منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الأصدقاء
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

( أهلا وسهلا بكم في منتدى الأصدقاء Welcome to the forum Friends >> الرجاء تسجيل الدخول للتعرف على فضائل الأعمال التي يحبها الله Please log in to learn about the virtues of Business loved by God

المواضيع الأخيرة
» تعديل شاشة الكمبيوتر - الوضع الصحيح من المصنع - LG
 وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )  I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 05, 2017 2:53 pm من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
 وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )  I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
 وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )  I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود -- آية الكرسي -- تابع ----
 وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )  I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:33 am من طرف abubaker

»  وكلمة (الله) عَلَمٌ على واجب الوجود؛ مَطمورة فيه كُلُّ صفات الكمال؛ / الرعد - ؛ فشاءتْ رحمتُه سبحانه أنْ سَهَّل لنا أن نفتتح أيَّ عمل باسمه الجامع لكل صفات الجمال والكمال (بسم الله الرحمن الرحيم). ولذلك يُسَمُّونه (عَلَمٌ على واجب الوجود).
 وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )  I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:18 am من طرف abubaker

» أما أسماء الله فحسنى؛ لأنها بلغتْ القمة في الكمال، ولأن الأسماء والصفات التي تنطبق عليها موجودة في الخالق الأعلى سبحانه
 وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )  I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:06 am من طرف abubaker

» وكلمة(اللهُ) عَلَم على واجب الوجود بكل صفات الكمال له - طه
 وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )  I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:57 am من طرف abubaker

» فاعمل لوجهه يكْفك كل الأوجه وتريح نفسك أن تتنازعك قوى شتى ومختلفة، ويُغنيك عن كل غنى.
 وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )  I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:51 am من طرف abubaker

» أتدرون ما هذان الكتابان فريق في الجنة وفريق في السعير
 وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )  I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 18, 2017 3:21 pm من طرف abubaker

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
التبادل الاعلاني

 

  وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abubaker

abubaker


ذكر
عدد المساهمات : 18649
تاريخ التسجيل : 23/12/2010
العمر : 73
الدولـة : jordan

 وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )  Empty
مُساهمةموضوع: وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )     وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )  I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 21, 2016 9:44 pm







وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )

ةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةة

اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة لمحاضرة وقفات مع سورة مريم للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )

أو
اضغط على هذا الرابط :

http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=157238

( وقفات مع سورة مريم )
 للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )

إن من أعظم وأجل السور القرآنية سورة مريم والتي ضمنها المولى الكريم جل وعلا عدداً من مواقف بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومن ذلك: ذكر قصة ومعجزة زكريا وكيف أن الله وهبه الولد في وضع لا يؤهله لذلك، كما ذكر معجزة خلق عيسى وولادته من غير أب سبحانه وتعالى، فسبحان من خلق عيسى من غير أب، وفلق الإصباح والحب.

بين يدي سورة مريم
ذكر قصة زكريا في السورة وولادة مريم
ذكر نبي الله يحيى في السورة
صفات نبي الله يحيى المذكورة في السورة
أسباب عقوق الوالدين
ذكر قصة مريم في السورة
اختلاف الناس في المسيح بن مريم
ذم اليهود على ألسنة أنبيائهم
الحديث عن تحريف الإنجيل
بيان أن نزول عيسى من علامات الساعة الكبرى وبيان الحكمة من نزوله
عظات وعبر من قصة المسيح بن مريم
ذكر إبراهيم ودعوته لأبيه في السورة
بيان كيفية الدعوة من خلال قصة إبراهيم عليه السلام
الأسئلة
بيان فضل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على حواريي عيسى
الإرشاد إلى كيفية التصرف مع الإخوان إذا كانوا غير ملتزمين
وصية للنساء

ةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةة


وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )

http://audio.islamweb.net/audio/Fulltxt.php?audioid=157238

إن من أعظم وأجل السور القرآنية سورة مريم والتي ضمنها المولى الكريم جل وعلا عدداً من مواقف بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومن ذلك: ذكر قصة ومعجزة زكريا وكيف أن الله وهبه الولد في وضع لا يؤهله لذلك، كما ذكر معجزة خلق عيسى وولادته من غير أب سبحانه وتعالى، فسبحان من خلق عيسى من غير أب، وفلق الإصباح والحب.
بين يدي سورة مريم
الحمد لله رب العالمين, الملك الحق المبين, وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، رب الصالحين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خيرة الله من الخلق، وصفوة الله من الرسل، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم عليه وعلى آلـه وأصحابه، وعلى من اقتفى أثرهم واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم آمين.أما بعد ..
ما زلنا في وقفات مع سور من كتاب الله الكريم الذي: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]،

ووقفات اليوم هي مع سورة كريمة من كتاب ربنا هي: سورة مريم, وهذه السورة الكريمة ضمنها الله جل وعلا في صدرها وفي أولها بعض أخبار أنبيائه ورسله ومن شهد الله لهم بالصديقية.ثم ذكر فيها تبارك وتعالى بعض أخبار رسله، ثم أعقب ذلك ذكر جنان عدن وما يكون يوم القيامة من بعث ونشور، ثم بين فيها -تبارك وتعالى- تنزيه نفسه عن الولد، ورد جل وعلا على من قال بالفرية الكبرى وزعم أن الله اتخذ ولداً، ثم ختمها -سبحانه تبارك وتعالى- بما أعده الله لعباده من نعيم ووعد صادق وختمها خير ختام بأن بين أن له جل وعلا القوة والسلطان،
يقول في آخر السورة: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا [مريم:98].

ذكر قصة زكريا في السورة وولادة مريم
الوقفة الأولى:فقد ذكر الله جل وعلا فيها -بعد الحروف المتقطعة في أول السورة- رحمته جل وعلا وشمول نعمته لعبد من عباده ونبي من أنبيائه هو: زكريا عليه الصلاة والسلام،
وقبل الشروع فيما أراده الله جل وعلا وذكره في كتابه يحسن القول بأن القرآن مثاني يفسر بعضه بعضاً ويرشد بعضه إلى بعضه.

ف بني إسرائيل لما ظهر فيهم الفساد كان فيهم علماء ربانيون وكان من الربانيين رجل صالح يقال له: عمران
فلما حملت منه زوجته، وكانت تلك الزوجة ترجو الله جل وعلا أن يرزقها ولداً لتجعله خالصاً لله يخدم في بيت من بيوت الله جل وعلا،
فلما حملت منه وتمنت من الله تلك الأمنية، وضعت خلاف ما أرادت وابتغت
فكان المولود الذي وضعته أنثى،
فاعتذرت إلى الله جل وعلا والله أعلم بما وضعت، قال الله جل وعلا في كتابه الكريم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:33-35]،
أي: خالصاً, إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35].
ثم لما وجدت تلك المرأة أن ما وضعته أنثى اعتذرت إلى الله، قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36],
وجدت بك يا ربنا! هذه البنت ومن يكون من ذريتها من الشيطان الرجيم.
وقد استجاب الله جل وعلا دعوتها،

فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مولود إلا ويمسه الشيطان حين ولادته فيستهل صارخاً إلا مريم وابنها)، قال أبو هريرة : فاقرءوا إن شئتم: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]،
وهذا يلاحظ مما نلمسه ونراه جميعاً أن الطفل إذا ولد فإنه يستهل صارخاً، لصدق الخبر عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم
.ثم إن تلك المرأة دعت الله جل وعلا أن يتقبل هذا المولود قبولاً حسناً، فاستجاب الله دعوتها قال الله تبارك وتعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37]،

وهذا مدخل إلى وقفاتنا مع سورة مريم
.كان زكريا نبياً من أنبياء بني إسرائيل،
وكان زوجاً لأخت مريم
فلما كان زوجاً لأختها كفَّله الله جل وعلا مريم تلك بعد أن استهم القوم على تلك الكفالة،

ذلك أن مريم لما توفي والدها عمران اختصم بنو إسرائيل في كفالتها رغبة منهم في رد الجميل لأبيها ذلك العبد الصالح، قال الله جل وعلا: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ [آل عمران:44]، أي: القرعة والاستهام، أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44]،
فهذا من أنباء الغيب الذي أنبأ الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم.فكان أمر الله جل وعلا أن يكفل زكريا مريم بنت عمران ،
فلما كفلها جعل لها محراباً تتعبد الله جل وعلا فيه، فكان يأتيها ليطمئن عليها،
فكان كلما دخل عليها زكريا المحراب يجد عندها في الصيف فاكهة الشتاء، وفي الشتاء فاكهة الصيف، وربما وجد عندها طعاماً أو فاكهة ليست موجودة في السوق،
فتعجب عليه الصلاة والسلام من هذا وقال لها كما أخبر الله في صريح المحكم: قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا [آل عمران:37]؟ فكان جوابها: قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37],

في هذه اللحظة تذكر زكريا عليه الصلاة والسلام حاله وأنه محروم من نعمة الولد،
وكان قد بلغ من الكبر مبلغاً عظيماً،
وكانت امرأته عاقراً،
وكان فيه من الضعف الشديد ما لا يستطيع معه على لقاح أو جماع لزوجه،
لكنه لما رأى فضل الله على مريم بنت عمران . وهذا فيه فائدة عظيمة أن الرجل إذا رأى نعمة من نعم الله على غيره من المؤمنين فليسأل الله مثلها إن أرادها، فإن الذي أنعم على غيرك قادر على أن ينعم عليك سبحانه تبارك وتعالى
ف بيده جل وعلا مقاليد السماوات والأرض.فأخبر الله تعالى: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:37-38]،

ودعا قائلاً: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89]، كما في سورة الأنبياء
.فنعود لسورة مريم ،
قال الله جل وعلا: ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم:2-3]،

قال العلماء:
إنه دعا الله في مكان خلي بصوت خفي، وقلب نقي، أن يرزقه نعمة الولد حتى تتم رسالة الأنبياء من بعده،
لا كما يريده الناس ولداً محضاً للتجارة أو لغيرها فقد كان زكريا عليه الصلاة والسلام نجاراً ولذلك قال: يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم:6]،
وكونه يرثه في المال فهذا أمر لا يحتاج إلى الإشادة؛ لأن كل الناس يرث أبناءهم آباءهم، ولكن الله نص عليه؛ لأن المقصود بالميراث هنا: هو ميراث النبوة، ومنه قول الله جل وعلا:
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ [النمل:16].

وهنا نقول: إن للدعاء فضيلة عظيمة
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، والله جل وعلا ندب عباده أجمعين لدعائه، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر:60]،
فسمى الدعاء عبادة.
وقد تذلل في ذلك العبد الصالح إلى رب السماوات والأرض،

والوسائل المشروعة في دعاء الله متعددة،
ومن أعظمها ومن أرجى الوسائل قربة عند الله: إظهار التذلل، والمسكنة، والفقر بين يدي رب العالمين،
قال جل وعلا: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم:3-4]

.تبرأ من كل حول وطول وقوة إلا حول وقوة وطول رب العالمين جل جلاله،
فدعا إلى الله جل وعلا بذلته، ومسكنته، وفقره، ومدى فقره إلى رحمة الله جل وعلا، وبغنى الواحد الحي القيوم عنه وعن غيره:
رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي [مريم:4]،
ذكر بذلك ضعف الباطن،
وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا [مريم:4]،
ذكر ضعف الظاهر،
وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم:4]،
أي: كما تفضلت علي سابقاً في إجابة دعواتي تفضل علي لاحقاً وأنت الرب الواحد الأحد صاحب المنة والفضل.
ثم بين الغرض فقال: يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم:6]،
ولما كان المدعو هو الله جل جلاله من وسعت رحمته كل شيء وقع فضل الله تبارك وتعالى على هذا العبد الصالح، فإذا بالملائكة تبشر هذا النبي وهذا العبد الصالح بيحيى،

بل إن الله جل جلاله زيادة في الإنعام على هذا العبد الصالح اختار الله له اسم الولد،
قال تعالى: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [مريم:7]،
وهو ما يسميه النصارى اليوم: يوحنا.

فالله جل وعلا اختار اسمه وأخبر أنه لم يسم أحد من قبل بهذا لاسم، لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [مريم:7]،

ورغم أن العبد الصالح دعا الله، ورغم أنه يعلم أن الله على كل شيء قدير لكنه تعجب: كيف يكون له ولد وقد كانت امرأته عاقراً وقد بلغ هو من الكبر عتياً أي: مرحلة متقدمة في السن لا تجري العادة بأن ينجب الرجل إذا بلغها ذكراً أو أنثى.

وقد حمل بعض أهل العلم قول الله جل وعلا: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم:3]، أن زكريا لما دعا الله دعاه في معزل عن الناس حتى لا يسخر منه أحد، فهو رجل كبير بالغ مرحلة متقدمة في السن، ومع ذلك يرجو الولد ولكنه يعلم فضل الله جل وعلا ورحمته، فلما جاءته البشارة وتعجب منها أخبرته الملائكة أن الله خلقه -أي: زكريا- من قبل ولم يكن شيئاً.

فالله جل وعلا قادر على كل شيء,
ثم إن زكريا أراد من ربه علامات وأمارات بقرب تلك البشارة؛ ليطمئن قلبه وتستقر نفسه، قال تعالى: قَالَ رَبِّ اجْعَل لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا [مريم:10]،
وهذه الآية ظاهرها أنها ثلاث ليال متتابعات،
وهذا على الصحيح خلاف الصواب,

والصواب: أن المقصود بقول الله جل وعلا: ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا [مريم:10]،
أي: أنك -يا زكريا- لا تستطيع أن تكلم الناس رغم أنك رجل سوي الخلقة، تام من غير نقص فليس بك علة وليس بك مرض ومع ذلك لا تستطيع أن تكلم الخلق إلا بالإشارة
كما قال في آية آل عمران: ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا [آل عمران:41]،
أي: بالإشارة،
فهذه هي العلامة التي جعلها الله تبارك وتعالى لعبده زكريا حتى يطمئن قلبه وتستقر نفسه وحتى يثق بأن أمر الله نافذ لا محالة، وحتى يكون أقر لعينيه صلوات الله وسلامه عليه،

فكانت البشارة من الله له،


وهنا نقول قبل أن ننتقل إلى وقفة أخرى:
إنه يجب على العبد أن يعلم
أن خزائن الله لا تحصى،
وفضله تبارك وتعالى لا يعد
فليفزع العبد إلى الله جل وعلا،
وليتأسى بنبي الله زكريا،
وليظهر فقره وذلته ومسكنته إلى الله،
وليصاحب العمل الصالح
فإن الله قال في سورة أخرى لما ذكر آلاءه على زكريا: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]،

فأثنى الله جل وعلا عليه وعلى أهل بيته بالصلاح والتقوى وهذا من أعظم موجبات أو مسببات إجابة الدعاء.


ذكر نبي الله يحيى في السورة
ثم ذكر الله جل وعلا نبيه يحيى عليه الصلاة والسلام أي: أن يحيى نبي ابن نبي وهو ابن خالة عيسى بن مريم –
كما سيأتي بيانه- قال الله جل وعلا: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا [مريم:12-13]،
ويحيى عليه الصلاة والسلام نبي من أنبياء بني إسرائيل وقد كان يجتمع في بني إسرائيل أكثر من نبي في الحقبة الواحدة أو في العصر الواحد أو في الزمن الواحد،
ومن هنا اجتمع يحيى وزكريا وعيسى عليهم وعلى نبينا جميعاً أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

وفي قول الله عز وجل: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم:12]، استنصار لهمم الشباب ودفع لهم إلى تتبع طرائق الله جل وعلا،

فإن الله جل وعلا رزق يحيى الفهم والعلم والحزم والحكمة وهو صبي،

وقد قيل: إن الصبيان اجتمعوا عليه ذات يوم فقالوا له: يا يحيى! هيا بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقنا؛ خلقنا لعبادة الله.

وقول الله: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12]، دلالة على إن دين الله لا يحمله إلا ذوي العزم الشديد، وذوي العقل الرشيد، وذوي الحكمة البالغة، وذوي الآفاق الواسعة، ومن اتصف بصفات عدة؛

لأن القوة ليس المقصود: حصرها على قوة البدن فقط ولكن القوة في البدن والقوة في الرشد والتأني، حتى السكينة والصبر والتحمل فإنها شيء من القوة,

قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).

فمن حاولت إغراءه وجلبه بقول أو بما لا يخفى على أحد، فصبر وتأنى وتبين الحق من الباطل واسترشد فهذا يدل على قوة فيه،

أما الضعف والخور والطيش والحماس المفرط فهذه لا تبني الأمة ولا تقوي مجير ولا تنفع صحوة

إنما يكون أحياناً ضررها أكثر من نفعها.

فالقوة الحق: الاسترشاد، والتأني، والحلم، والبعد، وحسن الظن بالمؤمنين، والنظر في المصالح، والنظر في المفاسد، وتقديم أعظم المصلحتين، ودرء أعظم المفسدتين.. إلى غير ذلك مما لا يخفى على أحد منكم بإذن الله

.ثم قال الله جل وعلا: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا [مريم:12-13]،
أي: الذي آتيناه ليحيى آتيناه من فضلنا ومن عطائنا، ومن ذا الذي يمنع -كما قلنا مراراً- فضل الله ورحمته على أحد من عباده كائناً من كان؟!


صفات نبي الله يحيى المذكورة في السورة
ثم ذكر الله عز وجل بعض الصفات التي وصف الله بها هذا النبي الصالح:
قال جل وعلا في أول صفاته: وَكَانَ تَقِيًّا [مريم:13]، والتقوى قيل في وصفها: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله تخشى عقاب الله, وهي وصية الله لكم وللسابقين من قبلكم،
قال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]،
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2]،

وقد قال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع وفي غيرها: (يا أيها الناس! اتقوا ربكم)،

وما زال الصالحون والأخيار جيلاً بعد جيل خلفاً بعد سلف يوصي بعضهم بعضاً بتقوى الله تبارك وتعالى.

ولهذا وصف الله ذلك العبد الصالح بقوله: وَكَانَ تَقِيًّا [مريم:13]، أي: مقدماً على الطاعات، محجماً عن المعاصي، يرجو رحمة الله، ويخشى عقاب الله وهذا هو التقوى وأساسها،
فإن الإيمان بالعمل وليس الإيمان بالألفاظ فقط والتحلي بها سماعاً دون تطبيق واسترشاد
بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر تبارك وتعالى ثاني صفاته على عبده يحيى قال: وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ [مريم:14]،
وهذه من أعظم الخصال وأجل الصفات،

وبر الوالدين قد أطنب ولله الحمد في بيانه كثير من الدعاة والعلماء جزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء،

ورغم ما قدمه أهل العلم بل وما ذكر في القران وفي صحيح السنة من دعوة إلى بر الوالدين، إلا إننا مع ذلك نجد البعض -عفا الله عنا وعنهم وردهم إلى سبيله وهديه- يفرط في هذه المسالة حتى ممن من الله عليه بالهداية والعودة إلى الطريق المستقيم، وقد أخبرنا من نثق به على سبيل الشكوى إن هناك من الناس من يضرب أمه وأباه أمام أصحابه إظهاراً لقوة شخصيته، ولا ريب إن هذا والعياذ بالله بلاء عظيم وبعد عن طريق الله المستقيم.
أسباب عقوق الوالدين
ولو استقصينا أسباب العقوق لوجدناها تنحصر في أغلب ما يأتي:أولها: جهل كثير من الناس بما أعده الله من أجر عظيم لمن بر والديه, فهو لا يرى في بر الوالدين منقبة، ولا يرى في بر الوالدين مرقى إلى الملكوت الأعلى والرضا من الله جل وعلا، والله جل وعلا يقول: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [العنكبوت:8]، وقال تبارك وتعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي [لقمان:14]، أي: بالعبادة، وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]، أي ببرهما،

وقال صلى الله عليه وسلم لمن سأله الخروج إلى الجهاد (ألك والدين؟ قال: نعم، قال: الزمهما فثم الجنة)،
بل إنه صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أوصى أحد أصحابه ممن سألوه أن يلزم خالته؛ لأن أمه متوفاة وقال له: (إن الخالة بمنزلة الأم)،
فجهل كثير من الناس لما أعده الله من أجر ببر الوالدين هو الذي دفعهم إلى العقوق.ومما دفع كثير من الناس إلى العقوق: سخريتهم وعدم اعتقادهم بما أعده الله من وعيد لمن عق والديه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)، فليست فقط الكبائر، ولكنها من أكبر الكبائر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)، فثنى بعقوق الوالدين وهو أعلم الناس بالشرع بعد الفرية الكبرى والذنب الأكبر وهو الإشراك بالله.كما أنه مما أسهم في وجود ناشئة يعقون والديهم ما يرونه ويسمعونه في بعض المسلسلات والأفلام من عدم وجود حرمة للوالدين وبر الوالدين في ثنايا المسلسل أو الفيلم،
فيصور العائلة على أنها إفراد متكافئين والوالد يكلم ولده استرحاماً، والولد يكلم والده علواً وما إلى ذلك

حتى غرس في القلوب واستقر في العقول أن هذه هي الحياة الطبيعية؛
لأن النشء من كثرة ما يسمع وما يرى وما إلى ذلك وجد أن الأمر طبيعياً
فلا يجد غضاضة ولا ملاماً ولا عتاباً أن يرفع صوته على أحد والديه؛ أمه أو أبيه؛
لأنه يرى أن هذا أمر طبعي جبل الناس عليه
بدليل أنه رآه في مسلسل،
أو بدليل أنه قرأه في قصة،
أو بدليل أنه رآه في فيلم ذات يوم في بيته أو في غيره من بيوت أصحابه.
كذلك مما أسهم في عقوق الوالدين: رفقاء السوء، فإن كثيراً من الشباب -عفا الله عنا وعنهم- يهون بعضهم لبعض مسألة بر الوالدين، حتى أحياناً من الشباب الموسومين بالاستقامة فقد يفضل حضور محاضرة أو درس أو الذهاب إلى نافلة من الطاعات على بره لوالديه، ولا ريب إن هذا خلاف الحق وخلاف الصحيح، فإن إجابة أمر الوالدين واجب وما عدا ذلك من حضور المحاضرات والدروس فإن غالبه داخل في عموم النوافل،

وليس من الحكمة تقديم النفل على الواجب,
إلا إذا أمرك والداك أو أحدهما بمعصية الله، الكف عن تلك المعصية،
والثاني: استرضاءهما ومحاولة تقريبهما من الدين العظيم،
ونبينا صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين وغيرهما: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج)، ثم فصل صلى الله عليه وسلم قال: (وكان جريج رجلاً عابداً في بني إسرائيل، فدعته أمه ذات يوم قالت: يا جريج ! وهو مقبل على الصلاة، قال: يا رب! أمي أو صلاتي؟ فأقبل على صلاته, فلما كان من الغد دعته أمه فقال: يا رب! أمي أو صلاتي؟ فأقبل على صلاته, فلما كان في اليوم الثالث دعته أمه فقال: يا رب! أمي أو صلاتي فأقبل على صلاته، فدعت أمه عليه: اللهم! لا تمته حتى تريه وجوه المومسات)، والمومسات: هن النساء المشتغلات بالزنا والبغي، فتذاكر بني إسرائيل عبادة جريج فقالت امرأة: أنا أفتنه لكم، وكانت المرأة على قدر كبير من الجمال فتعرضت له في الطريق، فأعرض عنها، فذهبت إلى راعٍ فمكنته من نفسها فحملت منه، ثم لما وضعت أخذت المولود وقدمت به على بني إسرائيل، وقالت: هذا الغلام من جريج ,

فذهب بنو إسرائيل إليه وهو صومعته فهدموها وأنزلوه وأخذوا يوجعونه ضرباً
فقال: ما شأنكم؟
قالوا: زنيت بهذه المرأة فحملت منك مولوداً
فقال: ائتوني بماء حتى أتوضأ,
فتوضأ وصلى لله ركعتين،
وكذلك حال المؤمنون
فإذا حلت بهم النوازل لجئوا إلى الله،
قال تعالى:
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45]
.ثم إنه بعد ذلك دعا بالغلام فوخزه في خاصرته
وقال له: يا غلام! من أبوك؟
فأنطق الله ذلك الغلام في المهد وقال: أبي فلان الراعي! نصراً من الله لـجريج .
موضع الشاهد: أن الله استجاب لدعوة تلك الأم على ابنها بأن يرى وجوه المومسات فرأى ذلك،

لكن عندما كان ذلك العبد قريباً من الله، وذا عبادة عصمه ودافع عنه، وأظهر براءته.
وللحديث بقية
وإنما اكتفينا بموضع الشاهد منه؛ لأنه هو المقصود.

وقد جاء في بعض الروايات أو في أقوال بعض أهل العلم أن جريجاً رحمة الله تعالى عليه لم يكن فقيهاً، ولو كان فقيهاً لما قدَّم النافلة على طاعة الوالدين .

ومن أسباب العقوق كذلك: أن كثيراً من الشباب أو من الرجال يكون لديه ضعف في شخصيته، أو كما يطلق بعض الناس على هذه الحالة: أن لديه مركب نقص، فيريد إن يظهر قوته وسلطانه أمام أقرانه وزملائه ورفقائه وأصحابه بأن يعصي والديه أمامهم، أو أن يتجرأ على الوالدين أمامهم، أو أن يبين لهم أنه ليس لوالديه سلطان عليه، فهو يغدو ويروح، ويذهب ويجيء، ويرفع الصوت ولا يبالي، ويأخذ من الأموال ما شاء فيتعجب الرفقاء والقرناء والأصحاب من قوة شخصيته،
وهؤلاء يقول الله في مثلهم: شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112]،
وصدق الله: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]،


فالحق يعرف بنوره ولا يعرف بكثرة أو قلة أتباعه، فإن للحق نوراً لا يخفى على أحد.
هذه بعض أسباب الحقوق، أسباب العقوق
وقد يفتح الله على غيري فيذكر أكثر منها وغالب الظن عندي أنها من أعظم أسباب عقوق الوالدين،

وهي منافية لما أمر الله به ولما وصف الله به الصالحين

فيحيى عليه السلام يقول الله فيه: وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ [مريم:14]

.ثم ذكر الله جل وعلا الصفة الثالثة ليحيى عليه الصلاة والسلام فقال جل ذكره: وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا [مريم:14]،

فالكبر رذيلة من الرذائل في حق بني آدم،
وهو صفة عظيمة من صفات الله جل وعلا، فالكبرياء رداء الله، والعظمة إزاره،
وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي كما صح عنه صلى الله عليه وسلم: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قطعته أو بهته)،

وأمر الله يكون الإنسان مجبولاً على التواضع وغض الطرف
وأمر بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم،
ورحمة الله على من قال:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولاتكن كالدخان يعلو بنفسه على طبقات الجو وهو وضيع

إن الناس غالباً لا يحترموك إلا لسلطان أو لمال أو لغنى أو لما شابهه، هذا إذا كنت عندهم، فإذا انصرفت عنهم لعنوك، ولكن تكسب قلوب الناس إلا بالخلق الحسن والتواضع والبعد عن الكبر؛ لأنك لا تستطيع ولن تقدر أن تنازع الله بسلطانه،
يقول الله جل وعلا مؤدباً لخير المؤدبين صلى الله عليه وسلم: وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [الإسراء:37]،

ولقد كان صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن الكبر، وأقرب الناس -صلى الله عليه وسلم- إلى التواضع،

ولذلك تآلفت قلوب المؤمنين الخلّص حوله،
قال الله جل وعلا: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]

.يقول جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه -والحديث في صحيح مسلم (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته الأولى يعني: صلاة الظهر، قال: ثم انصرف فتبعه غلمان أهل المدينة يسلمون عليه، قال جابر : فسلم عليهم واحداً .. واحداً حتى وصل إليَّ -يقصد: نفسه- فسلمت عليه فوجدت بيديه برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جؤنة عطار)، صلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه.

ومن أمثلة تواضعه صلى الله عليه وسلم, أنه لما زار بعض بيوت أصحابه أخذ يداعب غلاماً صغير يقول: (يا أبا عمير ! ما فعل النغير؟)، والنغير: طائر من الطيور كان أبا عمير -وهو طفل صغير- قد وضعه في قفص فمات الطائر، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يداعبه ويسليه والحديث في البخاري وغيره،

فهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم
.ونحن كمؤمنين لسنا مكلفين بإتباع زيد ولا عمرو ممن يخطئ ويصيب،
ولكنا ملزمون شرعاً بإتباع محمد صلى الله عليه وسلم،
فلا يعيرك أحد أن التواضع من ضعف الشخصية
بل إن التواضع دليل على الصحة النفسية
ودليل على ثقة المرء بنفسه إلا عند أهل الكفر،

قال الله جل وعلا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا [الفتح:29]،


فهذه ثلاث صفات وصف الله جل وعلا بها نبيه يحيى عليه الصلاة والسلام

.ثم قال الله تبارك وتعالى في حق يحيى:
وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم:15]،

وعندما يمعن الإنسان النظر في يوم الميلاد ويوم الموت ويوم البعث يجد أن هذه الثلاثة المواضع لا يمكن أن تتكرر أبداً،

فالإنسان أياً كان لا يولد مرتين، ولا يموت مرتين، ولا يبعث مرتين،
فكلنا يولد مرة واحده، ويموت مرة واحدة، ويبعث مرة واحدة،
فإذا سلم الإنسان في هذه المواطن الثلاثة فقد سلمه الله جل وعلا،

والله كتب السلامة ليحيى ولعيسى بن مريم كما سيأتي في هذه المواطن الثلاث,
قال الله جل وعلا: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم:15]، أسأل الله جل وعلا لي ولكم إن يرزقنا السلامة في هذه المواطن كلها.

ذكر قصة مريم في السورة
ثم بعد ذلك ذكر الله جل وعلا قصة مريم البتول رضي الله تعالى عنها،
وذكر فيها ميلاد المسيح عيسى بن مريم،

وقضية المسيح عليه الصلاة والسلام قضية كبرى، ولعل الله يوفقنا لبيانها

.فـمريم –
كما قد علمتم في أول الدرس-
امرأة نشأت في بيت من بيوت الله
وكانت على قدر كبير من الصلاح والتقوى
حتى إن ملائكة الله كانت تزورها في محرابها،

قال الله جل وعلا ينبئ عن ذلك:
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:42-43].

وهذا كله قبل أن تلد المسيح عيسى بن مريم،
بل إن الملائكة بشرتها بالمسيح قبل أن تلد
وهذا من فضل الله جل وعلا على تلك المرأة التي وصفها الله في القرآن بقوله: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة:75]،

فشهد الله جل وعلا لها بالصديقية.
فمضت هذه المرأة تعبد الله وتوحده وتذكره وتهلله سبحانه وتعالى على الوجه الذي ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه،
حتى خرجت ذات يوم تريد شيئاً من الراحة شرقي بيت المقدس،
وكانت -على قول بعض المفسرين والمؤرخين- تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً.
قال الله جل وعلا:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا [مريم:16-17]،

فبعث الله جل وعلا إليها ملكاً وهو على الصحيح والله أعلم: جبرائيل عليه الصلاة والسلام،

فتمثل لها بصورة شاب وضيء الوجه، تام الخلقة، حسن الخلق،
قال الله جل وعلا:
فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [مريم:17]،
أتاها وهي امرأة عذراء، لم تتزوج، وتقابل شاباً أخبر الله أنه وضيء تام الخلقة بشراً سوياً،
ومع ذلك لم تفتتن به، ولم تبغي، ولم تهمز، ولم تغمز له، ولم تكشف عن نفسها حجاباً
بل إنها خافت على نفسها دون أن يصدر منه أي دليل على أنه يريد بها سوءاً,
فهو لم يتكلم معها ولم يطلب منها أمراً محرماً
ومع ذلك من شدة عفافها وحيائها وخوفها من الله: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا [مريم:18]
.فاستعاذت بالله جل وعلا منه ودعته إلى أن يتركها قائلة: إِنْ كُنتَ تَقِيًّا [مريم:18]،
وجواب الشرط محذوف تقديره: إن كنت تقياً فتخلى عني أو فاتركني أو فلا تلمسني، يقدر بحسبه، لكن هذا هو الصحيح في تفسير الآية؛

ولذلك قال العلماء:
علمت أن التُقى ذو نهيه فوصفته وأخبرته وذكرته بتقوى الله جل وعلا.

وفي هذا درس بليغ لأخواتنا المؤمنات: أنه ليس هناك زينة أعظم من الحياء،


فالمرأة تتزين حسياً ومعنوياً،

أما حسياً فلا حرج فيه إن كان لزوجها
قال الله عز وجل: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]،




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://abubaker.jordanforum.net
 
وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع / وقفات مع سورة مريم - للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي ) - بيان فضل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على حواريي عيسى
»  الشيخ صالح المغامسي- نصيحة الشيخ صالح المغامسي لخطباء الجمعة
» الطوال والمفصل والمئون والمثاني في سور القرآن الكريم في كتب القرآن وعلومه., و المحكم والمتشابه في القرآن - صالح المغامسي
» شرح الأربعين النووية للشيخ العلامة : محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى مقدمة الشارح
» شرح الأربعين النووية شرح الأربعين النووية للشيخ العلامة : محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى مقدمة الشارح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأصدقاء :: هدايات وإرشادات وتوجيهات إسلامية :: قسم ( القرآن الكريم وقصص القرآن الكريم ) وأخرى Section (the Quran and the stories of the Koran) and other Quran-
انتقل الى: