماناً طويلاً لم يعجل الله عليهم العقوبة حتى صادوها علانية وباعوها في الأسواق، فقالت طائفة منهم من أهل البقية: ويحكم اتقوا الله ونهوهم عما كانوا يصنعون، فقالت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان، ولم تنه القوم عما صنعوا، {لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً ؟ قالوا: معذرة إلى ربكم} بسخطنا أعمالهم {ولعلهم يتقون}، قال ابن عباس: فبينما هم على ذلك، أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم فقدوا الناس فلم يروهم، قال: فقال بعضهم لبعض: إن للناس شأناً، فانظروا ما هو فذهبوا ينظرون في دورهم، فوجدوها مغلقة عليهم، قد دخلوها ليلا فغلقوها على أنفسهم كما يغلق الناس على أنفسهم، فأصبحوا فيها قردة، وإنهم ليعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد، والمرأة وإنها لقردة، والصبي بعينه وإنه لقرد، قال : قال ابن عباس: فلولا ما ذكر الله أنه نجى الذين نهوا عن السوء لقد أهلك الله الجميع منهم، قال: وهي القرية التي قال جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} الاَية، وروى الضحاك عن ابن عباس نحواً من هذا، وقال السدي في قوله تعالى {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} قال: هم أهل أيلة، وهي القرية التي كانت حاضرة البحر، فكانت الحيتان إذا كان يوم السبت، وقد حرم الله على اليهود أن يعملوا في السبت شيئاً، فلم يبق في البحر حوت إلا خرج حتى يخرجن خراطيمهن من الماء، فإذا كان يوم الأحد لزمن سفل البحر فلم ير منهن شيء حتى يكون يوم السبت، فذلك قوله تعالى {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} فاشتهى بعضهم السمك، فجعل الرجل يحفر الحفيرة ويجعل لها نهراً إلى البحر، فإذا كان يوم السبت فتح النهر فأقبل الموج بالحيتان يضربها حتى يلقيها في الحفيرة، فيريد الحوت أن يخرج فلا يطيق من أجل قلة ماء النهر، فيمكث فيها، فإذا كان يوم الأحد، جاء فأخذه، فجعل الرجل يشوي السمك، فيجد جاره روائحه، فيسأله فيخبره، فيصنع مثل ما صنع جاره حتى فشا فيهم أكل السمك، فقال لهم علماؤهم: ويحكم، إنما تصطادون يوم السبت وهو لا يحل لكم، فقالوا: إنما صدناه يوم الأحد حين أخذناه، قال الفقهاء: لا ولكنكم صدتموه يوم فتحتم له الماء فدخل، قال: وغلبوا أن ينتهوا. فقال بعض الذين نهوهم لبعض {لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً} يقول: لمَ تعظوهم وقد وعظتموهم فلم يطيعونكم ؟ فقال بعضهم {معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} فلما أبوا، قال المسلمون: والله لا نساكنكم في قرية واحدة، فقسموا القرية بجدار وففتح المسلمون باباً والمعتدون في السبت باباً ولعنهم داود عليه السلام، فجعل المسلمون يخرجون من بابهم، والكفار من بابهم، فخرج المسلمون ذات يوم ولم يفتح الكفار بابهم فلما أبطؤوا عليهم، تسور المسلمون عليهم الحائط، فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض، ففتحوا عنهم فذهبوافي الأرض، فذلك قول الله تعالى: {فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين} وذلك حين يقول {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم} الاَية: فهم القردة (قلت) والغرض من هذا السياق عن هؤلاء الأئمة، بيان خلاف ما ذهب إليه مجاهد رحمه الله، من أن مسخهم إنما كان معنوياً لا صورياً، بل الصحيح أنه معنوي وصوري، والله أعلم. وقوله تعالى: {فجعلناها نكالاً} قال بعضهم: الضمير في فجعلناها عائد على القردة وقيل على الحيتان وقيل على العقوبة وقيل على القرية حكاها ابن جرير والصحيح أن الضمير عائد على القرية، أي فجعل الله هذه القرية والمراد أهلها بسبب اعتدائهم في سبتهم {نكالاً} أي عاقبناهم عقوبة فجعلناها عبرة كما قال الله عن فرعون {فأخذه الله نكال الاَخرة والأولى} وقوله تعالى {لما بين يديها وما خلفها} أي من القرى، قال ابن عباس: يعني جعلناها بما أحللنا بها من العقوبة عبرة لما حولها من القرى كما قال تعالى: {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الاَيات لعلهم يرجعون} منه قوله تعالى {أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} الاَية، على أحد الأقوال، في المكان كما قال محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس لما بين يديها من القرى وما خلفها من القرى فالمراد لما بين يديها وما خلفها من القرى، وكذا قال سعيد بن جبير: لما بين يديها وما خلفها، قال: من بحضرتها من الناس يومئذٍ. وروي عن إسماعيل بن أبي خالد وقتادة وعطية العوفي {جعلناها نكالاً لما بين يديها} قال: ما قبلها من الماضين في شأن السبت، وقال أبو العالية والربيع وعطية: وما خلفها لما بقي بعدهم من الناس بني إسرائيل أن يعملوا مثل عملهم، وكان هؤلاء يقولون: المراد لما بين يديها وما خلفها في الزمان. وهذا مستقيم بالنسبة إلى من يأتي بعدهم من الناس أن تكون أهل تلك القرية عبرة لهم، وأما بالنسبة إلى من سلف قبلهم من الناس فكيف يصح هذا الكلام أن تفسر الاَية به، وهو أن يكون عبرة لمن سبقهم ؟ وهذا لعل أحداً من الناس لا يقوله بعد تصوره فتعين أن المراد بما بين يديها وما خلفها في المكان، وهو ما حولها من القرى، كما قاله ابن عباس وسعيد بن جبير، والله أعلم. وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية {فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها} أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم، وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عكرمة ومجاهد والسدي والفراء وابن عطية. لما بين يديها من ذنوب القوم وما خلفها، لمن يعمل بعدها مثل تلك الذنوب، وحكى الرازي ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراد بما بين يديها وما خلفها، من تقدمها من القرى بما عندهم من العلم بخبرها بالكتب المتقدمة ومن بعدها. والثاني: المراد بذلك من بحضرتها من القرى والأمم. والثالث: أنه تعالى، جعلها عقوبة لجميع ما ارتكبوه من قبل هذا الفعل وما بعده، وهو قول الحسن (قلت) وأرجح الأقوال المراد بما بين يديها وما خلفها، من بحضرتها من القرى، يبلغهم خبرها وما حل بها، كما قال تعالى {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى} الاَية، وقال تعالى: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة} الاَية، وقال تعالى {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} فجعلهم عبرة ونكالاً لمن في زمانهم، وموعظة لمن يأتي بعدهم بالخبر المتواتر عنهم، ولهذا قال {وموعظة للمتقين} وقوله تعالى: {وموعظة للمتقين} قال محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس {وموعظة للمتقين} الذين من بعدهم إلى يوم القيامة، وقال الحسن وقتادة {وموعظة للمتقين} بعدهم فيتقون نقمة الله ويحذرونها، وقال السدي وعطية العوفي {وموعظة للمتقين} قال أمة محمد صلى الله عليه وسلمقلت) المراد بالموعظة ههنا الزاجر أي جعلنا ما أحللنا بهؤلاء من البأس والنكال في مقابلة ما ارتكبوه من محارم الله، وما تحيلوا به من الحيل، فليحذر المتقون صنيعهم لئلا يصيبهم ما أصابهم، كما قال الإمام أبو عبد الله بن بطة: حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل» وهذا إسناد جيد، وأحمد بن محمد بن مسلم هذا، وثقة الحافظ أبو بكر البغدادي وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح، و
الله أعلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://abubaker.jordanforum.net
 
تفسير سورة البقرة - من آية 58 - إلى نهاية الآية 66
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة البقرة - من آية 282 - إلى نهاية الآية 286
» تفسير سورة البقرة - من آية 97 - إلى نهاية الآية 98
» تفسير سورة البقرة - من آية 196 - إلى نهاية الآية 197
» تفسير سورة البقرة - من آية 275 - إلى نهاية الآية 281
» تفسير سورة البقرة - من آية 198 - إلى نهاية الآية 203

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأصدقاء :: هدايات وإرشادات وتوجيهات إسلامية :: تفسير القران الكريم "ابن كثير"-
انتقل الى: